سلسلة مقالات د.نبيل فاروق:ولا عزاء للمتشائمين
السلام عليكم ورحمه الله
دي سلسلة مقالات دكتور نبيل فاروق ولا عزاء للمتشائمين
بعد قرائتها حبيت انكم تستفيدو منها
خاصة اني من الجيل اللي اتربى على كتابات الراجل ده
واكن له فضل كبير في تعميق احساس الوطنية نحو بلدي
اسيبكم مع المقالات :
-------------
خاص-مصراوى
عبر رحلة حياتي ، الطويلة نسبياً ، التقيت بمئات الأشخاص ، صادقت منهم العديدين ، ونفرت من البعض ،
وابتعدت عن آخرين ، إما استجابة لشعور داخلى ، أو طاعة لعقلي ، الذي وجد ، لسبب أو لآخر ، أن موجاتهم لن تتوافق أبدا ، بأى حال من الأحوال ، مع موجتى ...
وعبر كل تلك السنين كنت أميل إلى فئة واحدة ....المتفائلين ،
فمن الطبيعي أن تلتقي في حداثتك وشبابك بكل الأنماط ... المتفائل ، والمتشائم ، والمرح ، والكئيب ، والرصين ، والمستهتر ، والملتزم ، والعابث .
وكما يقولون : الطيور على أشكالها تقع ، لذا فقد كانت المجموعة ، التي ارتبطت بها ، هي الأقرب لطبيعتي ، مع عدد ملحوظ من الاختلافات .
فى المرحلة الثانوية مثلاً ، كنت أبتعد عن المستهترين والعابثين ،وأرتبط بحكم طبيعتي بالفئات العكسية تماماً ، والتي كانت توصف أيامها بأنها الفئات الغلبانة الضعيفة .
ومرَّت المرحلة الثانوية أو كادت ، وفي السنة النهائية منها ، قررَّت فجأة التخلي عن مجموعة الغلابة ، دون أن أنتمي لمجموعة العابثين ، وكان ما أنشده عسيراً أو غير مألوف ، فأيامها كنت إما أن تنتمي إلى هؤلاء أو أولئك .
ولكنني تمرَّدت على الفئتين ، وقررت الإقدام على خطوة ، وصفتها مجموعة الغلابة أيامها بأنها حمقاء متهوَّرة.. رشحت نفسي أميناً للفصل ، في مواجهة أكبر رأس في مجموعة العابثين ، مفرطي الثقة ، الذين يسيطرون على كل شئ .
في البداية ، استقبلت مجموعة العابثين قراري هذا بدهشة كبيرة ، لم تلبث أن تحولت إلى استهتار ساخر ، وتعاملوا مع الموقف باعتباري إما عبيط أو ساذج ، لا يدري أي مصير ينتظره ،ثم لم يلبثوا أن أدركوا أنه ، ولأول مرة ، يجرؤ واحد من مجموعة الغلابة ،
على الوقوف متحدياً ، في وجه زعيم العابثين ...وبدأت المضايقات ، سخرية علنية في حوش المدرسة ، وتحرشات عدوانية ، ومواقف صبيانية ، كان كل الغرض منها أن اتراجع ، حتى لا تسقط هيبتهم في المدرسة .
لم تكن لديهم ذرة واحدة من الشك ، في أنهم سيربحون المعركة في النهاية ، ولكَّن مجرَّد ترشيح نفسي ، كان يبدو لهم تحدياً ، لابد من قتله في مهده ، حتى لا يفعلها آخر بعدي .
أما مجموعة الغلابة ، التي كنت انتمى إليها ، فقد حاولت إثنائي عما أعتزمه ، وتحذيري مما سيواجهني ، وإقناعي بالعدول عن حماقتي ، التي ستجلب علىَّ غضب مجموعة العابثين كلها .
ولكنني كنت ، كما سبق أن أخبرتكم ،قد تمرَّدت على المجموعتين ،
فلم استجب لتحذيرات الغلابة ، ولا تهديدات العابثين ، وكنت شديد التفاؤل، لم يكن مجرَّد تفاؤل عبيط ، كما وصفه البعض أيامها ، وإنما تفاؤل مدروس إلى حد ما صحيح أن العابثين هم دوماً الأعلى صوتا ، وسط أية مجموعة ،
ولكن الغلابة هم دوماً الأكثر عدداً ، فقط يتبعون تلك القاعدة المؤسفة ، قاعدة أن الذئاب دوماً تسير فى قطعان ، والحملان تتفرَّق ،كنت متفائلاً ، ولدى ثقة كبيرة ، في أنني سأربح الجولة ، على الرغم من أن كل الظواهر كانت توحي بالعكس تماماً ،
وجاء يوم الانتخاب ،ولأول مرة فعلية ، وقفت وجهاً لوجه ، أمام زعيم العابثين ، وكان على الكل أن يختار الغلابة ، والعابثون الحملان والذئاب ، كان عليهم أن يختاروا ، إما هو ، أو أنا ..كان العابثون شديدي الثقة والغلابة يرتجفون وعندما تم أخذ الأصوات ،
ثبتت صحة نظريتي الذئاب أكثر قوة والحملان أكثر عدداً وفزت بأمانة الفصل وباكتساح اكتساح أثبت أن الشر ، مهما علا صوته ، فهو دوماً الأضعف ، إذا ما حدثت المواجهة وأن التفاؤل هو الطريق الأمثل ، للنصر ...فزت بأمانة الفصل ، وانكسرت مجموعة العابثين ،
لأول مرة في تاريخ المدرسة ،وعلى عكس المتوقَّع ، أصبحت علاقتهم بي جيدة جداً ، وكذلك الغلابة وكان لهذه الواقعة فضل كبير ، في تكوين شخصيتي في المستقبل ،أصبحت أعتمد دوماً على عاملين رئيسيين ، أرى فيهما النجاح كل النجاح الكفاح والتفاؤل.
ففي المرحلة الجامعية ، صرت أكثر ثقة ،وأفضل حالاً ، واشتهرت بمجلة حائط ، كنا نصدرها بصفة شبه دورية ، أنا والزميل (سمير حنتيرة) ،
وهو الآن استشاري أمراض جلدية وتناسلية كبير ، والطريف أنني لم أكن أكتب فيها إلا برواز صغير جداً ، وكان (سمير) يكتب المجلة كلها تقريباً ،
أما أنا فكنت أقوم بعمل التصميمات ، والرسوم الكاريكاتورية ، ورسم كاريكاتوري كبير ، ينقل على نحو ساخر ، كل ما حدث في الكلية في الفترة الأخيرة .
وكانت الكلية كلها تقريباً تقرأ المجلة ، وتضحك على الكاريكاتير الكبير ، ويتناقل الكل أحداثه ضاحكين ...وهذا ما شجعني على خوض انتخابات اتحاد الطلاب في كلية طب طنطا ، عن اللجنة الفنية، خضتها بنفس العاملين ، السعي والكفاح والتفاؤل ....
وكانت أوّل مرة أصطدم فيها بما أسميه ( قذارة الانتخابات )....أوَّل مرة أواجه فيها المكر والخداع ، والتصرفات البغيضة ، التي يقوم بها البعض ،فقط من أجل أن يربحوا انتخابات طلابية فما بالك بانتخابات أكبر .
وهنا ، وبحكم نشأتي ، أضفت عاملاً ثالثاً شديد الأهمية..الشرف ...قررَّت أن أخوض الانتخابات بشرف ، ودون مواربة أو خداع ،
ومازال زملاء الدراسة على قيد الحياة ، أدام الله سبحانه وتعالى عليهم الصحة والعافية ، وأمدهم بطول العمر، ويمكنهم أن يؤكدوا هذا أو ينفوه ....خضت انتخابات اتحاد الطلاب بشرف ، ودون خداع .....وبمنتهى التفاؤل ....والسعي .....وربحت .....ربحت انتخابات الطلاب ذلك العام ....وكل الأعوام التالية ....وعندما تخرَّجت في الكلية ، كنت أميناً للجنة الفنية.
ولكن سنوات الكلية انتهت ....وبدأت سنوات الكفاح ....كنت في أيام الكلية قد تعرَّفت على زوجتي الحالية ، ولم يكن والدي رحمه الله مستعداً لهذا الارتباط ،
لذا فقد كان علىَّ أن أكافح ، حتى يمكنني الارتباط بها ...وكان هذا يعني جهداً رهيباً ، ومتطلبات كثيرة جداً ، بالنسبة لطبيب امتياز حديث التخرَّج ، لا يمتلك في الحياة سوى راتب حكومي ، كان يبلغ أيامها بالبدلات ثمانية وأربعين جنيها مصرياً لاغير ....وكان المطلوب مني ، بهذه الجنيهات ، التي لا تكمل نصف مائة من الجنيهات شهرياً ،
أن أدخر آلاف الجنيهات ، للحصول على شقة ، وأثاث ، ومستلزمات الخطبة والزواج وما يكفي لفتح بيت الزوجية فيما بعد ....وبأية حسبة بسيطة ، كان هذا مستحيلاً ....إلا إذا.
وهنا تكمن المعادلة الحقيقية ...كل ما يبدو مستحيلاً، يمكن أن يفقد استحالته بتلك العوامل الثلاثة الرائعة....السعي ....والشرف....والتفاؤل ....وبهما ، بدأت رحلة الكفاح ....وللحديث بقية .