جمعية المحاربين القدماء (منقول)
من ساعة ما عملوا الفتحة اللي قدام شارع نوال وأنا بفكر ألف مرة قبل ما أنزل من البيت. أصل تعدية الشارع بقت صعبة أوي. زمان وأنا عيلة في الجامعة مكنتش بخاف أعدي الشارع. كنت بعدي شارع الهرم دة من غير ما أبص حتى يميني وشمالي. دلوقتي طول ما أنا ماشية ببص يميني وشمالي وتحتي وفوقي، لحسن حد يخبطني، ولا يخطف الشنطة اللي دايماً فيها كل ما أملك رغم تحذير أمي بعد أن خطفوا شنطتها.
يومها كنت عايزة أروح شارع مصدق اشتري حاجة من هناك، وكان حمل تقيل على قلبي، أصلي يا أمشي من تحت الكبري و دي شغلانة ودوشة وسط الناس، يا أعدي الشارع. ساعتها جاتلي فكرة ملهمة، أخد تاكسي ب-٢ جنيه يعديني الشارع..
طلعت برة على الشارع لقيت الونش واقف في نص الشارع،، والظابط بيدردش شوية مع ظابط المرور اللي في الشارع،، وطبعا كل العربيات لازم تاخد غرزة من الونش عشان تعدي.. وده معناه إن حتى التاكسي مش هيقف هنا.
مش مهم أكيد شوية كدة هيخلص كلام وهيمشي... وقفتي طولت ووقفتهم طولت.. ابتديت أبص عليهم.. ابتدوا يبصو عليا.. ابتديت أقرب، الونش بدأ يقلب لي نور، كلام عظيم !
قلت مبدهاش أنا ألف حولين الونش عشان نخلص..
توجهت ناحية الونش، أول ما قربت الظابط أنشكح وإبتسم ، وحس بانتصار عظيم..
خلاص أنا بقيت على بعد خطوتين من سيادة البيه الظابط وهو وعساكره الابتسامة منورة وشهم.. رحت فجأة شخطت فيهم
- دي وقفة دي؟
الظابط إزبهل، وأنا أذبهليت أكتر
- نعم!؟؟
- بقلك دي وقفة دي، حضرتك سادد الشارع، وأنا مش عارفة أخد تاكسي بسببك
- يعني إنت عايزة تاكسي ؟
بص لواحد من عساكره
- روح يابني هتلها تاكسي!
- لأ أنا مش عايزة تاكسي، أنا عايزاك تمشي من هنا
- إيه!
أيه دي كانت شخطة من اياهم، من أين يأتون بقوة الحنجره هذه. أنا صواب وهو خطأ، من أين تأتيه هذه الشجاعة. و أين شجاعتي أنا، سبحث عنها الأن، أكيد هي تختبئ تحت قميصي الأنصع بياضا من قميصه.
- إنت رجل مرور تعلم الناس ازاي تقف صح ! مش واقف سادد الشارع.
- وانتي مالك أصلاً أقف مطرح ما أنا عايز!
- لا حضرتك تقف صح مش ذي ما إنت عايز خالص
أصبح الموقف مشحون جدا وأنا صوتي عالي وهو إتنرفز والناس ابتدت تتفرج.. وأنا ابتديت أترعش، ومش فاهمة أي حاجة، بس عارفة إن الفاس وقعت في الراس خلاص،
- أنا أقف مطرح ما يعجبني في المكان اللي يعجبني!
ولاول مرة منذ بدأت عمليه الهجوم اتحرك خطوة أخرى ناحية الظابط،، طوال الوقت كنت حريصة ألا اقترب أكثر من اللازم ، لا أعلم لماذا ، كنت أقرب إلى الجري من أمامه أكثر من الجري إليه،
- ممكن أعرف إسم سيادة البيه الظابط اللي يقف مطرح ماهو عايز وقت ماهو عايز؟
وتحول الصياد إلى فريسة! حاجة غريبة جدا، الظابط سكت، سكت فعلاً، سكت لفترة، لمليون سنة، لماذا سكت ؟! ليقل شيئا! ليقل أي شئ ، الأن أرجوك، أنا أكره صمتك، بل أخشاه.
ماذا تدبر لي في عقلك الصغير هذا؟
- لأ، مش هقلك أسمي!
أقسم بالله العلي العظيم قال لي لأ، وكانت أحلى لأ سمعتها في حياتي ،أضاءت سماء الدقي، قال لي لأ.
وهنا فقط تكلم الظابط الذي بداخل الونش، وقال للسائق العسكري
- أطلع يابني من هنا!
الونش تحرك! الونش ماشي فعلاً! الونش لم يسرق، الونش رحل من تلقاء نفسه هذه المرة.
-شارع مصدق لو سمحت!
فتحت باب التاكسي ولم أنسى أن ألقي نظرة أخيرة على الظابط، الذي أشاح بوجهه عني وكان ينظر بعيدا جدا.
أول ما وطأت قدمي التاكسي تحدث لي السائق.
-لو كنتي راكبة عربية مكنتيش هتعرفي تعملي فيهم كدة!
- يا عمو واللهي من غير عربية، هو بس ساعات ربنا بيعميك عن الخوف وبيعمي الخوف عنك. ربنا يثبت أقدامنا جميعا.
- بس حد ياخد تاكسي الحتة دي يا بنتي! دة انتي لسة شباب.
- لأ مش النظرية، أصل أنا مش بعرف أعدي الشارع
- دة انتو جيل ما يعلم بيه إلى ربنا، بتفكريني بولادي،، كنتو هتعملو أيام الحرب!
- كنا هنكتب قصايد!
بصيت عليه في المراية، رجل كبير أوي، بس ماشالله بركة، فى ناس في حياتنا بركة، عشان التاكسي يفضل ماشي. عربيته قديمة بس فكرتني بالحسين، قديم بس تحس فيه بالراحة كدة، تحس انك مش غريب.
- عارفة يا بنتي، أنا أيام النكسة أخدوني أسير في إسرائيل، عارفة أنا معنديش غير كلية واحدة، الكلية التانية شغلوا عليها المرووحة.
-مروحة ايه؟
- بقول لك كنت أسير في سجن إسرائيل، كانو بيعذبونا، شغلوا المروحة والريش بتاعها قطع كليتي!
أنا كمان عندي كلية مش شغالة، بس عمر ما إسرائيل فكرت تاخدني أسيرة! اصل المياه في بلدنا مش ولا بد، إسرائيل ملهاش دخل بالموضوع بتاع كليتي، ومع ذلك بابا أصر يعالجها، صرف على كليتي كتير و الله! ماكنش قادر يفهم إن عشان كليتي تعيش لازم نهاجر، وأنا صغيرة ماكنش بيخليني اشرب غير المياه المعدنية، قبل ما نعرف إن هي كمان غير مطبقة للمواصفات العالمية.
- عارفة فضلت عندهم في السجن يمكن ٣ سنين، أو أربعة و الله يا بنتي ما عدت فاكر، وبعدها رمونا في سينا.. مشيت لحد القاهرة، وانتي مش قادرة تمشي لمصدق! أنا عندي بنتين قدك، واحدة فيهم مطلقة وعايشة معنا هيا وعيالها. كل شئ نصيب.
- الحمدلله على كل شئ يا عمو
-أنا عمك حسين،
صمت لفترة ثم أكمل
- الواحد كان فاكر إن احنا هانحارب ونرتاح، ونخلف ونرتاح، والعيال تكبر ونرتاح، ونجوز العيال ونرتاح، الحمدلله على كل شيء
ماذا يتوقع أن أقول له؟! هل ينتظر مني إجابة؟ هل سيرحمني إذا بدأت في البكاء الأن؟! ماذا أقول! هل يجب أن أخفف عنه؟ أن اشاركه الألم؟ هل أحكي له عن مشاكلي أيضا، أو مشاكل أبي؟! أين شارع مصدق اللعين!
- عارفة أنا عندي ٧٨ سنة! اه و الله، الناس مبتصدقش، ربنا سبحانه وتعالى بيدي الواحد القوة عشان يكمل الرسالة!
أين نصيبي أنا من هذه القوة الأن! أنا احتاجها الأن! الأن احتاج قوتي يا رحمن يا رحيم ساعدني على مواجهات عم حسين، كم هو كبير وكم أنا صغيرة،،، أنا التي تخيلت أني هزمت هذا الظابط وكنت استعد لأن أحكي عن شجاعتي لكل اصدقائي! أنا وهذا الظابط الأن سواء.. مهزومين ضعفاء، مختالين بما لا نملك ولن نملكه أبدا!
- أنا هانزل هنا يا عم حسين.
لولا عم حسين لم أكن أبدا استطيع أن اختال وأنا اشتري أشيائي من شارع مصدق، لا بل الأحتمال الأكبر إن شارع مصدق نفسه لن يكون هنا
لا استطيع أن أعطيه أجرته، لا استطيع أن أعطيه مال، أية أموال تنقذني الأن، كيف أتجرأ وأمد يدي الصغيرة في محفظتي وأعطيه فلوس! فلوس!
- عم حسين ربنا يخليك لينا ويديك الصحة.
أعطيته الأجرة، ولم أحاول النظر ناحيته، اشحت بوجهي عنه وتمنيت أن اختفي.
سلمى الدالي
منقول