ناقص مني حته ..
ما فيش مرة شفت عماد صاحبي إلا وألاقيه بيشكي من صعوبة الظروف .. لكن يختم شكواه ويقولي بافضفضلك يا صاحبي قولي يعني هافضفض لمين بس والمصحف ماقدرش اقول غير الحمد لله .. عماد بيشتغل في التجارة ولحكم إن إحنا الاتنين أصحاب مكتبات فدايما باشوفه مرة وهو بيشتري أدوات مكتبية ومرة وهو بيشتري ورق تصوير ، وساعات كتير أتصل بيه عشان يعمل صيانه لماكينة التصوير بتاعتي وعلى ما نشرب اتنين شاي بيكون ظبطلي أم المكنة .. لكن بجد دايما بلاقي في عينيه حالة حزن ممزوجة بحاله ماعرفش اسميها إيه بس هي رضا بالوضع الحالي وعشم في وجه ربنا انه يفرجها قريب .. ساعات كتير بالاقيه نشيط جدا وكأن ما فيش حد غيره في السوق أو كأن كل زباين البلد بقيوا زباين عنده هو بس .. أكتر من مرة اسمعه بيقولي تصدق يا أخي ان الواحد زي ما ساعات بيقى في ايده تلات اربع ميات مسافة ما يلاقيهم طاروا وماحدش يضحك هو بيتكلم عن مية جنيه مش ميت ألف !!
أكتر من عشر سنين مروا على صداقتي بعماد .. بجد راجل وبالاقيه دايما جنبي والغريب إنه بالرغم من إنه لوحده لكن عمري ما احتجت منه خدمه الا ولاقيته جنبي .. ساعة ما اتجوزت كان مفروض أقفل المكتبة اسبوع ع الاقل .. إسبوع عسل لكن مين ماينفعش الكلام ده وعماد موجود الراجل ساب مكتبته لإبن اخته اللي وقتها كان في اجازة تانيه اعدادي ووقف في مكتبيتي وسد مكاني والكل مندهش فيه اصحاب كده .. والله لو احتجت حاجه للمكتبة او احترت في شرا صنف معين .. ياعماد مش لاقي ورق تصوير .. ألاقيه جري شادد ام العجلة بتاعته وجايبلي باكوات ورق . ايه يا عماد ده معلهش انا قسمتلك اللي عندي انت النص وانا النص عشان تشتغل يا صاحبي .. مش لاقي حبر يا عماد .. في دقايق الاقيه جايب كيس حبر من تحت الارض .. مرة كان فيه مناقصه في الادارة التعليمية لاقيته جايبلي عرضين أسعار اللي بالسعر الاعلى مختوم بختم مكتبته والأقل مكتوب فيه انه مقدم من مكتبتي ومش ناقص غير اني اختمه واقدمه عشان ترسي عليا المناقصة .. ياعم خد انت المناقصة دي انت عليك ايجار انا فاتح في بيت ابويا يقولي يا عم انا مش باحب المناقصات قيود ووجع قلب دي عروض عطاهالي واحد حبيبي في التربية والتعيلم قلت انك اولى بيها مكتبتك محدوفه والرجل خافة عليها ، وانت وراك بيت وعيال .. يانهار ابيض ياعماد فيه اصحاب كده في الزمن ده .. ياقلبك اللي عمره ما كره حد .. يابختك ياعماد .
الجو العام للأسواق غريب فالتاجر الصغير يزداد صغرا أو على الأقل ماشي زي ماهو لا بيزيد ولا باين ان كان بينقص .. لذا فهو يماثل تماما الجو العام لإقتصاد للبلد فالسمة الغالبة عليها ان الفقير يزداد فقرا والغني يزداد وبتوحشاً .. ابتدى عماد يشكي وباحس ان فيه دموع عاوزة تنزل من عينيه لكن مش قادرة تهزمه .. مالك يا عماد فضفض يا عمده فضفض الصاحب مفشة صاحبه .. يبتسم ويحكيلي ان الجو نايم .. تصدق يا اخي انا لو ابويا العجوز مات ممكن مالاقيش مصاريف خرجته .. ياعماد تف من بقك ربنا يديله الصحة والعمر الطويل .. يقولي يا اخي الجو بقى خنقة قوي ليه يا عماد .. الشقة اللي في العمارة الكبيرة اللي قدامنا سكن فيها امين شرطة ماقولكش .. ماله .. عامل فرده كل يوم عاوز يصور كوم ورق ولو دفع تلاقيه يديلك خمسة جنيه ويقف مستني الباقي .. وانت بتعمل ايه يا عماد ؟ بافكهاله يا صاحبي .. طب ما تشكي يا عماد .. كشرت في وشه مرة من حوالي شهرين .. وحصل ايه يا عماد .. تلات قضايا تموين في اسبوع والتالته بيتوني في القسم ليلتين .. طب مش تعرفني ياعماد .. وانت اللي فيه قليل يا صاحبي .. بس ده ظلم يا عماد .. ياعم خليها على الله ماضاقت الا اما فرجت !!
ياقلبك ياعماد .. لسه فيه ناس طيبة كده .. عماد في الظروف دي ينفع نقول انه بالعافيه لاقي ياكل وناس تستغله بالشكل القذر ده .. إتاوه ومن الناس اللي مفروض انتمائهم للعداله .. بجد للعدالة مليون وجه !!
كلمة عماد اللي سمعتها منه كتير من وقت ما امين الشرطة اياه سكن قدام منه وعمل اتاوه عليه يا اما يخرب بيت ام مكتبته يا يسد بقى في قضايا التموين والذي منه !!
اول مره تجيلي رساله من عماد من نوعية كلمني شكرا .. طلبته فقالي انا عند الدكتور سامح صبري بتاع الباطنة والقلب .. رميت نفسي في اول تاكس قابلني ورحت عيادة الدكتور سامح .. خير يا دكتور قالي الحمد لله لحقناه .. هو فين .. نقلناه للمستشفى العام هو في العناية المركزة .
في المستشفى العام .. عماد راقد .. أقسم بالله اني ما لمحت صورتك يا عماد عاملة ازاي .. دموعي كانت حاجز كبير خبى ملامحك عليا .. حاولت امسح دموعي ما قدرتش .. سبت دموعي تنزل حزين على صاحب سنيني اللي ممكن يموت قدام عينيا وانا واقف محتار .. دخل دكتور المستشفى قالي لو استمر للصبح يبقى ربنا كتبله عمر جديد احنا عملنا اللي علينا .. صحيح هو جه متأخر لكن البركة في الدكتور سامح من بعد ربنا .
ماينفعش يا عماد تكون مربوط في سريرك وحالتك خطر وما اقفش جنبك .. ياريتني أقدر أشيل عنك يا أحلى حاجة في أيامي .. قفلت تليفوني عشان ابقى موجود مع عماد وابقى في الوقت الحرج ده ليه لوحده .. ساعات عصيبة مرت وتقريبا بقينا وش الصبح .. لقيت عماد بيتكلم بيقولي .. انت هنا يا صاحبي معايا .. حمد الله ع السلامه يا عماد .. اسمع يا صاحبي مش وقته انا حاسس اني هاموت .. حطيت ايدي على بقه ماتقلش كده ياعمده انت هتقف تاني على رجليك .. الظلم وحش يا صاحبي اوعاك تظلم حد .. هاتقف يا عماد وهانرفع شكوى للداخلية وهاجيبلك حقك .. بقى ده كلام يا صاحبي مش عندكم بتقولوا طوبى لصانعي السلام .. وهو ده سلام ده يا عماد .. مش هتموت ياعماد .. اسمع يا صاحبي لا الوقت يعدي فاكر أنا دايما كنت باقولك ايه .. ايه يا عماد .. كنت باقولك لو ابويا مات ممكن مالاقيش مصاريف خارجته .. انا بعت مكنة التصوير امبارح وجابت خمسمية وخمسين جنيه .. إوعى ابويا يحس اني بابيع حاجات المكتبة لا يموت فيها .. الفلوس دي في المكتبة يا صاحبي شوف هيكفوا خارجتي ولا لأ ؟ .. أنا مسامح كل اللي ظلموني ومش زعلان من أي حد يا صاحبي .
دي اخر حاجه سمعتها من عماد .. اللي مات وكل الثروة اللي كان بيتمناها هي مصاريف خارجة أبوه .. مات عماد لكن انا طلعت ندل مارديتش أي جزء من جمايله اللي مغرقاني ع الأقل ما وقفتش مكانه في مكتبته ولا حتى يوم واحد .. إزاي اقدر اغطي غياب حتة مني .. اقف ازاي في مكتبتك يا عماد وانا ناقص حتة .. حتة مهمة إنقطعت من قلبي وانقطعت غدر .. عماد يا بختك لأنك أكيد في مكان احسن .. لا فيه بلد ولا حكومة ولا أمين شرطة ولا داخلية .
=======
ألفي بشرى