بين أنابيب السلفيين وسبابيب العلمانيين( جمع سبوبة) تكتشف بسهولة السر في قبول الشعب خصوصا في الأحياء الشعبية للتيار الإسلامي ونفورهم وكراهيتهم للتيار العلماني، ذلك أن الناس في تلك الأحياء والمناطق تلمس جهد وتضحيات الأولين من اجلهم، ومتاجرة واستعلاء الآخرين عليهم.
بينما كانت أزمة أنابيب الغاز تقض مضاجع المواطنين في الأحياء الشعبية حين اختفت من الأسواق وارتفع سعرها إلى 20 و25 جنيها، وبينما كان نجوم الفضائيات يتسابقون على حجز أماكن لهم في برامج التوك شو وغيرها للحديث عن فظائع الأزمة ومسبباتها وتداعياتها، كان السلفيون يوفرون هذه الأنابيب في الطالبية بمنطقة الهرم وغيرها من المناطق الشعبية بسعر 5 جنيهات للأنبوبة.
هذا هو الفرق بين الذين يعملون في صمت بعيدا عن الفضائيات فيكسبون قلوب الناس، وبين الذين لا يحسنون إلا الكلام في الفضائيات، وليس لهم في قلوب الناس مكان، بين الذين يضحون بوقتهم وجهدهم ومالهم، وبين الذين لا يفعلون شيئا إلا إذا كان الدفع مقدما وبالعملات الصعبة، سواء عبر الظهور في الفضائيات، أو تأسيس "دكاكين" حقوق الإنسان، وجمعيات المرأة وحماية الأقليات الخ.
هذا الموقف من الشباب السلفي ليس الأول من نوعه فقد سبق أن قام السلفيون في الإسكندرية إبان الثورة بتوفير الخبز والخضروات بأسعار اقتصادية، أيضا كما نظموا لجانا شعبية لحماية بعض أقسام الشرطة التي تعرضت لمحاولات اقتحام من قبل بعض البلطجية لإطلاق سراح سجناء ومحتجزين داخلها.
ما قام به السلفيون هو أفضل رد على الحملة المناوئة لهم هذه الأيام والتي لاترقب فيهم إلا ولا ذمة، وتنسب إليهم من الخطايا مالم يقترفوه، من قطع آذن أو هدم أضرحة، أو ملاحقة النساء المتبرجات في الشوارع، وأتمنى أن يتوسعوا في هذا النهج لأن المجتمع يحتاج الكثير الذي لا تستطيع الحكومة – أية حكومة – توفيره، والذي يرقى إلى درجة فرض الكفاية، إذا لم يقم به البعض وقع الإثم على الجميع.
مسارعة الإسلاميين أيا كانت مدارسهم لخدمة الناس في الأحياء الشعبية، ليست وليدة اليوم بل تمتد لعقود خلت، ولا أنسى ذلك السوق الكبير الذي أقامته الجماعة الإسلامية في بلدي ملوي أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، ووفرت فيه الخضروات والسلع الغذائية بأسعار تنافسية جدا، وهو ما تكرر في مدن ومحافظات أخرى، وبطبيعة الحال لا يخفى على أحد الخدمات الكثيرة التي قدمها الإخوان سواء عبر المستشفيات أو المدارس أو الجمعيات التي أقاموها في معظم الأحياء، كما لا يخفى حجم المساعدات التي قدموها للمحتاجين سواء بشكل نقدي أو في صورة كسوة الأعياد أو دخول المدارس، أو شنطة رمضان التي كانوا أول من سنوا سنتها قبل |أكثر من ربع قرن، ولا ينسى أحد مسارعتهم لنجدة المنكوبين أيام الزلزال او انهيار صخرة المقطم، ولا يمكن أيضا أن ننسى الجهد الكبير للجمعيات الشرعية وأنصار السنة في رعاية الأيتام وتقديم المساعدات الخ.

حين عجز العلمانيون عن تقديم مثل هذه الخدمات للفقراء راحوا يكيلون الاتهامات للإسلاميين أنهم يقدمون هذه الخدمات والمساعدات بهدف خبيث وهو حصد أصوات هؤلاء" الغلابة" في الانتخابات، وهو اتهام- لو تعلمون- عبيط، لأنه تفتيش في النوايا التي لايعلمها إلا الله، ولأن معظم الذين كانوا يتلقون هذه المساعدات هم من الفقراء والمعدمين الذين لم يكونوا يحملون بطاقات انتخابية أو حتى بطاقات عادية أو يفكرون في الذهاب إلى لجان الانتخابات.
يبقى أن نقول للعلمانيين أصحاب الصوت العالي، إن قليلا من الجهد والعطاء يقابله الشعب بكثير من الرضا والامتنان، وأنهم إذا أرادوا كسب الشعب فعلا فليتخلوا قليلا عن الفضائيات ويهبطوا إلى العشوائيات، يبذلوا ما في وسعهم لمساعدة المحتاجين "فمن جد وجد ومن زرع حصد".

منقول من مقالة للاستاذ قطب العربى من مصراوى