أثره في الآخرين:
إن رجلاً تربى على يد الصحابة وأخذ عنهم وتعلم منهم تجد له آثارًا واضحة في الآخرين، فعن إياس بن أبي تميمة يقول: شهدت الحسن في جنازة أبي رجاء على بغلة والفرزدق إلى جنبه على بعير، فقال له الفرزدق: قد استشرفنا الناس يقولون: خير الناس، وشر الناس قال: يا أبا فراس، كم من أشعث أغبر ذي طمرين خير مني؟ وكم من شيخ مشرك أنت خير منه؟ ما أعددت للموت؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله قال: إن معها شروطًا فإياك وقذف المحصنة قال: هل من توبة؟ قال: نعم.


وخرج الحسن من عند ابن هبيرة فإذا هو بالقراء على الباب فقال: ما يجلسكم ها هنا؟ تريدون الدخول على هؤلاء الخبثاء، أما والله ما مجالستهم مجالسة الأبرار، تفرقوا فرق الله بين أرواحكم وأجسادكم، قد فرطحتم نعالكم وشمرتم ثيابكم وجززتم شعوركم فضحتم القراء فضحكم الله، والله لو زهدتم فيما عندهم لرغبوا فيما عندكم، ولكنكم رغبتم فيما عندهم فزهدوا فيكم أبعد الله من أبعد.

موقفه مع عمر بن عبد العزيز:
كتب الحسن بن أبي الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد يا أمير المؤمنين، اعلم أن الدنيا ليست بدار إقامة وإنما أهبط آدم إليها عقوبة؛ فبحسب من لا يدري ثواب الله أنه ثواب، وبحسب من لا يدري عقاب الله أنه عقاب، ليست صرعتها كالصرعة تهين من أكرمها، وتذل من أعزها، وتفقر من جمعها، ولها في كل حين قتيل، فالزاد منها تركها والغنى فيها فقرها، هي والله يا أمير المؤمنين كالسم يأكله من لا يعرفه ليشفيه وهو حتفه؛ فكن فيها يا أمير المؤمنين كالمداوي جرحه يحتمي قليلاً مخافة ما يكره طويلاً، ويصبر على شدة الدواء مخافة البلاء، فأهل البصائر الفضائل فيها يا أمير المؤمنين مشيهم بالتواضع، وملبسهم بالاقتصاد، ومنطقهم بالصواب، ومطعمهم الطيب من الرزق، قد نفذت أبصارهم في الآجل كما نفذت أبصارهم في العاجل، فخوفهم في البر كخوفهم في البحر، ودعاؤهم في السراء كدعائهم في الضراء، ولولا الأجل الذي كتب عليهم لم تقر أرواحهم في أبدانهم إلا قليلاً خوفًا من العقاب وشوقًا إلى الثواب، عظم الخالق في أعينهم وصغر المخلوق عندهم فارض منها بالكفاف وليكفك ما بلغك المحل.
خوفه وخشيته:
ومما يعرف عن الحسن البصري شدة خوفه وخشيته لله عز وجل، ومن ذلك ما رواه حميد الطويل قال: خطب رجل إلى الحسن فكنت أنا السفير بينهما قال: فكأن قد رضيه، فذهبت يوما أثني عليه بين يديه فقلت: يا أبا سعيد، وأزيدك أن له خمسين ألف درهم قال: له خمسون ألفًا ما اجتمعت من حلال، قلت: يا أبا سعيد إنه ما علمت لورع مسلم، قال: إن كان جمعها من حلال فقد ضن بها عن حق، لا والله لا يجري بيننا وبينه صهر أبدا.
وعن علقمة بن مرثد في ذكر الثمانية من التابعين قال: وأما الحسن فما رأينا أحدًا أطول حزنًا منه، ما كنا نراه إلا حديث عهد بمصيبة. ويقول يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز كأن النار لم تخلق إلا لهما. وعن حفص بن عمر قال: بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غدًا في النار ولا يبالي
قوله الحق:
لما ولي عمر بن هبيرة الفزاري العراق وأضيفت إليه خراسان وذلك في أيام يزيد بن عبد الملك؛ استدعى الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي وذلك في سنة ثلاث ومائة فقال لهم: إن يزيد خليفة الله استخلفه على عباده، وأخذ عليهم الميثاق بطاعته، وأخذ عهدنا بالسمع والطاعة، وقد ولاني ما ترون فيكتب إلي بالأمر من أمره فأقلده ما تقلده من ذلك الأمر فما ترون؟ فقال ابن سيرين والشعبي قولاً فيه تقية، فقال ابن هبيرة: ما تقول يا حسن؟ فقال: يا ابن هبيرة، خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، إن الله يمنعك من يزيد وإن يزيد لا يمنعك من الله، وأوشك أن يبعث إليك ملكًا فيزيلك عن سريرك ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ثم لا ينجيك إلا عملك، يا ابن هبيرة، إن تعص الله فإنما جعل الله هذا السلطان ناصرًا لدين الله وعباده؛ فلا تركبن دين الله وعباده بسلطان الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فأجازهم ابن هبيرة وأضعف جائزة الحسن فقال الشعبي لابن سيرين سفسفنا له فسفسف لنا
من كلماته:
يقول الحسن: بئس الرفيقان الدينار والدرهم، لا ينفعانك حتى يفارقاك.
وقال الحسن: أهينوا الدنيا فوالله لأهنأ ما تكون إذا أهنتها.
وكان يقول: اصحب الناس بما شئت أن تصحبهم فإنهم سيصحبونك بمثله.
ومن أقواله: فضح الموت الدنيا فلم يترك فيها لذي لب فرحا وروى ثابت عنه قال ضحك المؤمن غفلة من قلبه
وسأله رجل فقال له: يا أبا سعيد، ما الإيمان؟ قال: الصبر والسماحة فقال: يا أبا سعيد ما الصبر والسماحة؟ قال: الصبر عن معصية الله، والسماحة بأداء فرائض الله.


موقف الوفاة:
يقول أبو طارق السعدي: شهدت الحسن عند موته يوصي فقال لكاتب: اكتب هذا ما يشهد به الحسن بن أبي الحسن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله من شهد بها صادقًا عند موته دخل الجنة، ولما حضرته الوفاة جعل يسترجع فقام إليه ابنه فقال: يا أبت قد غممتنا، فهل رأيت شيئًا؟ قال: هي نفسي لم أصب بمثلها.
وفاته:
قال رجل لابن سيرين: رأيت كأن طائرًا آخذًا الحسن حصاه في المسجد فقال ابن سيرين: إن صدقت رؤياك مات الحسن قال: فلم يلبث إلا قليلا حتى مات.
ومات الحسن ليلة الجمعة، وغسله أيوب وحميد، وأخرج حين انصرف الناس وازدحموا عليه، حتى فاتت الناس صلاة العصر، لم تصل في جامع البصرة. وكان مماته سنة عشر ومائة، وعمره تسع وثمانون سنة، وقيل ست وتسعون سنة. وقال هشام بن حسان: كنا عند محمد بن سيرين عشية يوم الخميس فدخل عليه رجل بعد العصر فقال: مات الحسن فترحم عليه محمد وتغير لونه وأمسك عن الكلام فما تكلم حتى غربت الشمس، وأمسك القوم عنه مما رأوا من وجده عليه، وما عاش محمد بن سيرين بعد الحسن إلا مئة يوم. قال ابن علية: مات الحسن في رجب سنة عشر ومائة. وقال عبد الله بن الحسن إن أباه عاش نحوا من ثمان وثمانين سنة. وقد مات في أول رجب، وكانت جنازته مشهودة صلوا عليه عقيب الجمعة بالبصرة فشيعه الخلق وازدحموا عليه حتى إن صلاة العصر لم تقم في الجامع ويروى أنه أغمي عليه ثم أفاق إفاقة فقال لقد نبهتموني من جنات وعيون ومقام كريم.
فضله ومناقبه:
يقول علي بن زيد: أدركت عروة بن الزبير ويحيى بن جعدة والقاسم فلم أر فيهم مثل الحسن ولو أن الحسن أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو رجل لاحتاجوا إلى رأيه..
وقال الأعمش: ما زال الحسن يعي الحكمة حتى نطق بها، وكان إذا ذكر عند أبي جعفر يعني الباقر قال: ذاك الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء..
المصادر:
سير أعلام النبلاء - البداية والنهاية - الطبقات الكبرى - تهذيب الكمال - تهذيب التهذيب - وفيات الأعيان - عجائب الآثار - إحياء علوم الدين - ذم الدنيا - صفة الصفوة - مكارم الأخلاق - الوافي بالوفيات..


مـــنــقــول
الــمـصـدر :
http://www.islamstory.com