الموضوع: حكم الأسلام في التضامن مع المسيحيين والمشاركة معهم في المظاهرات - موضوع هام

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد:

فنقرر بدءا أن ما حدث من تفجيرٍ أمام كنيسة (القديسين) بمدينة الإسكندرية بمصر حرام شرعا، وهو داخل في عموم القتل المحرم الذي هو من أكبر الكبائر، والأدلة على حرمة هذا الفعل كثيرة، من أهمها: عموم الآيات التي تحرم قتل النفس.

وما أخرجه الإمام الترمذي عن أبي هريرة بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ألا من قتل نفساً معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله، فلا يُرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا"، وقوله صلى الله عليه وسلم :" من آذى ذميا فقد آذاني".

وإنه من الطيب أن يتعقل المسلمون والمسيحيين الموقف، ويستهدف الجميع الوحدة الوطنية بالمجتمع المصري، وأن يتبادر المسلمون بالتعاطف مع النصارى في هذا الأمر، وحمايتهم بأجسادهم كما نقلت وسائل الإعلام عن بعض المواطنين.

أما رفع الصليب مع الهلال لبيان وحدة الشعب المصري، فهو مقصود محمود؛ لبيان تماسك الوطن الواحد ضد أعمال التخريب والإرجاف، ولكن الأمر لابد فيه من التفصيل :

فبداية فإن شعار الهلال كرمز للإسلام ليس أمرا تشريعيا، فلم يكن الهلال يوما ما شعارا لدولة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا الخلفاء في الخلافة الأموية والعباسية ولا حتى الخلافة العثمانية، وأول من وضع الهلال على العلم كان الدولة التركية الحديثة بعد الإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني، خاصة في الفترة التي توغل فيها الماسونية في الدولة العثمانية المريضة، وذلك بفعل جماعة ( الاتحاد والترقي) التي تنتمي إلى الحركة الماسونية. . إلا أنه لا يمكن القول أن كل من يستعمل الهلال يعني به هذه الظلال العقدية للحركات الماسونية وعبدة الشيطان. لكن المؤكد أن الهلال ليس رمزا للإسلام حتى وإن تعارف الناس على ذلك، وبغض النظر أيضاً عن قيمة الهلال وما يبنى عليه من أحكام في شريعة الإسلام.

أما الصليب فهو لا شك رمز من رموز المسييحيين ، وهو أحد معتقداتهم التي نؤمن نحن ببطلانها ، وذلك لإنكار القرآن عقيدة الصلب شكلاً وموضوعاً القرآن ، فقال تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) النساء: 157.

وعليه فنقول:

لا يجوز للمسلم أن يرفع علما فيه صليب؛ لأنه رفع لشعار لا يجوز له رفعه. لكن يجوز الخروج في مظاهرات فيها مسلمون ومسيحيين ويرفع فيها المسيحيين الأعلام التي بها صلبان، خاصة إذا كان المقصود من هذا بيان وحدة المجتمع ككل (مسلمين ومسيحيين)، فمثل هذا الخروج جائز شرعا، بل قد يكون مستحبا؛ لوأد الفتنة، والحفاظ على وحدة المجتمع، على أن يكتفي المسلم بإنكار الصليب بقلبه؛ إذ فيه اعتقاد بخلاف ما جاء به القرآن الكريم .

والقول بالجواز هنا مبني على قصد المسلم من نصرة المظلوم ولو كان غير مسلم، وهو أمر حثه عليه الشرع، واستنادا إلى القاعدة الشرعية: " الأمور بمقاصدها"، حيث إن مشاركة المسلم في المظاهرة المشتركة ليس المقصود منها نصرة الصليب، بقدر ما هي تطبيق لمبادئ الإسلام للحفاظ على كل نفس محترمة، وأن الحفاظ على أهل الذمة واجب وهو جزء من ديننا وشريعتنا.

كما لا يشترط للمشاركة في المظاهرات أن يحمل المسلم شيئا فيه صليب، بقدر ما ينبغي عليه المشاركة لرفع الظلم ونصرة المظلومين وتأثيم المعتدين الظالمين، ويمكن للمسلم أن يحمل علم بلده، وهو المظلة التي يجتمع تحتها الجميع، وأعتقد أن علم الدولة التي ننتمي إليها أولى من أي شعار آخر، وهو فرصة للتقريب والتلاحم في هذا الظرف الذي ألقى بظلاله الأليمة على الجميع.

كما لا ينبغي للمسلم أن يحجم عن المشاركة بدعوى وجود صليب يحمله المسيحي فلهم ما حملوا ولنا ما حملنا واعتقدنا، دون أن يؤخرنا ذلك عن دورنا المنوط بنا كمسلمين.

والله أعلم .

الدكتور مسعود صبري الباحث في المركز العالمي للوسطية