هل بدأت الإجراءات العملية لإعادة رسم الخرائط في الشرق الأوسط؟
هذا السؤال قفز فجأة إلى الأذهان، بعد أن شهد المشرق العربي قبل أيام إنفجارات واسعة النطاق، تمحورت كلها تقريباً حول مسألة كبرى أساسية: الفرز السكاني (أو حتى "التطهير" السكاني)، سواء أكان سياسياً أو طائفياً أو فئوياً.


تشاء الصُّـدف أن تحدث هذه الانفجارات، فيما كان كاتب هذه السطور في لقاء مع شخصية عربية عليا لإجراء مقابلة صحفية خاصة، وبالطبع، كانت المناسبة متوافرة لطرح هذا السؤال عليه.

وقد فوجئنا بإجابته السريعة: "أجل، مخطط تقسيم دول المنطقة بدأ بالفعل، وثمة فريق عمل عسكري - سياسي غربي يتمركز في دولة عربية، هو الذي يُـشرف على تنفيذه".

الشخصية العربية لم تشأ الدخول بتفاصيل أكثر، لكنها شدّدت على ضرورة الإطلالة على انفجارات لبنان والمعارك الأهلية في فلسطين وحروب الإبادة المُـشتركة في العراق، من منظور أنها في الواقع انفجار واحد لخدمة هدف واحد: إعادة رسم الخرائط.

أين الرابط؟

لوهلة، قد يبدو للمراقب الخارجي أن هذا الرابط المشترك معدوم. فما العلاقة، على سبيل المثال، بين اغتيال نائب تيار "المستقبل" اللبناني وليد عيدو، وبين نسف المساجد السنَـية والشيعية في العراق؟ وما صلة الرحم بين الحرب، التي يخوضها في مخيم نهر البارد "فتح الإسلام" الفلسطينية، التي يشكِّـل غير الفلسطينيين جُـل كوادرها، وبين تذابح حركتي حماس وفتح في غزة والضفة الغربية؟

لكن أي تدقيق عن كَـثب في خريطة المشرق العربي، يكشف سريعاً ليس فقط عن وجود ترابط، بل حتى تشابك مكين بين هذه التطورات، وهي حصيلة تبرز بسرعة حين نطرح السؤالين التاليين:

الأول، مَـن المستفيد الأول من انفجار المشرق العربي على هذا النحو؟
والثاني، هل ثمة عوامل داخلية مشتركة أو متشابهة تساعد الأطراف الخارجية المستفيدة من هذا الانفجار، وتسهل عليها مهمتها؟


مخطط تقسيم دول المنطقة بدأ بالفعل، وثمة فريق عمل عسكري - سياسي غربي يتمركز في دولة عربية، هو الذي يُـشرف على تنفيذه

شخصية عربية بارزة



التدهور الاقتصادي

نبدأ بالسؤال الثاني (لندرأ عن التهمة الدائمة للعرب بأن أدمغتهم واقعة إلى الأبد بين براثين نظرية المؤامرات الخارجية)، فنقول بأن كل دول المشرق (بما في ذلك سوريا والأردن ومصر)، تعيش منذ نيف وثلاثة عقود في خِـضم أزمات اقتصادية عاتية وتمخضات معيشية أعتا، ليس هذا فحسب، بل إنها تفتقد أيضا إلى أي بصيص نور يُـمكن أن يشير إلى أدوارها المحتملة في الاقتصاد العالمي الجديد، وهي بهذا المعنى تكاد الآن تُـشبه الضفدع في مرحلة تطوره الوسيطة: فهي لا تشبه ماضيها، ولن تشبه أيضا شكلها المستقبلي!

كل هذه الدول مجتمعة، تشهد تكسرات اجتماعية حادة. فالمجابهات والصراعات الداخلية، ترتسم بسرعة هذه الأيام، وِفق خطوط الانقسامات الطائفية والمذهبية (في لبنان وسوريا) والوطنية والعشائرية (في الأردن وفلسطين) والعرقية والمذهبية (في العراق).

وفي غياب أية كُـتل تاريخية حديثة تحمل برامج وطنية وقومية تقدّمية، لا مناص من أن نُـعاين المزيد من الانفجارات التفتيتية والتجزيئية في هذه المجتمعات، وهي انفجارات ستتغذى، إلى حد بعيد، من تفاقم الأزمات الاقتصادية.

مع هذه الظروف، لن يكون صعبا على المخططين الإسرائيليين والأمريكيين العمل على إعادة رسم الخرائط الاقتصادية والجغرا – سياسية، وفق ما يرتؤون.

فتوزيع الأدوار الاقتصادية، وفق رؤية إسرائيل للنظام الشرق أوسطي (حيث تتخصص الدول العربية، إما في العمالة في الاقتصاد الإسرائيلي أو في بعض أنواع الزراعة أو في أدنى مستويات الخدمات)، سيكون أمرا إلزاميا لا مهرَب منه، بالنسبة لهذه الدول، التي ستكون مترعة بالفقر والعوز، ومهددة بالتهميش.

وإقامة الكنفدراليات الجغرافية في المشرق، بمشاركة اسرائيل أو بزعامتها لا فرق، قد يُـصبح تحصيل حاصل، إذا ما أسفرت الانفجارات المُـحتملة عن كيانات سياسية جديدة في المنطقة.

الأحداث إذن، تبدو مرتبطة بالفعل وعلى نحو وثيق في المشرق العربي، برغم كل المظاهر الراهنة المعاكسة، التي تُـوحي بوجود خصوصيات وانفصالات عميقة وانقطاعات أعمق بين كل هذا الذي يجري.

فمصير لبنان، كيانا ودولة ودوراً، بات مرتبطا أشدّ الارتباط بمستقبل سوريا، كيانا ودولة ودورا، وكِـلا المصيرين موثقان بأحكام بأصفاد مصير العراق، الذي يتوقّـف مستقبل كيانه (أو كياناته) هو الآخر، على مستقبل الكيانين، الأردني والفلسطيني.


أحد مقاتلي حركة حماس يعتلي سيارة مصفحة تابعة لأمن الرئاسة داخل مقر الرئيس الفلسطيني في مدينة غزة يوم 15 يونيو 2007 Keystone


دولتان فلسطينيتان؟

الآن، إذا ما كانت هذه الافتراضات صحيحة (ويبدو أنها كذلك)، أية كيانات جديدة يُـمكن أن تُـولد من رحِـم الانفجارات الراهنة، خاصة في فلسطين؟

"حماس" تحتفل بـ "تحرير" غزة، وفتح "تردّ بحل حكومة الوحدة الوطنية وتعلن حال الطوارئ"، ومارتن أنديك (الثعلب اليهودي - الأمريكي السابق في الشرق الأوسط)، يعلن ولادة دولتي "حماسستان " و"فتحسطين"، في كل من القطاع والضفة.

تطورات مُـروِّعة ومفاجِـئة؟

مروِّعة نعم، لكنها ليست مفاجِـئة. فمنذ فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية، كان من الواضح أن القِـوى الدولية والإقليمية، ليست على وشك ترك الصِّـراع الفلسطيني - الفلسطيني يختمر بمُـفرده بين هذين الفصيلين المتنافسين، لا ديمقراطياًُ ولا عنفياً.

القرار كان قاطعاً، إما أن تقبل حماس السّـير على خُـطى فتح في عملية التسوية مع إسرائيل أو تختنق بأنفاسها في غزة. ولتحقيق هذا الهدف، تم ترتيب كل الأوراق الضرورية لعملية الخنق هذه: الحصار الاقتصادي، قطع إمدادات المال والتضييق على إمدادات الكهرباء والماء والسلع الرئيسية القادمة من إسرائيل إلى القطاع، وأخيرا، رسم حدود فاصلة واضحة بين غزة والضفة على صعيد الأمن والوضع المعيشي والحريات الأساسية.

هل كانت حماس على إدراك بكل ما يجري؟ لا يبدو أن الأمر كذلك، فهي غرقت، على ما يبدو، في لجة هاجسين اثنين: الأول، إحكام السيطرة على السلطة السياسية، التي ولِـدت (وهنا المفارقة) من رحِـم اتفاقات أوسلو، التي ترفضها الحركة جُـملة وتفصيلاً. والثاني، اعتبار كل ما يجري على الساحة الفلسطينية "مؤامرة موصوفة" من "فتح"، لمنعها من ممارسة هذه السلطة.

وإنطلاقاً من هذين الهاجسين، كانت بذور الانقسام النهائي بين القطاع والضفة تُـزرع في أرض خصبة، وكانت حماس تنحدر بمليء إرادتها إلى الفخ الكبير، الذي رُسِـم لها من البداية: حشرها في غزة، ثم إحكام الطوق حول رقبتها بإحكام.

الآن، سيكون على هذه الحركة الإسلامية، التي أعلنت بالأمس أن "عهد العدل والحُـكم الإسلامي" قد بدأ، أن تُـثبت أنها قادرة، ليس فقط على حماية غزة من عمليات التدمير الإسرائيلية، التي ستكون منهجية وعنيفة من الآن فصاعداً، بل أيضاً على إطعام وإسكان وتطبيب مليون ونصف المليون فلسطيني، يعيشون أصلاً تحت حافة الفقر والعوز، ويُـقاسون من البطالة وتقلص فرص العمل داخل القطاع وخارجه.

هل ستكون حماس قادرة على هذه المشاكل الضخمة، فيما هي محاصرة إقليمياً ودولياً، وربما قريباً عربياً، من كل جانب؟

ربما! لكن كيف؟ هنا، ربما سنكون مُـضطرين لوضع بعض "نظريات المؤامرة" قيد التنفيذ، وهي تشير (كما قالت "نيويورك تايمز" يوم الجمعة 8 يونيو) إلى أن الولايات المتحدة قد "تتعايش" مع دولة حماس في الضفة، لتشجيع الانفصال بين كل من غزة والضفة، أي، بكلمات أوضح: العمل سينطلق الآن على قَـدم وساق لإقامة دولتين فلسطينيتين بدل واحدة: الأولى (دولة حماس) في حالة حرب دائمة مع إسرائيل، والثانية (دولة فتح) في حال سلام أو لا حرب ولا سلام، ولكن في إطار من البحبوحة الاقتصادية والانفتاح السياسي، وإذا ما حدث ذلك، والأرجُـح أنه سيحدث، ستكون توقّـعات الشخصية العربية العليا حول الخرائط الجديدة، أكثر من مجرد توقعات: ستكون.. معلومات!

المصدر: سويس انفو