يقول مغترب مصرى مقيم في السعودية : كنت بالتاكسي عائداً من العمل إلى البيت ، وفي الطريق. صادفنا نقطة تفتيش فطلب الشرطي مني هويتي وأعطيته الاقامة فنظر إليها وقرأ مكان الجنسية.
- فقال: كيف مصر ؟
فقلت بخير .. ونرجو الله أن تبقى بخير .
– منذ متى وأنت تعيش في السعودية ؟
أنهيت لتوي السنة السادسة والعشرون
– متى زرت مصر آخر مرة؟
- منذ عام
فنظر إلي وهو يبتسم وسألني: من تحب أكثر مصر أم السعودية ؟
فقلت له: الفرق عندي بين مصر والسعوديه كالفرق بين الأم والزوجة .. فالزوجة أختارها .. أرغب بجمالها .. أحبها .. أعشقها .. لكن لا يمكن أن تنسيني أمي .. الأم لا أختارها ولكني أجد نفسي ملكها .. لا أرتاح الا في أحضانها .. ولا أبكي إلا على صدرها .. وأرجو الله ألا أموت إلا على ترابٍ تحت قدميها .
– نظر إلي باستغراب وقال: نسمعُ عن ضيق العيش فيها فلماذا تحب مصر ؟
قلت: تقصد أمي؟
فابتسم وقال: لتكن أمك ..
فقلت: قد لا تملك أمي ثمن الدواء ولا أجرة الطبيب ، لكن حنان أحضانها وهي تضمني ولهفة قلبها حين أكون بين يديها تشفيني
– قال: صف لي مصر
فقلت: هي ليست بالشقراء الجميلة ، لكنك ترتاح اذا رأيت وجهها .. ليست بذات العيون الزرقاء ، لكنك تشعر بالطمأنينة اذا نظرت اليها .. ثيابها بسيطة ، لكنها تحمل في ثناياها الطيبة والرحمة .. لا تتزين بالذهب والفضة ، لكن في عنقها عقداً من سنابل القمح تطعم به كل جائع .. سرقها اللصوص ولكنها ما زالت تبتسم ..!!
أعاد إلي هويتي وقال: أرى مصر على التلفاز ولكني لا أرى ما وصفت لي ..!!
فقلت له: أنت رأيت مصر التي على الخريطة ، أما أنا فأتحدث عن مصر التي تقع في أحشاء قلبي ..
ـ قال : أرجو أن يكون وفاؤك للسعوديه مثل وفائك لمصر .. أقصد وفاؤك لزوجتك مثل وفائك لوالدتك
فقلت له: بيني وبين السعوديه وفاءٌ وعهد ، ولست بالذي لا يفي عهده ، وحبذا لو علمتِ أن هذا الوفاء هو ما علمتني إياه أمي.