منذ ايام قلائل عرفني صديق علي مكان للقصص المصوره ((الكوميكس)) واليوم بينما تصفح جنبات الموقع وجدت قصه حقيقيه حدثت لاحد الاعضاء هناك فأحببت ان اشارككم بها..

هذه احدى قصصي مع مجلة سندباد الحبيبة , قد لا تكون ذات علاقة مباشرة معها لكنها ترتبط بشكل او باخر بها . ومع ان القصة تحمل بعض الذكريات المؤلمة وفيها بعض صور الطفولة المعذبة التي قد تمر بالكثير منا والتي قد تترك اثار سلبية او ايجابية , الا اني لا ارغب من سردها اثارة الشجون لدى احد بقدر ما اجد بان لدي رغبة بان اتحدث عن جانب من احداث مرت بي مع مجلات الكومكس . لذلك ارجوا ان يعذرني من يقرأ القصة ويتفهم القصد من سردها خصوصا وان الطفولة فيها الكثير مما هو مدفون بداخلنا السيء منه والحسن .



في اواسط الستينات كنت بالعاشرة من عمري وكنا نسكن في البصرة بدار تعتبر فخمة قياسا بما حولها , وكانت لنا حديقة خلفية كبيرة . كطفل لم يكن لدي اي شيء يخصني سوى المجلد الخامس من مجلة سندباد وبعض مجلات بساط الريح وسوبرمان الا ان حبي لها لم يكن يوازي حبي لسندباد . كنت اخلد للنوم وانا احتضن المجلد من شدة ولعي به وليكون اول شيء اصبح به حين اصحو , وغالبا ماكنت امسد عليه بيدي حتى انام . وبعد عودتي من المدرسة كنت اقوم بطبع صور اغلفة مجلات المجلد التي كنت افتتن بجماليتها باستخدام ورق شبه شفاف وقلم رصاص , ثم الون الصورة بعد طبعها باقلام ملونة . لم تكن الصور المطبوعة جميلة كالاصل لكنها كانت مقبولة وكنت اخدع اصدقائي بالقول بانها من رسمي .



في احدى ايام الشتاء وبعد عودتي من دوام المدرسة هرعت الى مجلدي كعادتي واخذته هو وورقة بيضاء وبعض الاقلام وخرجت الى حديقتنا الخلفية حيث ركنت نفسي في احدى زواياها واخذت اطبع صورة احد اغلفة مجلات المجلد . لا اتذكر الان اي عدد كان لكني اتذكر جيدا بانها كانت صورة لصياد صغير يحمل بندقية صيد يبحث عن طائر ليصيده والطائر يقف فوق قبعته . اكملت الطبع وبدأت بتلوين الصورة . وانا منهمك بهذا رايت فجأة الى جانبي احد اصدقائي الذي يسكن بجنبنا واسمه (فائز عزو) . اعجب فائز بالصورة وخدعته كعادتي بالقول باني انا من رسمتها . بقيت اتحادث مع صديقي حتى مالت الشمس للغروب فسمعت فجأة اخي الكبير يناديني من شباك الصالون المطل على الحديقة الخلفية فقلت مع نفسي (الله يستر) لانه لم يعتد على مناداتي الا لامر سيء . كان اخي هذا يكبرني بثمان سنوات وانا لم اكن احبه لانه كان شديد القسوة علي لا لشيء الا ليكسب رضا زوجة ابي , وكان لا يناديني الا باسم (مجرم) . دخلت الصالون فرايت مجلسا معقودا من ابي وزوجة ابي واخي واختي ففزعت من منظرهم لانهم لا يلتقون بهذا الشكل الا لامر خطير . قال لي اخي (تعال ايها المجرم واخبرنا ماذا فعلت ؟) قلت (ماذا حدث وماذا فعلت ؟) . اشار ابي الى احدى طابوريات الجلوس في الصالون وقال لي ارفع هذه الطابورية وانظر . كانت لدينا طابوريتان جلبها ابي من مصر محشوة لكي تصبح صالحة لكي يجلس عليها احد , وكانت سجادة الصالون سجادة ايرانية ثمينة اشتراها ابي قبل ايام معدودة . رفعت الطابورية فاذا بطبعة مكواة كاملة احرقت السجادة بشكل يوحي بانها تركت على السجادة لفترة . قال لي ابي بنبرة تنم عن غضب كبير (من فعل هذا ؟) فاجبته قائلا (لا اعلم فأنا منذ عودتي من المدرسة وانا في الحديقة مع صديقي فائز) . تدخل اخي وقال (من يفعل مثل هذه الاعمال القبيحة في البيت غيرك ايها المجرم) , قلت له (لا .. لا لست انا .. ثم لماذا استعمل المكواة وانا عائد لتوي من المدرسة وهل لدي شيء بالاساس يحتاج الكوي ؟) . تصاعد الغضب لدى ابي واخذ يزمجر ويصرخ بصوت عال وكان كلام اخي يزيد من شدة غضبه تماما كمن يضع الزيت على النار . لم يتوقف الحال عند هذا لان الغضب كان قد اخذ من ابي مأخذا بحيث قام من مجلسه وهجم علي منهالا باللكم والضرب وانا اتوسل واصرخ صائحا (لست انا ... لست انا) .



شعرت في لحظتها بان القيامة قد قامت وان منيتي قد اقتربت واني لن انجو الا بالقول باني انا من فعل ذلك حتى ولو كان ذلك كذبا , عندها صحت بكل ما اوتيت من قوة (نعم ... نعم انا من فعل ذلك) . ظننت باني سانجو بعدها لكن ما ان قلت هذا حتى تحول الغضب الى اتجاه اخر هو كيف حدث ذلك , اذ اخذ ابي يضربني ويقول (كيف ... كيف .. اخبرني كيف احرقت السجادة ؟) فادركت في حينها بان حتى اعترافي الكاذب لم ينقذني . لم ينجني من هذا الموقف الا زوجة ابي حين جرتني من بين يديه وقالت له (كافي كافي .. الم يقل لك بانه هو من فعل ذلك) . خرجت من الصالون وهرعت الى غرفتي واتجهت مباشرة الى فراشي ودسست نفسي فيه مغطيا حتى وجهي . بقيت ابكي بصوت خافت وانا اسمع ابي وهو يزمجر ويتوعد دون توقف حتى حل الليل فتسلل الهدوء قليلا الى ارجاء المنزل ولم اعد اسمع اي شيء له علاقة بالموضوع . وحين جاءت ساعة النوم واتجه الجميع للأيواء الى اسرتهم جاء اخي الكبير الي ورفع الغطاء من على وجهي فرأني صاحيا وقال مبتسما وكانه خرج منتصرا من معركة (مجرم ... حقا مجرم) . في وسط ازمتي هذه لم اجد من الجأ اليه سوى مجلد سندباد فاحتضنته بقوة ووجدت نفسي اتكلم مع سندباد بهمس واقول له (هل ترضى يا سندباد بهذا الحال الذي هو عليه صديقك ؟ هل ترضى بهذا الظلم الذي انا فيه ؟ اما لهذا الحال من نهاية ؟) . كنت اشعر في وقتها بان الزمن متوقف وان لا شيء يتغير وان حالي الصعب هذا لا نهاية له ابدا .



في اليوم التالي عدت من المدرسة واتجهت الى المطبخ حيث صببت لنفسي طعام الغداء وجلست اتناول وحدي , واثناء ذلك جاءت زوجة ابي واخذت تسالني (كيف حرقت السجادة ؟) . ظننت بالبداية بانها تسال للاستطلاع فقط فقلت لها (كنت اريد ان اكوي احد قمصاني فاستخدمت المكواة على السجادة مباشرة فحدث ما حدث) . ابتسمت بخبث وقالت لي (هل انت متأكد بانك انت من فعل ذلك ؟) تعجبت من كلامها لكني قلت لها (نعم) . ظل هذا الكلام مطبوعا في ذهني الى يومنا هذا لاني ادركت من لحظتها بانها هي من فعلت ذلك والا ما معنى قولها هذا . مرت عشرات السنين على هذا الحدث ولم يعرف احد ابدا الحقيقة . وقبل حوالي عشر سنين تحدثت لاخي الكبير عنه واكدت له باني لم اكن ابدا من فعل ذلك وقال لي بانه سيخبر ابي به , ولا ادري هل فعل ذلك ام لم يفعل .