في مجتمع يعتز بالرجولة بمعناها الظاهري.. تصبح الأنوثة تهمة، ومشاهدة قميص نوم حريمي فضيحة، والعار في مجتمع بهذا الشكل هو أن يرتدي الرجل قميص نوم أمام الناس، هذا هو العقاب الذي اختارته مجموعة من البلطجية لمعاقبة شاب أراد أن ينقذ والده من بطشهم. اختاروا له قميصا «بمبي» وطافوا به شارع إبراهيم عبدالرازق في عزبة الريس لتكتمل الفضيحة، المشهد رغم فداحته لم يثر اهتمام رجال الشرطة ليتجرع الضحية العقاب إلي النهاية وانتهي به الحال في المستشفي بعد أن ألقي به البلطجية علي الرصيف في نهاية الأمر. قبل سنوات بعيدة لم يعد لها وجود سوي في كتب الفولكلور كان هناك شيء يسمي «الجرسة» وسيلة لعقاب السارق تقضي بوضعه بالمقلوب فوق حمار يسحبه شخص ليطوف به الشوارع وبصحبته مناد لا يتوقف عن فضح جريمته، كانت هذه هي أبشع وسائل العقاب السائدة في العرف المصري قبل أن يصبح هناك قانون ينظم وسائل العقاب.. توقفت هذه الجريمة ولم يعد لها وجود إلي أن عادت للظهور الأسبوع الماضي مع بعض التغييرات.
في شارع إبراهيم عبدالرازق بعزبة الريس في المطرية جرت أحداث الفضيحة التي اهتزت لها مشاعر سكان المنطقة، وجدوا أنفسهم شهوداً علي واقعة لم تخطر ببالهم، شاهدوا أحد أبناء المنطقة يتعرض لأبشع ألوان العقاب ولم يجرؤ أحدهم علي الاعتراض.. كانت مجموعة من البلطجية قد أحاطت بشاب جردوه من ملابسه.. واجبروه علي ارتداء قميص نوم حريمي لونه بمبي. قيدوه من يديه بحبل ينتهي طرفه في يد بلطجي تولي عملية سحبه إلي الأماكن التي أراد لسكانها أن يشاهدوا هذا المنظر.
فضيحة تشبه فضيحة اللحمة يوم العيد كما يقول سكان المنطقة، لكن الفارق كبير بين الاثنين، رغم أن الأولي تفقد صاحبها رجولته وكرامته، والثانية تأتي بالفرحة لكل من يشارك فيها أو يشاهدها.
في مساء السبت الماضي جرت هذه الواقعة ولم تنته إلا حين شعر البلطجية بنشوة الانتصار لرغبتهم في إذلال البشر، ثم تركوا الضحية في النهاية ليصارع الموت علي أحد الأرصفة بعد أن طعنوه بسلاح أبيض في مناطق متفرقة من جسده، لم تفلح مكالمات سكان المنطقة لبوليس النجدة في انقاذ الضحية، لم تأت الشرطة إلا في نهاية المشهد، وانتهي الأمر مع حضور سيارة إسعاف حملت الشاب الذي اختلطت دماؤه بمساحيق الماكياج التي وضعها البلطجية علي وجهه.
احتجزت الشرطة الضحية، لكن سيرته طليقة تجيب كل من يسمعها برعب يفوق ما يشعر به الأطفال تجاه حكايات «العفاريت وأمنا الغولة» حكاية مصورة فيديو التقطتها موبايلات جمهور الفضيحة ونحتفظ بنسخة منها، أما التفاصيل التي تسبق هذه الواقعة فعرفناها من «أحمد محمود» وشهرته «حسن عيسي» وهو والد الشاب الضحية.
يقول والد الضحية إن ابنه ويدعي «ماهر» لا يتجاوز عمره 30 عاماً، كان يقيم معه ويعمل في مهنة المعمار ليعاونه علي نفقات الحياة، مع بداية شهر رمضان نشبت مشاجرة بيني وبين أحد البلطجية في شارع «الكابلات» الذي يربط بين منطقتي الأميرية والمطرية، سمع ابني بالمشاجرة فجاء بصحبة بعض زملائه في الوقت الذي استعان فيه البلطجي بنحو 40 واحداً من اتباعه، تحول الأمر إلي معركة استمرت ساعة وأصيب فيها أحد البلطجية، فأطلقوا الأعيرة النارية في وجه الجميع والحمدلله لم يصب أحد، ثم انصرفوا وهم يتوعدون بالانتقام من ابني.
تهديداتهم دفعت الأب إلي أن يطلب من ابنه الرحيل ، انتقل «ماهر» إلي منطقة المظلات وبقي بها طوال شهر رمضان دون أن يزوره أي فرد من أسرته لتفادي وقوعه في يد البلطجية، في المقابل لم تتوقف زيارات البلطجية إلي منزل والده والتعدي علي أهل بيته لمحاولة الوصول إلي «ماهر».
جاء يوم السبت بما لا يشتهي أهل «ماهر» ثلاث سيارات ميكروباص كانت محملة بمجموعة من الرجال المزودين بالسلاح، فتشوا المنطقة بالكامل.. إلي أن عثروا علي «ماهر»، لكنه نجح في الهرب قبل أن يمسكوا به، لتبدأ عملية مطاردة في الشوارع من المظلات إلي عبود، تمكن البلطجية من الإيقاع بفريستهم، حملوه إلي مسرح الجريمة، وأثناء الرحلة توقفوا به في شارع الإسكندرية بمنطقة الزاوية الحمراء وقام أحدهم بشراء قميص نوم حريمي لونه بمبي، المحطة التالية كانت في المطرية داخل أحد بيوت عزبة الريس طلبوا من «ماهر» خلع ملابسه وطعنوه بسلاح أبيض في قدمه ليرغموه علي ارتداء قميص النوم ووضعوا الماكياج علي وجهه ثم خرجوا به إلي الشارع ليشاهد سكان المنطقة طريقتهم في الانتقام، وليكون «ماهر» عبرة لمن يجرؤ علي الوقوف في وجههم.
استمرت زفة الانتقام هذه حتي الثانية والنصف صباحاً، طافوا به أمام البيوت والمحلات والمقاهي، كانوا يمسكون في أيديهم أسلحة نارية وسنجا، وزجاجات خمور لزوم الاحتفال بالنصر، لم تفلح استغاثات الأهالي في إنهاء هذه الكارثة، إلي أن جاءت الشرطة وسيارة الإسعاف وبدأت مديرية الأمن في التحري عن الواقعة.
تمكن البلطجية من الإفلات من العقاب، عرفوا بتدخل الشرطة فتركوا المنطقة، إلا أنه تم القبض علي ثلاثة منهم هم «كمال الصعيدي وكريم بكار وحسين تاج» وتم عرضهم علي النيابة، وانكروا كل ما جاء في محضر الواقعة علي لسان الضحية.<
المفضلات