كان القصرى ومازال فناناً كوميدياً جميلاً، تميز فى دخوله السينما خاصة والفن عامة بشكله المتفرد الذى لا يملك أى وسامة تذكر، كان أحول العينين، وجسمه ممتلئا، لكنه وبهذه الخصائص أصبح كوميديا بامتياز، له نبرة صوت محببة إلى القلوب، وحركة جسد تنتزع الضحك، وظل القصرى على هذا الحال سنوات ملء السمع والبصر.

وظل كذلك حتى كان المأساة على خشبة المسرح أمام الفنان الكوميدى الجميل أيضاً إسماعيل ياسين، صرخ القصرى فجأة: «لا أستطيع الرؤية.. لا أستطيع الرؤية»، ضحك الجمهور ظنا منه أن القصرى يقول «إفيه» جديدا يضمه إلى إفيهاته التى مازالت تضحك قلوب الناس مثل: يا صفايح الزبدة السايحة و«نورماندى تو» و«هتنزل المرة دى» خضوعا لزوجته التى يقول لها: «كلمتى متنزلش الأرض أبداً» فترد عليه زجراً: «حنفى»، فيسرع بالرد: «هتنزل المرة دى»، لم تكن صرخة القصرى على المسرح: «لا أستطيع الرؤية.. لا أستطيع الرؤية» إلا حقيقة أدركها صديقه إسماعيل ياسين، فسحبه إلى الكواليس.

كانت نكبة العمى للقصرى مفتتحا لحياة قاسية سيعيشها فقيرا ومحتاجا، حتى وفاته فى الثامن من مارس عام 1964، وكانت عكس أصوله الاجتماعية الثرية، كان ابنا لتاجر ذهب ثرى، وقاده ثراء الأب إلى التعليم فى مدرسة الفرير الفرنسية، لكن عشقه للتمثيل دفعه إلى هجرة مهنة والده وثرائها، وظل عاشقا لارتداء الجلباب البلدى، ومع حياة النجومية مضى القصرى أعواماً يضحكنا، لكن النهايات كانت موجعة، فبعد أن أصيب بالعمى، طلبت زوجته الشابة الطلاق وتزوجت من صبى صغير كان يعطف عليه، وانتقل إلى العيش فى مساكن مظلوم بحى الشرابية الشعبى، وبلغت درجة احتياجه أن شقيقته التى كانت تقيم معه، قامت من أجل توفير الدواء والطعام لشقيقها، ببيع الشاى والسكر فى قراطيس، وكان هذا النوع من الشراء والبيع معروفا فى المناطق الشعبية فى مصر وقتئذ، لم تقتصر الحالة على هذا الوضع فحسب، بل بلغت كما يقول البعض درجة أن الرجل كان يطل من شباك مسكنه الفقير على الشارع، وإن استمع إلى الطفل أو شعر به فى الشارع، فيسأله إن كان معه سندوتش ويتوسل إليه أن يأخذه منه، قسوة الحرمان عند القصرى، تزامنت معها قسوة المرض، فدخل فى أمراض عديدة أبرزها تصلب شرايين المخ الذى أفقده الذاكرة، ودخل مستشفى المبرة حتى مات يوم 8 مارس عام 1964، ولم يحضر جنازته سوى أربعة أفراد شيعوه إلى مثواه الأخير.