مشاعر متضاربة والسبب انى فى مصر
قد يبدو العنوان غامض ولكن السرد سيظهر الربط بين الموضوع وبين العنوان
احيانا كثيرة يشعر الانسان بتناقض فى مشاعره ولا يستطع تغليب شعور على الاخر
تجد نفسك مشفقا على شخص ما وفى نفس الوقت لا تحبه بل قد يصل بك الامر الى كراهيته
تجد نفسك متعلقا بامر ما وفى نفس الوقت انت تبغضه
تجد نفسك تلتفت الى مظهر ما او سلوك ما وانت فى نفس الوقت تمقت هذا المظر وهذا السلوك بل قد تعجب بصاحبه فى حين انك تعترض عليه
كم هائل من المشاعر المتناقضة وحينما احاول تحليلها اجد ان معظمها يرجع الى المجتمع المريض الذى نعيش فيه واثره فى تشوه الشخصية المصرية واضطراب سلوكها
حينما تقود سيارتك ويظهر لك عفاريت العلب المسمون باطفال الشوارع وكل منهم يمارس هوايته او مهنته كما يحلو لكل ان يسميها ويسمعك كل ما تتخيل من استجداء ودعوات ثم يتحول الامر الى توبيخ وقد يصل الى سباب اذا حالفك الحظ وكانت اشارة طويلة كاشارة الخليفة المأمون وروكسى
بل ان احدهم من يومين انهى وصلته بقوله لى "يعنى ربنا فاتحها عليك مستخصر فيا ربع جنيه هو الربع جنيه هيفرق معاك "
بالرغم من التزامى الصمت والغضب الذى بداخلى الا ان قلبى ينفطر بشأنه وشأن من حوله من اطفال وهذا الغضب ليس لعداوة شخصية وانما لهول ما اراه من صنيع هؤلاء ما بين سرقه المرايات والمساحات والطاسات وما بين العدو خلف احدهم حظى بعطية رجل طيب وهرع الى اقرب محل لبيع السجائر ليتقاسموا معه السيجارة اى يخمسوا فيها
وما بين هؤلاء الذين تم استغلالهم لقتل واصابة العشرات بل المئات فى كل الاحداث الماضية طوال العامين وما رأيته بعينى يوم الاتحادية وهم يقفون فى نهاية ابراهيم اللقانى ويشاركون فى القاء الحجارة وما سمعته عن مشاركتهم فى الاعتداء على كل ملتح يمر ولو قدرا وما فعلوه من تكسير سيارات السكان المواجهين للنادى ومسجد عمر بن عبد العزيز حتى ان احد زملائى قص لى كيف ان ابنة عمته وهى قيمة على ناصية المرغنى رأت سيارتها من البلكونة تكسر من هؤلاء ولا تستطيع ان تفتح فاها وبين ما حدث من تحرش بالبنات فى الكورنيش والتحرير وغيرها من الاماكن على ايدى هؤلاء
والاصعب ان اعطائى المال لهم هو تشجيع على شراء الكلة التى يستنشقونها لتذهب بعقولهم او لنقل ما بقى منها ثم يقومون بالشذوذ والعياذ بالله كما نسمع ونرى كل فتره فى وسائل الاعلام
فقد قضيت 6 سنوات فى منطقة الرماية وكان امامها اراضى فارغة خاصة باحدى شركات المقاولات وكانت هذه الاراضى مأوى لمثل هؤلاء وما ان بدأت الشركة بتنظيفا الا وطردت هؤلاء فاصبحت اراهم يوميا يبيتون فى الحديقة التى بالجزيرة الوسطى وللاسف والحسرة وجدت منهم فتيات لم تتجاوز احداهن الخامسة عشر ومنهن من تحمل رضيعا ولا حول ولا قوة الا بالله
اشعر بتناقض فى مشاعرى تجاه هؤلاء ولا ادرى ايهما اصدق من الاخر وماذا على ان افعل تجاه هؤلاء وهل اعطائى لاحدهم ما يكفيه ولو سنه حل للمشكله ام ان امتناعى عن الاعطاء اسلم
احيانا اخرى تجد عربجى يسير بحماره بطريقة توحى الى المشاهد ان الحمار حتما اكثر فهما من صاحبه واذا بهذا الحمار اقصد العربجى يصطدم بك ويحدث تلفيات لسيارتك وانت حينها ما بين شدة الغضب الذى يمكنك من الفتك به لو اطبقت يدك على عنقه وما بين الرحمة التى جبلت عليها وترددك فى اصطحابه للقسم لانه سيضرب وتنتهك ادميته ويخرج ولن تحصل على تعويض عما اتلفه
شعور متناقض ما بين احتياجك للحصول على حقك واصرارك على الفتك به او الحاق الضرر به حتى لو لم تحصل على حقك
يأتى احدهم ليصطنع فيلم درامى عما الم به من مشاكل الدهر وانت قادر على التصدق عليه ولكنك بينك وبين نفسك تخشى ان يكون احدهم من محترفى التسول بالتمثيل وما اكثرهم وما اكثر الحالات التى وجدت نفسك فيها مغفلا يسهل الاستخفاف به والضحك عليه
وفى نفس الوقت ترى الاحوال وما الت اليه احوال الناس التى جعلت من العزيز ذليلا ومن الغنى فقيرا واحوجت الكثير الى ذل السؤال والعياذ بالله
تجد بداخلك مشاعر رحمة وخاصة ان كان هذا تاليا لغدوة فاخرة او سياحة مرفهة وفى نفس الوقت تجد شعورك بالثأر لما تم استغفالك فيه هو الاقوى والباعث على رفض المساعدة
تجد نفسك تميل وتأنس الى بعض المترفين والمنعمين ومن يظهر عليهم اثر النعمة فى حين تشعر ببعض الاشمئزاز من قليلى اليد وبسطاء الحال مع ان الاصل العكس وهو ان تميل نفسك الى الضعيف المحتاج اكثر ممن من الله عليه واغناه
تحاول ان تقنع نفسك بالتكافؤ حتى فى الصداقة وتحاول ان تنسى نفسك ان معيار القبول هو التقوى
ترى كثير من الرجال منبهر بزميلته التى ترتدى الجينز والبوت والبودى والعطر وذات الشعر المصبوغ فى حين انه واجب عليه مع غض البصر ان ينفر من المعصية واهلها
سألت نفسى كثيرا هل هذا التناقض فى المشاعرهل هو امر شخصى ومرض قلبى يخصنى دون غيرى واذا باخرين يعانون مما اعانى منه ويجدون نفس ما اجد ولما حاولت ان اصل الى تحليل دقيق لهذا الحال وجدت ان تشوية الشخصية المصرية على مر الزمان من غياب الدين وتعاليمه ثم تبعا العرف والذى كان مستمدا من الدين ثم طغيان المادة وانعدام القانون وغياب الردع وامن العقوبة واساءة الادب هى البواعث على تلكم المشاعر
لو وجدت مؤسسات لرعاية هؤلاء لوجدت من الدعم ما يكفي هؤلاء المشردين ولاصبح هؤلاء مثل من فى نفس اوضاعهم ولكنهم يخضعون للرعاية والعناية فى دور من دور الايتام
عجز الدولة عن القيام بمهامها وغياب الدين والردع لمن يرتكب الفاحشة هو ما ادى الى وجود مثل هؤلاء بالشارع
انعدام القانون وانعدام التعليم وتوفير فرص عمل للعربجى هوا ما دفع الى وجود مثل هذه الشخصية فى المجتمع ومن ثم قاسينا من سلوكها وتدميرها لما حولها ولولا وجود طامعين فى البلاد اما وجدنا هذا الكائن المسمى التوكتوك والذى هو اشد خطورة على المال والنفس بل والاخلاق من هذا العربجى وحماره
خلصت الى انى اتخلص من شعورى بالتناقض بمجرد مغادرتى لمطار القاهرة وهبوطى الى اى مطار دولى اخر وحصولى على حقوقى وادائى لواجباتى
اذن هذا الشعور نتيجة لتواجدى فى المحروسة مصر
كيف النجاة اذن ؟
هل يجب على الجميع الهروب ؟
ينبثق عن هذا السؤال شعور اخر متناقض ما بين تعلقى بارضى واهلى وما بين حرصى عل انهاء هذه المأساة من التناقضات
ولا يحضرنى فى هذا المقام الا اقتباس مقولة الاخ الفاضل صدام
ومن تناقض الى تناقض ودمتم للنضال
من يجد حلا جذريا لهذا التناقض فاتمنى الا يبخل علينا به