الموضوع: ست الستات

المهندسة منال التي رفضت رشوة ٢ مليون جنيه: أحلم بسيارة نصف عمر .. ومرتبي «يموت من الضحك»

حوار سماح عبد العاطى ١٢/١٢/٢٠٠٧


«قلّة قناوي» مغطاة بنموذج لتمثال نهضة مصر، و«مظروف» به خمسة آلاف جنيه، هي كل جائزة المهندسة «منال السيد حسن» في الدورة الثانية من المسابقة التي أقامتها منظمة «مصريون ضد الفساد».

المهندسة «منال» كانت قبل عامين مجرد مهندسة تنظيم عادي في حي جنوب الجيزة.. هي الآن صاحبة لقب «المحاربة المصرية الأولي ضد الفساد»، لكنها مازالت تري نفسها مجرد شخصية عادية، وهي لا تعتبر رفضها رشوة تجاوزت المليوني جنيه شيئاً يستحق التكريم.

* المهندسة «منال» ما الذي تغير في حياتك الآن؟

- تبتسم المهندسة «منال»: لم يتغير شيء.. عفواً.. ربما أصبحت أكثر خجلاً بسبب الأضواء الكثيرة التي سلطت علي والتكريم الذي حصلت عليه.

* وهل حدث اختلاف في طريقة معاملة زملائك لك؟

- لا.. لا.. لم يختلف الاختلاف جاء في تعامل المواطنين الذين يترددون علي الحي.

* كيف تغير سلوك المواطنين؟

- صاروا أكثر حرصاً في التعامل معي.. ويخافون جداً أن أسيء فهمهم.

* وهل يمكن أن تسيئي فهم المواطنين؟

- هذا ليس صحيحاً فأنا لست متحفزة للإضرار بالناس.

* ما الصحيح إذن؟

- الصحيح أنني تعاملت مع أصحاب الرشوة السابقة كما أتعامل مع أي شخص يعرض علي رشوة كأن أنبهه مثلاً للطريقة التي يتحدث بها.

* وكيف يكون التنبيه؟

- أعنفه، وأحياناً أطرده من المكتب إذا تمادي وهي أشياء كانت تحدث معي يومياً.

* وما الذي دفعك لإبلاغ النيابة في هذه القضية بالذات؟

- إصرار أصحابها علي الحصول علي ترخيص هدم عقار يمتلكونه بميدان الجيزة.

* الإصرار علي الترخيص المخالف فقط؟

- لا.. الإصرار علي الحصول عليه بأي وسيلة مهما كانت مخالفة.

* كيف؟

- حين طردتهم من المكتب جاءوا من الشباك.. ولم يكن في طريقهم غيري.

* كم بلغت قيمة الرشوة؟

- الرشوة كانت ٥٠ ألف جنيه أموالاً سائلة وشقة كاملة التشطيب في البرج الذي سيتم إقامته مكان العقار، وهي شقة لن يقل ثمنها عن ٢ مليون جنيه.

* ما الخطوات التي اتبعت للإبلاغ عن القضية؟

- أبلغت جهاز الرقابة الإدارية، وطلبوا مني مجاراة أصحاب العرض ووضعوا تليفوناتي تحت المراقبة، وتم القبض علي الراشين في نادي المهندسين بشارع البحر الأعظم علي نيل الجيزة.. وكانت «تلبس».

* هل وضعت هذه القضية حداً لمحاولات إرشاء أخري؟

- إلي حد كبير حتي من قبل الإبلاغ عن القضية، لكن أنا معروف عني قبل ذلك إن دماغي ناشفة ولا أقبل الرشوة والحال المايل.

* «إلي حد كبير» تعني وجود محاولات لكنها قليلة؟

- أحد أصحاب العقارات سأل زميلاً لي عني: هل عندها سيارة؟ وقال له لا فقال صاحب العقار: «سيارتها عندي»!

* وأين ذهبت السيارة؟

- تضحك «منال»: ما اعرفشي.

* هل يعني هذا أنك لا تريدين امتلاك سيارة؟

- من قال هذا.. أريد طبعاً سيارة إن شاء الله تكون نصف عمر.

* كيف تعاملت مع ردود أفعال زملائك بعد الإعلان عن القضية؟

- الإحساس الذي سيطر علي وقتها كان خليطاً من الخجل والدهشة، الخجل من كم التكريم الذي حصلت عليه، فقد كرمني الدكتور «عبدالرحيم شحاتة» وزير التنمية المحلية آنذاك، ومنحني شيكاً بمبلغ ٣ آلاف جنيه، وزملائي في الحي أقاموا لي احتفالاً واستضافتني برامج تليفزيونية.. ومنحني برنامج «الأفضل» تذكرتي عمرة لوالدي في العام الماضي.

* ما شعورك بعد الإعلان عن القضية في وسائل الإعلام؟

- الدهشة إلي حد كبير.

* ولماذا الدهشة؟

- أدهشني الإلحاح العام في السؤال: لماذا رفضتي الرشوة؟

* وماذا يدهش في السؤال؟

- المدهش أن يسأل أحد هذا السؤال.. لأنه يعني أن تقاضي الرشوة أمر طبيعي والاستثناء أن ترفض. وتستطرد: تصوروا وكيل النيابة الذي حقق في القضية قال لي: «أول مرة أشوف مهندس جاي يشهد في قضية رشوة مش متهم فيها».

* ربما يبرر السؤال معرفة الجميع بالظروف الخاصة التي يعيشها موظفو الدولة برواتبهم الضئيلة؟

- تتسع عينا «منال»: ومن إمتي كانت الظروف السيئة مبرراً لأن يتقاضي الإنسان رشوة؟

* هل يمكن لنا التعرف علي ظروفك المعيشية بالضبط؟

- أنا من أسرة متوسطة والدي علي المعاش ونسكن في شقة صغيرة بالجيزة، ولو صرحت الآن بالراتب الذي تم تعييني عليه في عام ١٩٩٧ لمات الناس علي أنفسهم من الضحك، لكن هذا لا يمنحني الحق في الإنحراف.

* الظروف ليست مبرراً للرشوة؟

- طبعاً.. وبنظرة واحدة تعرفون أن جميع قضايا الرشوة كانت لمن يملكون نقوداً كثيرة.. ويتقاضون رواتب طائلة.

* هل جاءت الدهشة بسبب ندرة من يرفضون تقاضي رشوة؟

- غير صحيح.. فمصر مليئة بالشرفاء، لكن الناس تخشي الإبلاغ عن قضايا الرشوة.

* هل انتابك إحساس بالخوف؟

- الخوف من إيه؟

* من محاولات انتقامية مثلاً؟

- لم يرد علي خاطري هذا الإحساس في البداية، لكنني لا أنكر شعوري بالقلق طوال فترة نظر القضية من قبل أجهزة الرقابة، تطور فيما بعد إلي «خوف».

* خوفاً من الانتقام؟

- لا.. لكن خوفاً من فشلي في احتمال مشهد القبض علي المتهمين.

* هل فكرت فيما ستفعلينه بمبلغ الجائزة؟

- الحقيقة لم أفكر فالأمر كله كان مفاجأة بالنسبة لي.

* وماذا عن «القلّة»؟

ساحتفظ بها.. فقيمتها المعنوية عندي غالية جداً.
----------------------------------------------------------------------------

الأمل موجود

ربنا يكتر من أمثالها