هل بدأ العد التنازلي لانحدار أمريكا ؟!!





بقلم ـ موسى راغب





بداية لا يهمنا كعرب من يفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، لأن سياسة كل من المُتَرَشِّحَيْن الجمهوري ماكين والديمقراطي باراك، وجهان لعملة واحده تنطوي على ثلاثة معانٍ:


أولها الانحياز السافر لإسرائيل ومعاداة كل من يحاول تعريض أمنها للخطر، والثاني اعتبار الثقافة الإسلامية الخطر الآني والداهم على الحضارة الغربية، ما يحتم على الغرب الاستمرار في محاولات تدميرها بدعوى محاربة ما يصفونه الإرهاب، والثالث هو الهيمنة على البلدان العربية والتحكم في نفطها، واعتبار ذلك من ثوابت الاستراتيجية الأمريكية بشقيها الإقليمي (المنطقة العربية) والكوني.



وبرغم أن هذين المُترشَّحين حاولا أن يُظْهِرا - خلال المناظرة التي جرت بينهما يوم الجمعة 26 سبتمبر 2008 - وجود خلافات جوهرية في سياستيهما حيال أفغانستان والعراق، غير أنهما التقيا في النهاية على ضرورة استمرار الحرب فيهما حتى يتحقق النصر لأمريكا. فالولايات المتحدة لا تستطيع – في نظرهما – أن تتحمل خسارة هذه الحرب، لأن ذلك يعني انهيار استرتيجيتها الكونية الهادفة للسيطرة على العالم، وإرغامها على التخلي عن زعامة النظام العالمي أحادي القطب الذي حاولت تثبيته بشتى الطرق.



لكن الأخطر من ذلك أن فشلها حتى الآن في كسب الحرب التي تشنها على العراق وأفغانستان ، يبدو أنه كان من الأسباب الرئيسة التي عرضت النظام الرأسمالي واقتصاد السوق الذي تعتز به أمريكا لخطر الإنهيار، بسبب تكلفتها العالية التي بلغت نحو 700 مليارا من الدولارات.



ويبدو أن هذا، هو السبب الذي يقف وراء اتفاق المترشحين الجمهوري والديمقراطي على ضرورة استمرار الحرب حتى النصر، برغم ما حاولا إظهاره من خلاف "مصطنع" حول التكتيكات التي يقترح كل منهما اتباعها للاستمرار في تلك الحرب. وهذا يعني في النهاية أن الفائز من المرشحين لا يتوقع منه أن يجري تعديلات جوهرية على السياسة الحالية التي يتبعها بوش في إدارة الحرب على العراق وأفغانستان، طالما بقيت الظروف السائدة فيهما على ما هي عليه.



المرشحان الجمهوري والديمقراطي اتفقا على أن الحرب في هذين البلدين قد تسببت في معاناة شديدة للشعب الأمريكي، من جهة إثقال كاهل دافع الضرائب، إضافة لإضعاف مركز أمريكا اقتصاديا وسياسيا أمام المجتمع الدولي.



في هذا الصدد، أدلى العديد من الخبراء الأمريكيين وغير الأمريكييين بآراء تؤيد القول بأن الاقتصاد الأمريكي يتعرض لأخطار محققة تهدد بانهياره بسبب تلك الحرب، كما تظهر انحراف الدور الأمريكي في توجيه مسار الاقتصاد العالمي حسبما خطط له المحافظون الجدد والإدارات الأمريكية السابقة عليهم. زد على ذلك تراجع وضع أمريكا السياسي في العالم، وبخاصة بعد ظهور المعارضة الروسية المتنامية للخطط الامريكية التي تعرضها على الأصعدة الإقليمية والأممية.



ويبدو أن فشل أمريكا في تلك الحرب قد تسبب في تعريض النظام الرأسمالي واقتصاد السوق الذي تفخر به للانهيار والسقوط ، بسبب التكلفة الضخمة التي تنفق عليها، حيث يجري صرف عشرة مليارات دولاراً شهريا على حرب العراق وحدها، بحسب تقديرات المترشح الديمقراطي باراك أوباما. وهذا- على ما يبدو - ما أقر به بوش حين قال: بأن الاقتصاد الأمريكي يتعرض الآن برمته لخطر حقيقي.



وقد اقترح في خطته لتجاوز الأزمة، تخصيص مبلغ 700 ملياراً من الدولارات لشراء الأصول غير المستقرة للمؤسسات المالية التي تلعب دوراً هاما في النظام المصرفي، حتى يمكن إعادة الثقة لأسواق المال التي تعيش الآن فوضى تهدد بحدوث أزمة مالية خطيرة.



والسؤال الذي يواجه الاقتصاديين في العالم الآن هو: هل حقاً أن النظام الرأسمالي الذي تتزعمه أمريكا حاليا، والذي تجعل من العولمة واقتصاديات السوق أساساً له، هو في طريقه للانهيار ؟؟.



نعلم أن الأزمة بدأت حين تعرض السوق العقاري في أمريكا لهزة عنيفة أدت لانهيار بنك "ليمان برذرز" وإعلان إفلاسه، ما تسبب في إشاعة فوضى مالية خطيرة ، كان من نتائجها تعريض الاقتصاد الأمريكي برمته للخطر، على ما يقول الرئيس بوش. وبرغم خطته التي تقضي بضخ مبلع 700 ملياراً من الدولارات لشراء أصول المؤسسات المالية الكبرى المتعثرة كما ذكرنا، غير أن هناك الكثير من الشكوك التي تساور الخبراء الاقتصاديين في نجاح تلك الخطة، في إعادة الأمور لما كانت عليه. من هنا ظهرت آراء ترى أن النظام الاقتصادي العالمي الذي يقوم حالياً على الرأسمالية واقتصاديات السوق الحرة والعولمة هو في طريقه للانهيار والزوال.



جون ماكين وسارة بالين

فقد صرح الرئيس الفرنسي "ساركوزي" بأن النظام الاقتصادي العالمي الذي تتزعمه أمريكا والقائم على اقتصاد السوق، لم يعد قادراً على احتواء التغيرات التي تطرأ على الاقتصاد العالمي . فالاضطراب الاقتصادي الذي ساد أسواق المال الأمريكية مؤخراً بعد إعلان إفلاس بنك "ليمان براذرز"، قد وضع نهاية لاقتصاديات السوق الحرة. وهذا يعني – بقول آخر - أن النظام الرأسمالي الذي تتمسك به أمريكا بات معرضاً للانهيار، وإن من واجب العالم أن يبحث عن نظام اقتصادي جديد مستقر، يؤمن وجود علاقات اقتصادية سليمة وعادلة بين دول العالم.



وليس بعيداً عن هذا السياق، ما صرح به "ساركوزي" عن اعتقاده بأن التصور الحالي لمفهوم العولمة الذي بني على رأسمالية فرضت نفسها على الاقتصاد العالمي بأسره، وكانت سببا في انحرافه عن مساره الصحيح، هو في سبيله للزوال. ولذلك فإن "فكرة القوة المطلقة للأسواق، ووجوب عدم تقييدها بأي قواعد، كانت فكرة مجنونة .. وكذلك فكرة أن الأسواق دائماً على حق، كانت هي الأخرى فكرة مجنونة"، بحسب تصريحات ساركوزي.



وفي السياق ذاته صرح الصحفي الأمريكي "روبرت فيسك" بأن زمن السوق الحرة قد ولَّى، ما يعني أن النظام الرأسمالي هو أيضاً في طريقة للزوال، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى انتقد "فيسك" تركيز بوش والصحافة الأمريكية على خطة إنقاذ "وول ستريت" وتجاهل الحديث عن قضايا هامه أخرى، إضافة لعدم التفاته للجنود الذين يخوضون حربين طاحنتين في العراق وأفغانستان.



كما ذكَّرَ "فيسك" بأنه أُنْفِق على الحرب في العراق وحده حتى الآن، ذات المبلغ الذي ضمنه بوش خطته لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي وهو 700 ملياراً من الدولارات، إضافة لتجاهلة لمقتل نحو 4162 جنديا أمريكيا. فكأنه بذلك يريد أن يقول: إنه لولا الحرب على بغداد، لما قامت الأزمة الاقتصادية الراهنة.



ليس من شك أن أزمة السوق العقاري في الولايات المتحدة وإعلان بنك "ليمان برذرز" رابع أكبر بنوك أمريكا إفلاسه ، قد فجَّر الأزمة الاقتصادية الأخيرة. وفي هذا الصدد، أشار الخبير الألماني "هايلبورن" إلى أن هذه الأزمة التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي ليست وليدة اللحظة، وإنما هي نتاج ممارسات مالية وأخلاقية خلفتها الإدارات الأمريكية المتوالية التي "استمرأت العيش من القروض الخارجية"، وتجاهلت - في الوقت ذاته - الاستثمار في مجال البنية التحتية، هذا إضافة لتهديداتها للدول التي لم تقتد بأنموذج الاقتصاد الأمريكي.



والجدير بالذكر أن "هايلبون" خص إدارة بوش (بِسَوْءَةِ) تمريغ سمعة أمريكا واقتصادها في الوحل، والتي كادت تصل بالولايات المتحدة لدرجة الإفلاس. ومع ذلك فإن هذه الإدارة لم تتورع – في نظره - عن إظهار غضبها من القوى الاقتصادية العالمية التي رفضت أن تمد لها يد المساعدة لإخراجها من أزمتها كالصين.



الغريب أن الأمريكيين الذين يعتبرون أنفسهم سادة العالم، لم يدركوا بعد خطورة الوضع الاقتصادي في بلادهم، برغم كل الشواهد التي تدل على أن ثمة قوى اقتصادية عالمية أخرى تحقق معدلات نمو مرتفعة، لدرجة أصبحت معها منافساً نشطاً وخطيراً للاقتصاد الأمريكي في مجالات كثيرة.



والأغرب أنهم يدركون أن الحروب التي خاضوها في فيتنام والعراق وأفغانستان، وكذلك تدخلاتهم في لبنان والصومال وخليج الخنازير في كوبا، لم تجلب لهم سوى المزيد من الخسائر السياسية والمادية والبشرية، إضافة للكراهية التي أصبحت غالبية شعوب العالم تكنها لأمريكا وسياساتها الخارجية نحوها، ومن بينها شعوب أوروبية تعد حليفة لها.



ويكفي في هذا المقام أن نُذَكَرْ بأن الخبراء في الشأن الصيني، يؤكدون أنه كان بإمكان الصينيين أن يمدوا يد العون للاقتصاد الأمريكي حين كانت شركة "إس دبليو إف" الصينية للاستثمار تتفاوض على شراء بنك "ليمان برذرز". غير أن عزوفها عن شراء هذا البنك، ومن قبله تراجع البنك الصيني "سي آي سي" عن مساعدته .. كانا بمثابة المحور الرئيس في الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تمر بها أمريكا الآن، بحسب "د.هارولد جيمس" استاذ الشئون الدولية بكلية "ويدرو ويلسون" بجامعة "بنستون" الأمريكية.



وبرغم أن الحرب على العراق وأفغانستات تعتبر السبب الرئيس في الأزمة الحالية التي يتعرض لها الاقتصاد الأمريكي بسبب الحروب التي شنتها إدارة بوش على العراق وأفغانستان، غير أن المترشحين الديمقراطي والجمهوري ما زالا يحاولان خداع الشعب الأمريكي، حين يتفقا على وجوب الاستمرار في الحرب التي تشنها أمريكا على العراق وأفغانستان.



ففي المناظرة الأولى التي جرت بينهما، أبدى كلاهما إصراراً غريباً على المضي قدما في هذه الحرب حتى النصر. أما كيف يتم تحقيق هذا النصر .. فلم يعرض أي منهما "الكيفية" المقنعة التي يستطيع المواطن الأمريكي وغير الأمريكي الاطمئنان إليها.



بل بلغ الأمر بباراك - إلى جانب مطالبته بإرسال المزيد من الجنود الأمريكيين لأفغانستان بهدف القضاء على عناصر تنظيم القاعدة وحركة طالبان - أن يسمح بشن هجمات على من يسمونهم بالإرهابيين داخل الأراضي الباكستانية، إذا ما فاز في الانتخابات. وهذا يعني أن دخول باكستان في دائرة تلك الحرب بات أمراً متوقعاً إن لم يكن مؤكداً، ما يزيد من الأعباء الملقاة على عاتق الاقتصاد الأمريكي ويدفعه للانهيار.



أما البرنامج النووي الإيراني، فقد لاقى توافقاً بين موقفي المترشحين، من زاوية عدم السماح لإيران بأن تتحول لدولة نووية، وذلك حرصا منهما على أمن الكيان العبري وسلامته من ناحية، وحرمان الشعوب العربية والإسلامية من امتلاك ناصية التكنولوجيا النووية من ناحية أخرى. وعلى الرغم من قناعة الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين بأن الرياح القادمة تجري عكس ما تشتهيه أمريكا والغرب بعامة، غير أن خيار الحرب على إيران والدول العربية والإسلامية التي تحاول الحصول على التكنولوجيا النووية التي تمكنها من صنع سلاح نووي يبقى مطروحا، طالما ظلت لدى هؤلاء قناعة بأن الحضارة الإسلامية تمثل الخطر الأكبر على الحضارة الغربية.



وفيما يتصل بالحرب التي تشنها أمريكا على ما تسميه بالإرهاب، فقد كان واضحا أن كلا المرشحين يعتبران حركات التحرر التي تسعى لتحرير أوطانها، سواء في فلسطين أو العراق أو لبنان أو أفغانستان أو الصومال، مجرد حركات إرهابية يجب ملاحقتها والقضاء عليها. وبذلك لم يخرجا في سياستيهما إزاء هذه القضية، عن سياسة الإدارة الأمريكية الحالية التي يسيطر عليها المحافظون الجدد.



مما سبق نخلص لحقيقتين رئيستين



باراك اوباما

أولهما- أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة لن تتغير سواء فاز في الانتخابات الرئاسية القادمة المرشح الجمهوري أو المرشح الديمقراطي. فكلاهما أظهرا استعدادهما للذهاب بعيداً في تأييد إسرائيل وتثبيت وجودها في المنطقة أولاً، والمثابرة على تدمير جميع حركات التحرر العربية التي تستهدف إسرائيل أو القوات الأمريكية المحتلة في المنطقة ثانياً.



ثانيهما- إن النظام الاقتصادي العالمي الذي يقوم على دعائم الرأسمالية المتوحشة واقتصاديات السوق التي تسيطر على النظام المصرفي في الولايات المتحدة الأمريكية ، باتت تتجه نحو الانهيار والزوال، ما يدعو العالم للبحث عن نظام مصرفي جديد يؤمن وجود نظام اقتصادي مستقر وعادل.



لذلك فإن ثمة اعتقاداً يسود الآن أوساطاً عديدة في الساحة الدولية مفاده، أن العد العكسي لفقدان أمريكا مكانتها الاقتصادية والسياسية في العالم، قد بدأ مع قيام إدارة بوش بتطبيق تعاليم المحافظين الجدد ذات الطابع اللاهوتي، والتي استهلها باجتياح كل من العراق وإيران واحتلالهما. كما أن الرأسمالية المتوحشة التي تتحكم بالاقتصاد الأمريكي، باتت تدفعه بخطى سريعة نحو التفكك وانتشار الفوضى التي ستؤدي حتما للسقوط في براثن كساد أقتصادي خطير، لن تشفى أمريكا منه على المدى المنظور. وحين يفيق الأمريكيون من كبوتهم يكون العالم قد توصل لنظام اقتصادي عالمي أكثر استقراراً وعدلآ، ويختلف إلى حد كبير عن النظام الرأسمالي المتوحش الذي يتحكم بالاقتصاد الأمريكي.



منقوووووووووول
--------------------------------------------------------------------------------
قالها استاذنا الدكتور راغب السرجاني
من طبيعة الأمم أنها تمر بكل المراحل التي يمر بها الإنسان في رحلة حياته؛ فهي تولد في البداية ضعيفة ثم تقوى تدريجيًّا، حتى تصل إلى مرحلة الشباب حيث القوة المفرطة التي قد تكون بلا حكمة أحيانًا، ثم تدخل في طور جديد من الخبرة والاستقرار، ثم إنها في النهاية تدخل في مرحلة الشيخوخة فالاحتضار.

رأينا هذه المراحل كلها في الدولة الفارسية والرومانية، ورأيناها في حضارة الفراعنة والبابليين، ورأيناها في دولة التتار، ورأيناها في إنجلترا وفرنسا، ورأيناها مؤخرًا في الاتحاد السوفيتي، ونراها اليوم في دولة أمريكا!

لقد وصلت أمريكا في غضون الستين سنة الماضية - منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية - إلى أقصى درجات مجدها، وحققت من النجاحات ما لم تكن تحلم بتحقيقه، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي سنة 1991م، وأصبحت أساطيلها تجوب الدنيا بكاملها، ووصلت هيمنتها إلى معظم قصور الرئاسة في العالم، واستقرت أوضاعها إلى حد كبير، وباتت - كما هو واضح - قطبًا أوحد في العالم ليس له منافس.

وعلى الرغم من الصدمة المفاجئة التي حدثت لها في سبتمبر 2001م - بصرف النظر عن فاعلها - إلا أنها تمالكت نفسها بسرعة، واستغلت الحدث استغلالاً سياسيًّا احترافيًّا؛ فمدت سيطرتها على أجزاء كثيرة من الدنيا بدعوى حرب الإرهاب، ووضعت أقدامها في أفغانستان والعراق، بل وبدأت تبحث بخُطا حثيثة عن أماكن صراع أخرى في السودان وليبيريا وإيران وسوريا وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا وغيرها.

كل هذا رأيناه جميعًا، ولم يكن التصاعد الأمريكي خافيًا على أحد، لكن هذا التصاعد لم يكن ليستمر أبدًا؛ لأن استمراره مخالف للسنن الثابتة في هذا الكون.. {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} (يس: 68).

لا بد من الدخول في مرحلة الشيخوخة، وليس بالضرورة أن يحدث في الشيخوخة موت سريع، أو هبوط حاد، إنما المعتاد أن تتراجع القوة تدريجيًّا، ويفقد الشيخ طرفًا من إمكانياته وقدراته كل يوم.

لقد رأينا تراجعًا واضحًا في القوة الأمريكية، وخاصة من سنة 2004م وإلى الآن؛ ولذلك شواهد كثيرة..

لقد فشلت أمريكا في فرض سيطرة آمنة على دولة العراق المسلمة؛ وذلك مع مرور أضعاف المدة التي حددتها أمريكا لفرض السيطرة.

وفشلت أمريكا في القضاء على حركة طالبان وزعمائها مع أنها نجحت في تغيير نظام الحكم هناك، ووضعت حكومة عميلة، وغضت الطرف عن سقوط برويز مشرف في باكستان، ولم تستطع الوقوف بجوراه مع كونه واحدًا من أكبر حلفائها في جنوب آسيا.

وفشلت أمريكا في اتخاذ أي تصرّف حازم ضد كوريا الشمالية التي أعلنت بوضوح وصرامة أنها لن توقف تطوير سلاحها النووي، وكذلك حدث مع إيران التي تحثُّ الخُطا في مشروعها النووي أيضًا.

وفشلت أمريكا في قمع النمو الصيني المتزايد، بل اضطرت إلى عقد اتفاقات ومعاهدات ومهادنات، ورأينا التنين الصيني يغزو أسواق العالم، ورأينا اتفاقات صينية نفطية على أعلى مستوى، ورأينا غزوًا للفضاء، ورأينا تطويرًا للسلاح والطائرات والتقنية، كل ذلك وليس هناك رد فعل مناسب من القوة الأمريكية.

وفشلت أمريكا أيضًا في ترويض الدب الروسي، الذي راودته الأحلام من جديد لاستعادة أمجاد الآباء، فانطلق في الشيشان وغيرها من جمهوريات الجنوب الروسي، والآن في جورجيا، ووضعت روسيا أنفها في معظم المباحثات العالمية، وأصبح لزامًا على أمريكا أن تغض الطرف حتى لا تستخدم روسيا الفيتو ضد قرارات أمريكا بخصوص فلسطين ولبنان وسوريا وإيران.

وفشلت أمريكا كذلك في قمع الانتفاضات المتتالية في أمريكا اللاتينية، ولم تعد المسألة هناك شعبية فقط، بل أصبحت حكومية أيضًا، وجاهر الجميع بالعداء المباشر للقوة الأمريكية، وبدأت نماذج لاتينية قوية في الظهور مثل البرازيل وفنزويلا، بل ولعلنا سمعنا مؤخرًا عن طرد السفراء الأمريكيين في بوليفيا والمكسيك، وكذلك هندوراس.

وسمعنا بالاستفتاءات المتتالية في اليابان من أجل إنشاء جيش ياباني، والخروج من الهيمنة العسكرية الأمريكية الموجودة منذ أكثر من ستين سنة.

ونسمع الآن عن أكبر أزمة مالية في تاريخ أمريكا.

كل هذه المشاهد وغيرها تشير إلى أن أمريكا دخلت بالفعل في مرحلة الشيخوخة، كالتي دخلت فيها إنجلترا بعد الحرب العالمية الثانية، وهي مرحلة قد تمتد لفترات طويلة، ولكن لا بد لها من نهاية، وسيصل الأمر إلى ما وصل إليه قبل ذلك مع القوى العالمية السابقة.. {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (الفتح: 23).

والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا بقوة..

ماذا نحن فاعلون إزاء هذه التغيرات العالمية الكبرى؟ وهل سنكتفي بالمشاهدة والمراقبة؟ وهل نكتفي بالتخمين: من سيكون خليفة لأمريكا؟ هل هو التنين الصيني؟ أم الدب الروسي؟ أم تراهم الهنود؟ أم سيكون التحالف الأوربي