الإدارة السياسية خذلت الثوار
"إبراهيم عيسى"

المجلس العسكري هو عسكري، فالجنرالات لا يعملون بالسياسة، ولعلهم غير مؤهلين لها (أو راغبين فيها)، ومن ثم فالمجلس الذي يدير الثورة ليس سياسيا، ثم هو يدير شؤون البلاد، وهو ليس مديرا، بل هو مجلس جنرالات مهمته حماية البلاد لا إدارتها، ثم إن أعضاءه شخصيات محافظة جدا بحكم المهنة والسن، فلا تنتظر منهم تغييرات جذرية، بل العكس، يتسم الأداء بعدم التعجل لدرجة البطء، وبالتعقل لدرجة التردد، وبالهدوء لدرجة إثارة أعصاب الناس.
أما الحكومة، فالدكتور عصام شرف قادم من فريق التكنوقراط الخبراء، صحيح أنه شريف ومحترم وطيب، لكنه ليس سياسيا (ولم يزعم عكس ذلك) ولا كان معروفا بنشاط سياسي أو بالانتماء لحركة فكرية أو لتنظيم حزبي، لهذا جاء أداء الرجل طيبا ونقيا، لكنه ليس حاسما ومؤثرا ولم يخلب لب أحد ولم يكسب قلب جماعة أو مجتمع، فتعامل الكثيرون معه كأنه رئيس مجلس آباء وليس رئيس وزراء، فضلا عن أن اختيارات الوزراء في حكومته جاءت مزيجا من اختيارات محافظة وتقليدية من المجلس العسكري، واختيارات طيبة وحسنة النية من الدكتور شرف، فجاءت الحكومة مسنة وعرجاء وعوراء لا هي انتقالية فهي مشلولة، ولا هي تيسير أعمال فهي مرتبكة ومعطلة، ولا هي إدارة أزمة بل تقع في عثرات وتؤزم الأزمات وفي وقت فراغها تصنعها!
أما الأحزاب التي كان من المفروض أن تحمي قيم الثورة وتستفيد من قيامها وقوتها، فإذا بها كما نعرف عنها أحزاب إما هشة وكارتونية وهزيلة تمشي وراء رئيس فارغ القيمة وضحل المكانة مثل الوفد والتجمع، ثم هناك أحزاب وليدة تنتظر الفطام ويعاني بعضها من نزوات من مؤسيسها ومن فقدان الخبرة وافتقاد الزعيم الجماهيري الذي يلتف حوله الناس.
أما جماعة الإخوان فقد تعاملت مع الثورة باعتبارها فرصة، وتصرفت مع مكاسبها باعتبارها غنيمة تمكنها من اللعب، بل والتلاعب بالساحة الانتخابية للفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد في مجلس الشعب، ولا يريد الإخوان تشويشا ولا تعويقا لحركتهم، فهم يتصورون أن عناقيد العنب طابت وكادت أصابعهم تلامسها، ولهذا يسعون بتلهف وبتوتر إلى وضع الثورة في الثلاجة، حتى تمر الأيام ويحين موعد الحصاد والقطاف!
وعلى الرغم من حماس ونقاء النشطاء وشباب الثورة فإنهم جنود معركة، وليسوا قادة حرب، هم صناع ضمير ثورة، وليسوا زعامات سياسة تصنع المستقبل وتضع خططه وترسم خطواته وتفرض شروطه، فلم تسند قدرتهم رغبتهم، ولم تساعد إمكانياتهم أحلامهم، فتعثرت أحلام الثورة في أيدي كوابيسها، واختلطت الصور وساحت الألوان وتداخلت الخطوط.
إذا ذهب عشرات الألوف لميدان التحرير في جمعة مقبلة سيكون مفيدا جدا بتذكير الناس أن هناك ثورة مستمرة قادرة على استعادة الميدان في أي لحظة، والحقيقة أنني لا أخاف على الثورة إطلاقا، فيمكن أن تستيقظ في أي وقت وتجمع وتوحد وتحرك وتصر وتصمم، لكنني أخشى على ثورة ناجحة وقعت في يد سياسيين أطيب من فيهم فاشل وأفشل من فيهم طيب!!


الدستور