و كلمة " ديموكراسى يمكن تقسيمها الى مقطعين,
"ديموس" و تعنى الشعب, و كانت هذه الكلمة تستعمل قديما للإشارة الى" الناس الفقيرة" أو" جحافل الشعب".
و الشق الثانى هو "كراسي" أى "الحكم", أو " القوة", وهكذا ظهرت الديمقراطية فى صورتها الأولى: حكم الشعب, أو كما قال أريستوتول, حكم الرعاع.
كانت الديمقراطية فى بداية عهدها ديمقراطية مباشرة, " ديركت ديموكراسى" لأن الممارسة كانت تستلزم تجمع الشعب فى مكان عام مثل حلبة المصارعة مثلا, و عند طرح رأى أو إقتراح يمس حياة الشعب, يتم التصويت برفع قبضة اليد فى السماء , ويتم العد لصالح أو ضد الفكرة المطروحة.
ولما زاد عدد الناس, و كذلك تعددت أماكن سكنهم, و تباعدت, أصبح من المستحيل الاستمرار فى جمع السكان فى مكان واحد للتصويت على القرارات, و هنا إبتكر بعض الفلاسفة فكرة إختيار سكان المحليات لبعض منهم ليكونوا مندوبين عنهم, ليصوتوا لصالحهم فى العاصمة, على أن يتحمل السكان مصاريف إنتقالهم و إقامتهم هناك. وكانت هذه هى بداية "الديمقراطية الغير مباشرة", وهى أيضا ما نسميه" الديمقراطية البرلمانية" أو "الديمقراطية النيابية".
و رغم أن الديمقراطية النيابية قد حلت مشكلة العدد و المكان, إلا أن لها عيوب لم تكن موجودة فى الديمقراطية المباشرة:
1- إنها ديمقراطية محدودة, حيث أن ممثل الشعب يلتزم بموضوعات معينة و بإجراءات معينة, و لفترة محدودة (فترة عضويته بالبرلمان أو المجلس)
2- لكونها ديمقراطية غير مباشرة, لا يشعر الشعب أنه شريك فى العمل السياسى أو فى صنع القرار, و أن دوره قد إنتهى بانتخاب نائبه, الذى متى إحتل مقعده بالبرلمان, نسى من إنتخبه( كما يحدث فى مصر حاليا).
و لكن من محاسن"الديمقراطية النيابية", أو "الغير مباشرة" أن:
1- البرلمان يسمح بتمثيل مختلف شرائح الشعب و خاصة إذا كان تعدادهم كبير,( فى مصر مثلا, هل تتخيلوا 85مليونا من البشر متجمعين فى ميدان التحرير مثلا للتصويت؟)
2- تعفى الديمقراطية النيابية أفراد الشعب العادى من عناء و مسؤولية إتخاذ قرارات سياسية, و هذا يسمح بتقسيم العبئ بين المواطن, وممثله.
3- تسمح الديمقراطية النيابية بوضع مسئولية حكم الشعب فى أيدى أفراد مؤهلين ثقافيا, ولهم خبرة واسعة ( وهذا لا يحدث فى مصر,)
4- توفر الديمقراطية النيابية(أو البرلمانية) حالة من الإستقرار بين أوساط الشعب, حيث لا حاجة لهم لإشغال أنفسهم بالأمور السياسية المعقدة, و حتى يتفرغوا لأعمالهم, فى الوقت الذى يحاول فيه الساسة المتمرسون التوصل الى حلول مقبولة للجميع. ( وهى فكرة تلاقى قبول من معظم حكومات منطقتنا).
لذا, يمكن أن نقول أن كلمة " ديمقراطية" تشير فى الوقت الحالى الى أفكار و فلسفات متعددة, يمكن إيجازها فى الآتى:
- حكم الفقير و المغبون
- نظام يحكم الناس فيه أنفسهم مباشرة ,و بإستمرار و بدون الحاجة الى ساسة محترفين أو موظفين رسميين
- مجتمع يقوم على تكافؤ الفرص, و الكفاءة الشخصية, و ليس على المركز الإجتماعى أو الثراء
- نظام يهدف الى الصالح العام, و يذيب الفوارق الإجتماعية
- نظام حكم يعتمد على صوت الأغلبية
- نظام حكم يكفل العدالة و المساواة للأقليات, و ذلك بوضع معايير لتحجيم سلطة الأغلبية
- نظام يهدف الى ملئ المواقع الحكومية عن طريق معركة إنتخابية, للوصول الى الحكم
- نظام يكفل حماية مصالح أفراد الشعب بغض النظر عن ميولهم السياسية.
هذه كانت بعض تعريفات " الديمقراطية, و لا شك أن بعض الأفكار الواردة بها لا بد أن تلاقى قبولا من الشخص العادى الحر, الذى يرغب فى أن يكون له صوتا مسموعا, و يريد أن يعامل كآدمى, له نفس الحقوق و الإلتزامات, المتاحة لجميع أفراد الشعب بدون تفرقة سياسية أو إجتماعية, أو مالية, أو ثقافية أو عرقية.