لا أتخيل مصريا لا يقول لجاره المسيحى اليوم: عيدك سعيد.

نحن قطعا مختلفون فى العقيدة لكن مسيحيى مصر هم أهل وطنى وإخوانى الذين يختلط دمهم بدمى، وفرحهم بفرحى، ويحل لى شرعا أن أتزوج منهم وأن آكل من طعامهم.

وسيفصل الله بيننا يوم القيامة فيما كنا فيه مختلفين. وأقول هذا الكلام مع علمى أن بعض الأصدقاء يروجون على الفيس بوك فتوى منسوبة للعالم السعودى الجليل ابن عثيمين، رحمة الله عليه.

يحرم على المسلمين تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، لأن فى «تهنئتهم إقرارا لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضا به لهم»، استنادا لكتابين لابن تيمية وابن القيم.

والقارئ للكتابين يجد نزعة نحو التشدد ضد غير المسلمين.

وهو ما لا يبدو منفصلا عن المرحلة التى عاشها العالمان الجليلان، حيث كانت حروب الفرنجة (المسماة خطأ حروب الصليبيين، والصليب منها براء) التى قَتل فيها الفرنجة نحو 100 ألف من أهل بيت المقدس بمن فيهم من مسلمين ومسيحيين ويهود.

وقاتل فيها كثير من مسيحيى مصر والشام جنبا إلى جنب مع المسلمين لتحرير بيت المقدس من الفرنجة.

كما قاتل بعضُهم ضد المغول لاحقا، فتم وقف الجزية عنهم مثلما أسقط معاوية رضى الله عنه الجزية عن الأرمن، حين دافعوا عن ديار المسلمين.

لكن لم يكن كل غير المسلمين على نفس الدرجة من الولاء للدولة، فخشى ابن تيمية وابن القيم على الدين منهم فتشددا. ومع تغير الأحوال.

خرج علينا علماء معاصرون (مثل الشيخ القرضاوى ومعظم علماء الأزهر) يحلون تهنئة غير المسلمين بدينهم من باب «البر» الذى حضنا القرآن الكريم عليه.

والحقيقة أن تاريخ المسلمين يكشف عن أن حقوق غير المسلمين ضاقت واتسعت وفقا لمتغيرات كثيرة، ولكن الثابت أن العديد من بناة الحضارة الإسلامية كانوا من غير المسلمين. مثلما وصف الشهرستانى (الملقب بالفقيه)، حُنين بن إسحاق المسيحى، فيلسوفا إسلاميا.

وحنين هذا كان بمقام وزير الثقافة فى عهد الخليفة المأمون (فقد كان على قمة بيت الحكمة وديوان الترجمة)، وكان الطبيب الخاص للخليفة المتوكل.

وهو ما لم يكن بعيدا عن اعتبار الشيخ مصطفى عبدالرازق لموسى ابن ميمون بأنه من الفلاسفة المسلمين. وابن ميمون كان فيلسوفا يهوديا فر من دولة الموحدين فى الأندلس ثم استقر كطبيب لصلاح الدين الأيوبى فى مصر.

والمعنى الذى قصده الشهرستانى ومصطفى عبدالرازق بانتماء هذين الفيلسوفين للحضارة الإسلامية هو نفس المعنى الذى قصده مكرم عبيد، حين وصف نفسه بأنه «مسلم وطنا، ومسيحى دينا».

سأتصل بأصدقائى المسيحيين لأهنئهم بعيدهم. وأرجو ألا نتقبل بلا تفكير فتاوى تجىء إلينا من بلاد لا يوجد فيها غير مسلمين كى تكون منهجنا فى تعاملنا مع بنى وطننا؛ فعلماؤنا الثقاة أدرى بحالنا.




.................................................. ..........مقال رائع للكاتب الأروع معتز بالله عبد الفتاح