قد يظن البعض أننا سنتحدث عن العملات النادرة ذات القيمة العالية؛ ولكن ليس ذاك.
وقد تظن أخريات أننا سنتحدث عن الذهب أو الماس وما شابه؛ وأيضًا ليس ذاك.
إننا بمعرض الحديث عن فتاة تبادر إلى الطاعة، وتحذر من المعصية، وتسارع إلى عمارة الأرض، من تلقاء نفسها.
تلك العملة النادرة التي يمكن أن نطلق عليها الشخصية الملتزمة، التي رزقها الله وازعًا من نفسها جعلها تبتعد بنفسها عن المعاصي والمحرمات، لا مخافة البشر، بل لما رزقها الله من وازع داخلي، من محبة الله والخوف منه.
وبالطبع الفتاة صاحبة هذا الخلق وهذه المبادئ الرفيعة التي تحافظ عليها في السر والعلن عملة نادرة، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بندرتهم بين الناس حينما قال: (إنما الناس كالإبل المائة؛ لا تكاد تجد فيها راحلة) [متفق عليه].

الخلاصة عزيزتي هذه الشخصية التي نتحدث عنها هي: (شخصية تحركها مجموعة من القيم تمثل مبادئ عليا، وهي مستعدة للالتزام بهذه المبادئ في شتى المواقف والظروف) [كيف تغرس القيم، د.محمد صديق، (21)].
وهذه محاولة مني لتوضيح سمات هذه الشخصية حتى تسعى فتاة الإسلام سعيًا نحو تمثل هذه الشخصية مع نفسها ومع الآخرين.
ما هي المبادئ التي نلتزم بها؟
هي المبادئ النبيلة السامية التي جاء بها ديننا الحنيف، كالعدل والأمانة والحياء والعفة ... وغيرها من المبادئ الأخرى، وهي واضحة جدًّا في كلام الله تعالى وحديث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

ولو تعلمين عزيزتي، أن الفطرة السليمة بنفسها تدعو إلى هذا الوازع الداخلي، فـ(مع بدايات مرحلة المراهقة، وخاصة عند دخول الجامعة تتكون لدى الفرد ـ من خلال الخبرات السابقة ـ مفاهيم محددة عن الصواب والخطأ، وعن الحق والباطل، وعن الفضيلة والرذيلة، ويصبح أكثر قدرة على التعامل مع المواقف المختلفة من خلال منظومة القيم لديه، دون ضغط من الخارج) [شباب بلا مشاكل، د.أكرم رضا، ص(158)].
فالالتزام والاتسقامة حاجة داخلية، فـ(حاجة الإنسان إلى عبادة الله أمر فطري ثابت؛ وهو ما يحسه الإنسان على وجه الخصوص في حالة الشعور بالذنب أو في حال الشدة والخطر، فيتوجه إلى الله خالقه لفك كربته، وحل أزمته) [المراهقون دراسة نفسية إسلامية، د. عبد العزيز النغيمشي، ص(39)].

ومثال ذلك من سيرة الصحابة الأماجد، ذلك الشاب الذي حدَّثته نفسه بالمعصية ولكن أبت أخلاقه التي تعلمها من الإسلام أن يعصي الله تعالى؛ فجاء ليسأل النبي صلى الله عليه وسلم قائلًا: (يا رسول الله ائذن لي بالزنى)! [صححه الألباني] فتحدث إليه النبي صلى الله عليه وسلم بحجته الباهرة حتى شفى الله قلب الشاب من مرض المعصية.
ولكن الشاهد أخيتي في هذا السؤال العجيب، والاستئذان الغريب، أن الشاب منعته أخلاقه ومبادئه من الوقوع في براثن المعصية والمحرمات، حتى دفعه ذلك إلى سؤال النبي صلى الله عليه وسلم، فلما صادف كلام النبي صلى الله عليه وسلم هذه النفس النقية والأخلاق الرفيعة كانت الهداية من الله تعالى.

وحتى لو وقعت هذه الشخصية في الخطأ، فكل بني آدم خطاء؛ فإن مبادئ الإسلام التي تربت عليها الفتاة المسلمة تردها مرة أخرى إلى الصواب؛ مثل ماعز رضي الله عنه، حينما وقع في الزنا، أبت عليه نفسه إلا التوبة والرجوع إلى الله تعالى، فجاء كما في الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله طهرني، فقال: (ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه)، فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيمَ أطهرك؟)، قال: من الزنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبه جنون؟)، فأُخبر أنه ليس بمجنون، فقال: (أشرب خمرًا؟)، فقام رجل فاستنكهه [أي شم رائحة فمه] فلم يجد منه ريح خمر ... [رواه مسلم]، فهكذا الأخلاق والوازع الداخلي والمبادئ لا تترك صاحبها في الخطأ، بل تلومه نفسه وتوبخه حتى يغادر الخطأ ويتوب منه.

اعلمي أخيتي في النهاية أن هذه الشخصية التي نريد، والتي شبهتها بالعملة النادرة، من أهم سماتها أنها:
· (لديها توجه لتقييم الصواب من الخطأ، والحسن من السيئ، مع التشديد على وجوب فعل الصواب والحسن.
· الشعور بالالتزام الشديد تجاه المعايير الاجتماعية الجماعية.
· الشعور بالمسئولية تجاه الاهتمام بمصالح الآخرين، والحرص على حقوقهم.
· الالتزام بالصدق والإخلاص في العلاقات الشخصية.
· الشعور بحالة مزاجية سلبية عند التعامل مع المواقف غير القيمية، وبمعنى آخر: النفور من الأمور التي تخالف قيمه ومبادئه) [كيف تغرس القيم، محمد صديق، ص(20)، بتصرف].
فما نبغيه منكِ عزيزتي أن تكوني مثل هذه الشخصية، صانعة الحضارات ومعلمة الأجيال.