كلام هادئ وموزون من عقليه راجحه

المقاله

المحافظ والثائر والراكب والمندس


ال لى صديق: «الشعب سرق الثورة من الثوار». وتركته يسترسل فقال: الثوار قاموا بالثورة والشعب أيدها، ولكن الشعب لم يعد يريد الثورة مرة أخرى. هو يريد الاستقرار.

وككل أصحاب الفكر المحافظ فهم يميلون لتغليب الخبرة على التجربة، كبار السن على صغار السن، الإصلاح البطىء على الإصلاح الجذرى. يشكو من الوضع الراهن، ولكنه غير مستعد على أن يتركه لوضع آخر، ما لم يكن يعرف تفاصيل هذا الوضع الآخر، وكيف سيصل له. وهو عكس كل ما يؤمن به الثائرون.

ولكن هذا ما كان ليؤدى إلى مشكلة لولا أن الثورة أصبحت مشاعا لكل من يتحدث باسمها، وهنا ظهر «راكب الموجة» وظهر «المندس». أما راكب الموجة فهو الذى يعتبر أن المرحلة الانتقالية (بما فيها من غياب مؤسسات الدولة التمثيلية وعلى رأسها البرلمان، وضعف فى مؤسساتها القمعية وعلى رأسها الشرطة). هى فرصته لكى يأخذ حجما أكبر من حجمه، وأن يتحدث بلسان الزعامة، وأن يثبت حالة «النضال» التى هو عليها قبل أن تأتى الانتخابات لتكشف الأوزان النسبية الفعلية للجميع.

أما المندسون، فهم فئة ممن «يتظاهرون بالتظاهر» من أجل التصعيد وصولا إلى مواجهة حقيقية بين الجميع ضد الجميع.

ويبدو أنهم ناجحون فى أن يتخفوا بمهارة شديدة، بحيث إن حديثى مع شباب الثورة يؤكد أنهم يعلمون بوجودهم ولكنهم غير قادرين على تحديدهم من الناحية الفعلية.

إذن المعادلة فى الشارع أصبحت رباعية: أغلبية من الشعب تريد الاستقرار ولم تعد مستعدة لثورة أخرى حتى لو جاءت كنوع من استكمال الثورة الأولى، وقيادات الثورة من الكبار والصغار الذين يرون أن الثورة لن تؤتى جدواها إلا بمزيد من الضغط الشعبى (والتجربة أثبتت لهم أنهم على صواب)، وفئة ركبت الموجة وأصبحت تزايد على الثوار والثورة من أجل تحقيق مصالحها ومطالبها هى قبل أن تدخل انتخابات مجلسى الشعب والشورى وتنكشف ومعها كتيبة الإعلاميين والصحفيين الذين يخلطون الحقيقة بالخيال ويتغذون على نقص المعلومات (الذى هو نقص حقيقى ولكنه ليس مبررا لاختلاق القصص والروايات)، وأخيرا الفئة المندسة، التى يطلق عليهم البعض فلولا للحزب الوطنى ممن قرروا ضرب الثورة فى مقتل بدفعها نحو الهاوية بالدخول فى معركة مع المجلس العسكرى ومع أغلبية المواطنين.

ثلاثة دروس ينبغى أن نتعلمها:
أولا: ما حدث فى العباسية لا ينبغى اختزاله فى أن مجموعة بلطجية أو قوى محسوبة على المجلس العسكرى أو الشرطة هى التى ضربت المتظاهرين المتوجهين إلى مقر وزارة الدفاع. هذه قراءة سطحية جدا، لأن هناك الملايين من المصريين الذين يعتبرون أن الجيش «آخر عمود فى البيت» وأن «الثوريين مخربون يعطون لأنفسهم الحق لأن يتكلموا باسم الجميع بدون سند شرعى» على نحو ما سمعت من البعض. إذن على الثوار أن يحذروا غضبة الملايين، لأن ثورتهم وثورتنا ما كانت لتنجح لولا دعم هؤلاء.

ثانيا: معركة التطهير مستمرة، وستأخذ وقتها، ومن يعود إلى ثورة 1952، كما أوضحت فى عمود سابق لى، حتى وإن كانت أسرع فى قراراتها الاقتصادية والاجتماعية، ولكنها كانت أبطأ فى إجراءاتها السياسية والتطهيرية.

ثالثا: لو كان المجلس العسكرى يريد أن يظل فى السلطة، كما يقول البعض، لفعل كل ما يطلبه الثائرون وربما زايد عليهم حتى تخرج المظاهرات دعما وتأييدا له، ولكنهم يبدو أنهم فعلا صادقون فى عهدهم لنا. ولكن هل نحن صادقون فى عهدنا معهم ومع الوطن بأن نبنيه وأن نجتهد فى رفعته؟ سؤال مفتوح للجميع.