حينما لاحت مآذنه القائد إبراهيم من بعيد تعانقها الإعلام والهتافات .دب في صدري نسيم الحرية من جديد. لم تكن جمعة أحياء الثورة بل كانت تأكيد علي حياتنا نحن . علي هذه الأرض التي تقبل جباه العابدين في أجمل شهور العام .و تلثم أقدام الثوار الآن . نستعيد أرواحنا وأيماننا بالحياة والكرامة التي انتزعنها انتزاعا وتكاد تسلب منا مرة آخري.
لا أدري لماذا غمرني هذا الشعور بأن 8 يوليو تحمل نفس روح 25 يناير؟؟. برغم أننا كنا نتصرف بطريقة مغايرة ..نهتف ونضحك ونتبادل النكات التي تنتقد ما يدور حولنا،،و لا ننسي بالطبع التقاط الصور التي سنضعها علي حسابنا الشخصي علي مواقع الانترنت المختلفة. للحشود التي هبت مرة آخري تطالب بالثأر لدماء الشهداء والتأكيد علي استمرار الثورة . كان الهتاف يعلو من جانبين مختلفين من الواضح أن انتمائهما السياسي ليس واحد . ربما أحزنني هذا قليلا . لكنني استمررت في الهتاف مع كلا الجانبين أحيانا ومع جانب علي حساب الأخر في أغلب الأحيان . كان هواي مع الهتاف ضد الداخلية وتباطؤ المجلس العسكري وفساد القضاء . أتوقف عن الهتاف قليلا لأشير لأختي أن تلتقط صورة لمشهد أعجبني .
سبقنا الجمع في تحركه نحو ميدان سعد زغلول ننشد مكان للراحة ،، ثم ننضم للمسيرات مرة أخري أذا مرت بنا ..كان اختيارنا للمكان عشوائي لما نلاحظ من يجلس بجوارنا علي بعد متر واحد علي الجزيرة التي تتوسط الشارع ..لفت انتباهي توقف المارة أمام الرجل الجالس جواري يلتقطوا له الصور ثم يستأنفوا المسير نحو الميدان..فأشرت إلي أختي أن تلتقط صورة له وللافتة التي يستند عليها . كنا نلتقط الصور للافتات والأطفال الصغار الفرحين بالأعلام .لكنه كان مختلف ..ربما آذينه كما فعل المارة قبلنا . عادت أختي لتجلس جواري لكنني لم استطيع أن ارفع بصري عنه. قاومت ترددي وغلبتني الرغبة في أن أربت علي كتفه .فقمت إليه لكنني توقفت علي بعد خطوة واحدة أبحث عن الكلمات دون جدوى ..ما نفع المواساة مهما عظمت أن جرح الفقدان لا تداويه الكلمات وسئل عنه خبيرا.
نظرت لصورة الشاب التي يستند عليها وسألته ..- أبنك؟؟
فأجبني ..- نعم
كان يشبهه كثيرا كلاهما يحمل السماحة والطيب عنوانا..يا الله ..كيف أطالبه بالصبر وأنا يكاد قلبي ينخلع من مجرد صورة أراها أمامي..
- ما تزعلش يا حاج دا أحسن مننا ربنا يحسن ختامنا جميعا ..ونبقي ربعه حتى
توقفت الكلمات في حلقي وهو يهز رأسه مأمنا علي كلامي . لا أدري من أين جاءت هذه الدموع التي كانت تغسلني .بينما جاء صوت صديقتي تسأله
- مش حضرتك اللي كنت مع أ. يسري فودة ..أنا متشرفة بيك جدا أنت تشرفنا كلنا علشان رفضت تبيع دم ابنك
وكأنها قد أطلقت بوحه المرير كنهر حزن لا ولن يجف.
- مش ممكن أبدا اقبل فلوس ولا ملايين الدنيا تعوضني ..طيب ومين يعوضني عن حضنه وسؤاله عليه ..أنا دراعي اليمين اتقطع ..انا عايش هيكل انسان لحد ما أموت ..دي مراته هتولد الشهر دا
كنا نسأله عن ابنه ويجيب بأكثر مما سألنا وكأنه أنس بنا ..ونحن لا نجد إلا الكلمات القليلة التي يجود بها الموقف العصيب. سألنه عن ابنائه الصغار فأجاب أن لديه طفلتان غير الجنين الذي لم يأتي للحياة بعد. وبكي حين ذكر من يتهمون ابنه بالبلطجة ..
- أنا ابني بلطجي ..دا كان شغال في المحل بتاعه وجاله واحد بيقوله ابن عمتك اتضرب برصاص مطاطي خرج الساعة خمسة ونص رجع ستة اللي تلت وهو .... ولا يطاوعه لسانه بذكر الرحيل
- أنا ابني لاقي واحد واخد رصاصه وحاول يسعفه بيرفع راسه ضربوه في صدره .. من سمع قصص شهداء قسم رمل ثان .كلها متشابهه حتى في أماكن الإصابات. الكثير منهم أُردي وهو في مكان عمله ..يرفع الأب يده للسماء يهتف حسبي الله ونعم الوكيل . يحاول أن يصرفنا لكننا نأبى الرحيل دونه ..ينتقد القضاء والحكومة وكل المتواطئين فنلعنهم معه ..يدعوا علي القاتل فنؤمن علي دعائه . لم يجد إلا إن يصرفنا صراحة وخصوصا بعد توقف البعض لتسجيل حديثنا معه .لكننا نصمم علي اصطحابه معنا ،، فيقوم مستندا علي صورة الشهيد صابر فهمي ابن مصر .بعد أن نعاهده أننا لن نترك حقه ولن نسكت علي قتلته ولن يرضينا إلا القصاص العادل.
نسير في اتجاه ميدان سعد زغلول وربما كانت نقطة توقفنا نقطة فاصلة لنا جميعا ..أماما الحديقة فتاة شابة تحمل صورة شهيد أخر أسمه بلال ..لا أدري لماذا تخيلت أنها تبحث عنه بين وجوه المارة ..طلبنا منها ان نلتقط صورة للافتة التي تحملها فتوقفت بكل حماس تغطي وجهها بوجه أخر رحل دون عودة ..تخبرنا أنه استشهد يوم جمعة الغضب عند حلواني أخوان يوسف ..بالطبع شهيد أخر سقط في المنشية تنصرف ولا ينصرف حزنها ولا يغادرنا.
حين نصل الميدان نجد خيمة لحزب الغد ..غير مسموح لغير الأعضاء الاقتراب من الخيمة وتلك لحركة كفاية وبالمثل ممنوع الاقتراب ..الأخوان يرحلون عند السادسة ...ونرحل نحن أيضا حين يحل الظلام صديقتي وأختي وأنا .
شيئا فين تغير ربما أعظم من إدراكنا ..ليست المرة الأولي بالطبع التي ننزل للتظاهر لكن مثلما تغيرنا يوم 25 يناير حينما رأينا الناس تنضم إلي المتظاهرين في تصرف يشبه المعجزة ..غيرتنا الدموع والخجل من الحقوق المعلقة في أعناقنا تطالبنا أن نردها إلي أصحابها . بينما انشغلنا نحن بمكاسب لم نحصل عليها بعد بل ولم نسدد نحن ثمنها بالكامل .سدد جُل ثمنها هؤلاء الذين غيب الموت اجسادهم ..ومازال من يبكيهم يسدد الثمن ويحتسي المرارة
.فلا تنسوا الراحلين لا تنسوهم رجاءا ولا تتهاونوا في حقهم مهما كان الثمن ... فهناك أشياء لا تشتري
والد الشهيد صابر فهمي ..الذي رفض التنازل عن حق ابنه مقابل دية وصلت ل 500,000جنيه وقال بالحرف ولا ملايين الدنيا تعوضني حضنه وسؤاله عليه شهيد قسم الرمل ثاني
الشهيد بلال ..استشهد يوم 28 يناير المنشية اخته مازالت تبكيه حتى الأن وتحمل صورته كمن يبحث عنه بين الوجوه لعله يلتقي غائب طال شوقه إليه
---------------------------------------------------------------------------
التدوينة منقولة كما هو واضح , انا اعرف كاتبتها شخصيا , اما عن تعليقي , فهي حقا اشياء لا تشترى
المفضلات