-تقليدي للغاية يادكتورة(دينا)يقولها الوقور الجالس خلف مكتبه للفتاة الجالسة أمامه ,ويكمل-لم تأتي بجديد,كيف يكون موضوع رسالتك مكررا وتافها لهذه الدرجة,ماذا جال بخاطرك حين فكرتِ (بالشعر في العصر العباسي)..لقد قُتل الموضوع بحثا يادكتورةتنخفض عيناها للأرض كتلميذ يحمل شهادة مدرسية مليئة بالكعكات الحمراء ويقدمها لوالده,ينظر لها الوقور لحظة فتلين ملامحه لإحمرار وجهها-دينا ياإبنتي .. لاأستطيع أن أجيز لك هذا ,إبحثي عن شئ جديديخرج صوتها خفيضا وتقول-دكتور عبدالحميد,كل الرسائل السابقة إستهلكت كل الأدباء بكل عصور العرب , حتى الأدب الانجليزي تم إستهلاكه أيضا في رسائل زملاء أخرينلم أجد موضوعا واحدا لم يبحث من قبل .. تقولها وتصمت لحظةثم تخفي وجهها بيديها وتبكييندهش الرجل لتلك الفتاة التي يفترض أنها معيدة بكلية الأداب بجامعه مرموقة كجامعه الأسكندرية,تبكي كطفلة أضاعت لعبتها الأثيرة أمام أستاذهايتمتم الرجل لنفسه (ياللنساء)-إسمعي يابنيتي .. إبحثي عن جديد,ليس لدي ماأقوله أكثر ...تجلس على مقهى الجامعه شارده تداعب هاتفها في فراغ , يبدو أنكِ لن تحصلي على رسالتك أبدا ..الدكتور(عبدالحميد) يعاملها كإبنته غير أنه يقوم بدور الأستاذ الجامعي القاسي بحذافيره,فهو لن يقبل بموضوع مكرر ضمن قائمته, من أين يأتي الدارسون بموضوعات جديدة إذن لرسائلهميبدو أنه الحظ التعس يطارك يافتاهتتنهد بعمق وتغمض عينيها ,قبل أن تفتحمها منتفضة بعد أن شعرت بتلك اليد توضع على كتفها , وتنظر للوجه الذي تبغضه ,وعلى ذكر الحظ التعس الذي يطاردها يأتي هو ,ذلك الذي يعتقد نفسه أكثر رجال الأرض وسامة وأن من واجب كل النساء أن تفتن بهتزيح يده عن كتفها قائلة بصوت قصدت أن يصل لمن حولها-أجننت ..كيف تجرؤ-دينا ..إننيتقاطعه قبل أن يكمل-دكتورة ديناوتلتقط حقيبتها وتلقي عليه نظرة نارية غاضبه وهي تتجه لسيارتها الصغيرةتدير محركها , فيحجب عنها الشمس ذلك الظل الثقيل فتقول بدون أن تنظر-لقد نسيت نفسك بالفعل , غدا صباحا ستكون هناك شكوى أمام العميد شخصيا, لتشرح له لماذا تطاردني-أردت فقط أن......إستوقفته نظرتها ..هي نظرة إمرأة تكره لأقصى حد ,وهي أيضا نظرة إمراة لن تسمع منه حرفا آخريسقط في يده لايجد مايجيب به,فيرفع يده عن باب سيارتها ويتراجع خطوة للوراء , يتابعها وهي تبتعد حتى اختفت بين السيارات الأخرىيزفر في ضيق ويقول-دينا ..أنا أسف5السيارة اليابانية الصغيرة تخترق زحام السيارات , قد يظن الناظر أن قائدها يهرع بزوجته التي توشك على الولاده للمشفى(فهو السبب النبيل الذي يبرر استهتار سائقها بالسيارات الاخرى كما إعتدنا من السينما)..إلا أن قائدها كان أبعد مايكون عن هذه الفكرة-إحترس أيها الحماريسمعها من عابر للطريق كاد أن يطيح به وبكيس البرتقال الذي يحمله فلايبالي قائلا لنفسه – تخاف على كيس البرتقال لا على نفسكيقولها, ويضحكويتذكر فجأة أنه كان لابد أن ينحرف يمينا للشارع الذي تعداه بالفعل , فيضغط كوابح السيارة التي رقصت قبل أن تقف مستفزة نفير السيارات الأخرى مع سباب كل من مر به,وهو يعود بسيارته للخلف مسببا سيولا من الأدرينالين تسري بعروق السائقين الغاضبين حولهيدخل الشارع فيرى تلك السيارة البيضاء بجانب الطريق,فيتوقف خلفها تمامايهبط من سيارته لتضح ملامحهشاب هو , ملامح طفولية تحسبه لوحه مرسومة لفنان حاول أن يجسد البرأهممتلء قليلا ,متراجع شعر الرأس ,يعلو وجهه ملامح توترينظر خلال نافذه السيارة البيضاء فيجدها فارغة بإستثناء حقيبة الحاسوب النقال-خير يابيه؟فيستدير ليواجه الحارس الصعيدي للعقار بوجهه المتشكك-ألم تر صاحب السيارة ياحج؟يجيبه الرجل باللهجة الجنوبية الخالصة ,التي لم تتأثر ولو قليلا بأعوام خدمته بالعاصمة المزدحمه-صاحب العربية البيضا , بالأعلى في عيادة طبيب الأسنان بالدور الخامس-شكرا ياحج ..في الدور الخامس قلت؟-الدور الخامس .. الشقة الأولى من اليسار, يقولها مبتسمافيعطيه الشاب ورقة مالية صغيرة بيده , فأقسم الحارس أنه (لاداعي يابيه) وقبلهاصعد للدور السابع متقافزا على الدرجات, قبل أن يصل للدور الخامس لاهثا يكاد يسقط ميتا من فرط الإجهاد العضلي والنفسيينزوي بعيدا عن الدرجات ليلتقط أنفاسه التي بدأت تهدأ قليلا وعيناه معلقتان بالباب المفتوح بأخر الرواق.. حتما هي الشقةالصمت التام بالمكانالباب المفتوح .. مايراه من مكانه أن الداخل مظلمتنتظم أنفاسه أخيرا..ويتجه ببطء نحو البابوتدوي الصرخة تشق الصمت
المفضلات