المصريون : بتاريخ 14 - 12 - 2007جمال سلطان
تحولت شوارع القاهرة هذه الأيام إلى مأساة حقيقية ، لا تمشي في طريق إلا وتجده شبه متجمد ، وطابور السيارات يمتد إلى كيلو متر أو أكثر ، ولم يعد هناك مدخل واحد إلى القاهرة من أي اتجاه إلا وتجده في حالة انسداد شرياني يحطم الأعصاب ، والمصيبة أنه لا يوجد أي فكر تخطيطي مطروح الآن معني بحل هذه الكارثة ، التي أتصور أنها إذا استمرت بدون علاج شامل إلى العام المقبل ستتعرض القاهرة إلى حالة الشلل التام ، وهو الشلل الذي شهدت شوارعها بروفة له قبل عدة أعوام في واقعة المطر الشهيرة ، حيث توقفت الطرق والميادين والمداخل والمخارج بشكل تام واستغرق وصول المواطنين إلى منازلهم من عصر اليوم إلى فجر اليوم التالي ، وقد قيل أن اليابانيين قدموا مشروعا شاملا قبل حوالي خمسة عشر عاما إلا أنه انتهى إلى الأدراج ، ثم طرح الحزب الوطني حوارا حول نقل العاصمة ودخل في الخط رئيس الوزراء والوزراء وآخرون ، وهو الحل الذي يصل إلى حد البديهة في حالة المدن الشبيهة بالقاهرة ، وهو ما حدث في تركيا ونيجيريا والبرازيل مثلا ، حتى أوقف الرئيس مبارك الكلام فجأة بإعلانه أن الحديث عن نقل العاصمة "كلام فارغ" وأن الأموال التي ستنفق في ذلك أولى بها إصلاح البنية الأساسية ، وهو كلام غير علمي بالمرة وغير حقيقي ، ولكن الجميع بلع لسانه وسكت ، وتم دفن الفكرة التي تناولتها الصحف القومية عدة أشهر باستفاضة ، الدراسات تقول أن القاهرة تستقبل كل عام قرابة ستين إلى سبعين ألف سيارة جديدة تحتاج إلى طرق جديدة ولكن الطرق غير موجودة ، وهذا يعني أن المصيبة تزداد إحكاما عاما بعد عام ، مشروع المترو سيخفف حركة الناس فوق الأرض ، ولكنه لن يوقف ضخ المزيد من السيارات في الشوارع ولن يقلل ما هو موجود ، وبالتالي فهو ليس حلا للمشكلة ، حالة التحجر والبلادة واللامبالاة التي تسيطر على معظم أجهزة الدولة تحول دون اتخاذ بعض الخطوات البسيطة التي يمكنها فك الاختناقات في بعض مداخل القاهرة ، وعلى سبيل المثال فهناك الانقطاع العبثي للطريق الدائري من بعد منزل ترعة المنصورية والذي كان مفترضا أن يتصل بعد خمسة كيلو مترات بطريق الصعيد مباشرة ، وهو ما يعني في حالة وصوله أن عشرات الآلاف من السيارات الخاصة والمقطورات والحافلات والميكروباصات وخلافه المتوجهة إلى محافظات الصعيد والفيوم يوميا لن تدخل نهائيا إلى شارع الهرم أو ميدان الرماية ، وهذا يعني فك الاختناق تماما عن مدخل مدينة 6 أكتوبر الجنوبي من جهة طريق الفيوم وأيضا حل الكوارث المزمنة التي يعاني منها كل من مر على ميدان الرماية وأيضا حل خمسين في المائة من مشكلات الهرم وفيصل والمنطقة السياحية الأولى وأيضا حل المشكلة المستعصية في مدخل طريق الاسكندرية الصحراوي إضافة إلى حل مشكلة سبع محافظات مع القاهرة ، وباختصار ستمثل هذه الخطوة حلا لمعضلات حوالي عشرة ملايين نسمة ، لكن عبقريا من إياهم قال أن مد الطريق الدائري قد يضر بمنطقة بها كشوفات أثرية متوقعة ، دون أن يفكر في أي حل هندسي بديل ، وبالتالي فرض على أكثر من عشرة ملايين مواطن وثلث القاهرة وسبع محافظات بصعيد مصر العذاب اليومي بدون أي معنى ، لمجرد جمود وبلادة نظام عقيم ومفلس ، ويفتقر إلى الخيال وأبسط مقومات الإبداع .
gamal@almesryoon.com