خالد الشامي - القدس العربى - 29/7/2008
في موازاة المحاكمة الجنائية، وهي مازالت مفتوحة بعد قرار النائب العام بالطعن في قرار المحمة الابتدائية تبرئة المتهمين، والذي لا يمكن التعليق عليه لاسباب قانونية، كان يجب ان تجري محاكمة سياسية للنظام باكمله لمعرفة الاسباب الحقيقية لغرق العبارة السلام 98 الذي يعد واحدا من اسوأ الكوارث البحرية في تاريخ مصر والعالم.
وينظر كثيرون الي غرق العبارة باعتباره غرقا لمصر كلها، لا يمكن ان يكون المسؤول عنه مالك شركة او قبطان او وزير فقط، فهو ليس سوي حلقة من مسلسل حوادث/ مجازر/كوارث يشهدها قطاع النقل خاصة ومعه الصحة والتعليم وغيرها بصورة شبه يومية. اما العنوان العريض للاسباب فهو غرق مصر في منظومة جهنمية من الفساد والاهمال والتسلط.
اما اعراضها فتحاصرك في كل مكان. حتي ان المصريين الذين كانوا عندما يتقابلون يسأل بعضهم بعضا (سمعت آخر نكتة؟) اصبحوا في هذا الزمن السعيد يتساءلون (سمعت آخر كارثة؟). وتحول الناس الي ضحايا او مشاريع ضحايا، بينما ضاقت المسافة بين كوارث تقع واخري تنتظر.
وليس الحادث المأساوي في محافظة مطروح مؤخرا والذي راح ضحيته خمسون شخصا، او وفاة اطفال رضع في احدي المستشفيات نتيجة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة عن الحضانات، او الغرق المتكرر للمعديات في النيل سوي امثلة بسيطة علي ذلك.
الا ان ما يميز مأساة العبارة هو الاتهام المباشر لاحد شركاء النظام بارتكابها، الي جانب العدد الضخم للضحايا، واخير تحرك النظام سريعا للهروب من المسؤولية بكافة انواعها، حتي انه اضطر لتجاهل تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي ادان الشركة المالكة للعبارة.
واكثر من اي وقت مضي فان النظام باكمله يقف اليوم متهما بالتسبب في غرق العبارة/ مصر. وينظر ملايين الصامتين عادة لما ستسفر عنه القضية باعتباره نقطة فارقة في علاقتهم بالنظام من حيث مصداقيته وربما مصيره ايضا.
ولم ينكر مسؤول رفيع في رئاسة الجمهورية صلته الوثيقة بالمتهم الاول في القضية، بينما لم يفسر احد اسباب عدم سعي النظام لاستعادة المتهم الذي كان غادر مصر بعد الحادث مباشرة (اي منذ عامين ونصف العام تقريبا) الي لندن بحجة العلاج(...).
ولولا الدعم الذي يحظي به المتهم وشركته المالكة للعبارة لما استطاعا الحصول علي تعويض من الشركة البريطانية للتأمين لويدز وبالتالي دفع تعويضات لاهالي الضحايا.
ولم يفسر احد اسباب عرض قضية راح فيها اكثر من الف قتيل علي محكمة جنح، تختص بمخالفات السير والقضايا الصغيرة.
وتمثل العبارة/ الكارثة الانسانية نموذجا مأساويا صارخا لنتائج تزاوج السلطة مع رجال الاعمال، وسياسة شيلني واشيلك التي ادت لثراء فاحش بين ابناء هذا الزواج الباطل، واتساع رقعة الفقر المدقع بين ابناء الشعب المصري.
ولأن ابناء هذه العشيرة الجديدة التي تحكم مصراو تتحكم فيها بذراعي المال والقمع مشغولون بتكديس ثرواتهم المتضخمة بالفعل، فانهم لا يكترثون بحياة الناس او مشاعرهم. وللانصاف قررت الحكومة مؤخرا زيادة تسعيرة دية القتيل في حوادث النقل الي ما يعادل 1800دولار بعد ان كانت اقل من 800 دولار(يابلاش). ولولا اموال لويدز لكان هذا هو كل ما حصل عليه ضحايا العبارة.
وتفسر هذه الاستهانة بحياة الانسان كل استهانة اخري سواء بحقوقه السياسية او بكرامته او بآدميته.
وبغض النظر عن المحاكمة الجنائية التي لا نعلق عليها ، يجب ان يلتقي الوطنيون من كل اتجاه، ومهما كانت اختلافاتهم السياسية او الايديولوجية، علي هذا الهدف الوطني: محاكمة منظومة الفساد والتسلط والاهمال التي تحكم البلاد وتغرقها كل يوم، سواء بالاحتكار الاقتصادي/ الغلاء الفاحش، او الطوابير التي اصبحت تشمل المياه والبنزين والحديد بعد ان كانت قاصرة علي العيش، او شراء الولاء بتوزيع الاراضي، وكأن مصر اصبحت عزبة خاصة.
ولا يمكن اغلاق ملف غرق العبارة طالما بقيت مصر غارقة في تلك المنظومة، ولا يمكن العثور علي الجاني الحقيقي الا بتفكك هذا الزواج الباطل بين الفساد والديكتاتورية الذي انجبه اصلا، عبر تغيير ديمقراطي سلمي يزيح الستار عن الاصابع التي تحرك العرائس في هذا المسرح التراجيدي، ويلقي بحبال النجاة لحطام عبارة الوطن التي طالما جابت اعالي البحار قبل ان تستقر في قاع هذا الزمن.
----------------------------------------------------
المسؤل هو ولى الأمر
يا رئيس الجمهورية، أنا احملك المسؤلية
أرواح العباد فى رقبتك
كلنا جبنا اخرنا و اللى مكنش يهتم باخبار اضراب، دلوقتى ممكن يدب سكينة فى كرش ممدوح اسماعيل و امثاله
البلد هتولع
المفضلات