مقال منشور بالممصري اليوم النهاردة - بصراحة كلام منطقي جداً

بين التواطؤ.. والتقصير

بقلم أحمد الصاوى ٩/ ١/ ٢٠١٠تستطيع أن تتهم أجهزة الأمن بالتقصير الفادح فى أحداث نجع حمادى، وأنا معك إلى أقصى حد ممكن، لكن لا يجب ولا يجوز أن تصل بغضبك وثورتك إلى اتهامها بالتواطؤ، تستطيع أن تطالب وزير الداخلية نفسه بالاستقالة وتحمل المسؤولية السياسية كاملة عن الحادث، وأنا أيضاً معك، لكن لا يجب أن يقبل عقلك ادعاء أن الرجل منحاز فى أدائه الأمنى ضد طائفة من مواطنيه.
بالعقل ليس من مصلحة وزير الداخلية ولا جهازه الأمنى أن يجد نفسه فجأة فى مواجهة جريمة بهذه البشاعة وفى هذا التوقيت تحديداً، الذى يحتفل فيه المصريون بعيد الميلاد، وفى هذه الظروف السياسية محلياً وإقليمياً، لكن العقل أيضاً يرى تقصيراً فادحاً فى الأداء الأمنى فى هذه المنطقة يستوجب مراجعة حقيقية داخل المؤسسة الأمنية، ويستحق أن تتمسك بمطالبة رؤوس هذه المؤسسة بتحمل مسؤولياتهم السياسية كاملة وبشجاعة.
أولاً: مسرح الجريمة بالفعل ملتهب ومتوتر منذ شهور بسبب أحداث فرشوط، وأزمة «اغتصاب الفتاة المسلمة»، وذلك يعنى بالضرورة أن التركيز الأمنى فى تلك المنطقة كان يجب أن يكون مضاعفاً فى الأوقات العادية، فما بالك بليلة عيد الميلاد.
ثانياً: من الطبيعى أن تستنفر أجهزة الأمن فى الأعياد وأن تعلن «شدة طوارئ» على مستوى الجمهورية، والطبيعى أن تكون هناك «خطة أمنية» واضحة لتأمين الكنائس ليلة عيد الميلاد حيث يتجمع الأقباط فى صلاة قداس عيد الميلاد، إلى جانب مناطق تجمعاتهم واحتفالاتهم فى اليوم التالى، ومن الواضح أن هذه الخطة لم توضع بالجدية اللازمة، ولم تطبق بالمسؤولية الكاملة، والشاهد على ذلك طاقم حراسة كنيستى العذراء ومارى يوحنا فى نجع حمادى، الذى اعتمد على الأفراد وأمناء الشرطة، فى غيبة الضباط المحترفين والمؤهلين للتعامل مع هذه الظروف السياسية والاجتماعية الملتهبة.
ثالثاً: تحدث بيان الداخلية عن مجموعة من المسجلين خطر، وجزم البيان بعد دقائق معدودة بأنهم مرتكبو الحادث، مع ربط بينهم وبين أحداث فرشوط، وتلميح إلى علاقة قرابة بين أحدهم والفتاة التى تعرضت للاغتصاب، إلى جانب تأكيدات من القيادات الكنسية فى المنطقة على ذات المتهمين، بما يؤكد أنهم معروفون وأن مصدر التهديد كان محدداً مسبقاً ومعروفاً، فلماذا لم تتخذ أجهزة الأمن إجراءاتها للتحفظ عليهم على الأقل حتى تنتهى الأعياد إذا كان ليس هناك مسوغ قانونى لاحتجازهم، على الرغم من أن قانون الطوارئ يمنح الأمن كل شىء، ويستخدمه فى وقائع كثيرة أقل خطورة وأهمية.
كل تلك مسوغات منطقية لتوجيه اتهام واضح ومباشر بالتقصير، وهو اتهام لا يجب أن يوجه «نكاية» أو «شماتة» فى أشخاص محددين، بقدر ما يجب أن يكون الهدف منه الإحاطة الكاملة بأسباب وقوع هذا الحادث، وأسباب هذا التقصير، حتى نضمن على الأقل عدم تكراره، ومن حقى وحقك أن ننتظر متحدثاً باسم الداخلية يخرج ليرد على هذه النقاط وغيرها، ويشرح للرأى العام حقيقة ما حدث، دون أن يتنصل من مسؤوليته المهنية وواجبه السياسى.
فارق كبير بين التواطؤ والتقصير، والمؤكد أنه لا تواطؤ فيما حدث، فلا أحد يتواطأ على نفسه، لكن الأرجح أن هناك تقصيراً يستوجب المحاسبة، جزء منه يقع على الداخلية والواجب أن تتحمله، فيما يقع الجزء الأكبر على مجتمع كامل تعشش «الطائفية» فى عقله.. ولذلك حديث آخر.