وهــم عربي آخـر اسمه "الرئيس الأمريكي الجديد"

كتب محمد ماضي - واشنطن : بتاريخ 4 - 11 - 2008 جيوش الصحفيين ومراسلي القنوات الفضائية العربية، الذين يجوبون الولايات المتحدة هذه الأيام، تعكِـس حالة الانتظار والترقّـب التي يعيشها العالم العربي، المتابع يوما بعد يوم لِـما ستُـسفر عنه انتخابات الرئاسة الأمريكية ولمعرفة من سيكون الرئيس الجديد وكيف ستختلف سياساته في الشرق الأوسط عن سياسات سلفِـه جورج بوش، الذي جرّ جحافل القوات الأمريكية إلى عاصمة الخلافة الإسلامية في بغداد بمبررات وهمية..
.. وترك لخلَـفه ترِكَـة ثقيلة من الهموم الاقتصادية والحروب المفتوحة، التي لم تُـحسَـم، وأهمل تماما تسوية الصراع العربي الإسرائيلي وتاجر بقضية نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، فزود نظم الحكم العربية الدكتاتورية غير المنتخبة بمناعة خاصة ضدّ التحول الديمقراطي.

سويس إنفو حضرت ندوة أقامها مركز ويلسون في واشنطن لتقييم أبرز أولويات الرئيس الجديد للولايات المتحدة، أكّـد فيها السيد غريم بانرمان، المحلل السابق لشؤون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأمريكية، أن المحكّ الرئيسي لكي يمرّر أي رئيس للولايات المتحدة قرارا يتعلّـق بالسياسة الخارجية بدون معارضة تُـذكر، هو مدى قُـدرته على ربط قراره وتبريره بأنه يخدِم الأمن القومي الأمريكي، حيث لا يجسر حتى زعماء الكونغرس على أن يُـوصفوا بأنهم عارَضوا قرارا للرئيس يتعلّـق بمصالح الأمن القومي الأمريكي، ولهذا، فيجب أن لا يتوقّـع أحد أن تحتلّ مسألة الوساطة الأمريكية في التوصّـل إلى تسوية للصِّـراع العربي الإسرائيلي أولوية متقدّمة على جدول أعمال الرئيس الأمريكي الجديد، اللَّـهم إلا إذا حدث ما يجعل تلك الوساطة، وبشكل ضروري، أمرا يخدم الأمن القومي الأمريكي.

آرون ميللر، المساعد السابق للمنسِّـق الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط في عهد الرئيس كلينتون أسباب موضوعية لبقاء الحال على ما هو عليه
أما السيد آرون ميللر، المساعد السابق للمنسِّـق الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط في عهد الرئيس كلينتون، فيرى أن الرئيس الجديد سُـرعان ما سيُـدرك أنه لن يكون بوِسع الولايات المتحدة القيام بما يُـوصف بدور"الشريك النزيه"، لأن ذلك الدّور يحتاج إلى أن يتحوّل الوسيط إلى مُـحامٍ يتولّـى الدفاع بحِـياد تامّ عن طرفي المفاوضات، للتوصُّـل إلى حلول وسط، ولكن الرئيس الأمريكي سيجِـد أن الطّـرف الإسرائيلي في المفاوضات يتمتّـع بدفاع مَـنيع يتركب من من خمس محامين:

أولا، مجتمع اليهود الأمريكيين، البالغ التأييد والمحنك في تنظيم الصفوف وممارسة النفوذ السياسي من خلال جماعات الضغط، وقدرة مجتمع اليهود الأمريكيين على ترسيخ صورة اضطهادهم على مدى العصور، وحاجة اليهود إلى مساندة أمنهم وبقائهم.

ثانيا، التحيّـز داخل الكونغرس للتّـعاطف مع إسرائيل في كل قرار أو تشريع يخصها.

ثالثا، عشرات الملايين من المسيحيين التّـبشيريين الأمريكيين، المتطرّفين منهم والمحافظين، الذين يتعاطفون مع اليهود والذين زادت مُـساندتهم لإسرائيل بشكل بالغ منذ هجمات سبتمبر 2001.

رابعا، ترسخ صور سلبية نمَـطية عن العرب في المجتمع الأمريكي، زادها سوءً قِـيام عدد من العرب المسلمين بشنّ هجمات سبتمبر الإرهابية واستغلال تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في ترسيخ صورة إسرائيل كدولة صغيرة محاطة بطوفان من الأعداء، الذين يريدون تدميرها.

خامسا، اللُّـوبي الموالي لإسرائيل وقُـدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي على ممارسة التأثير على الرئيس الأمريكي، فيما يتعلق بالصِّـراع العربي الإسرائيلي.

وهكذا تمكّـنت إسرائيل عبر العقود الماضية من التّـغلغل في الوعي الثقافي للأمريكيين والسياسة الأمريكية الخارجية، وأكّـدت عُـمق وضمان العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة.

وقال السيد آرون ميللر: "لقد قوّضت الولايات المتحدة قُـدرتها على أن تكون وسيطا فعالا بالسماح لإسرائيل بممارسة حقّ الفيتو على الإستراتيجية والتكتيك الأمريكي في الشرق الأوسط، وعدم الالتزام بما تراه الولايات المتحدة ضرورة للتوصّـل إلى حلٍّ بتقديم تنازُلات متبادلة، حيث رفضت إسرائيل وباستمرار التخلّي عن نشاطاتها الاستيطانية ومصادرة أراضي الفلسطينيين، خصوصا خلال ستة عشر عاما قضّـاها كل من كلينتون وبوش الإبن في البيت الأبيض".

وردّا على سؤال لسويس إنفو عن الأولوية التي يُـمكن أن تحظى بها عملية السلام في الشرق الأوسط على جدول أعمال الرئيس الأمريكي الجديد، فيما يتعلق بالشرق الأوسط قال السيد آرون ميللر: "سيكون الرئيس الجديد أكثر اهتماما لَـدى تولِّـيه السلطة في يناير القادم، بقضية شكّـلت وعدا انتخابيا رئيسيا، وهي قضية إنهاء الحرب الأمريكية في العراق وسحب القوات الأمريكية مع مُـراعاة ضرورة توفير حدٍّ أدنى من الاستقرار الأمني في العراق، أما الأولوية الثانية، فستكون للملف النووي الإيراني قبل أن تكتمِـل قُـدرة إيران على توفير الوقود النووي وإمكانية تطوير أسلحة نووية، وإذا أدرج الرئيس الأمريكي الجديد قضية الدّور الأمريكي النشط في التوسط للتوصل لتسوية للصراع العربي الإسرائيلي، فسيحاول البحث أولا عن سبيل لتوسّـط لا ينطوي على الفشل، ودون تِـكرار أخطاء الماضي بخلق أشكال من عمليات السلام، دون مضمون أو جدوى".

ونبّـه السيد ميللر إلى أن الرئيس الجديد، الذي لم يسبق له العمل في قضايا السياسة الخارجية والذي يتوقّـع منه العالم الكثير، ليس بوسعه التورّط في وساطة قد تجلُـب إليه الفشل المبكّـر، ولذلك، ستكون أفضل فرصه لتنشيط عملية السلام، تشجيع المفاوضات السورية الإسرائيلية، والتي يمكن أن تتمخّـض عن آثار متلاحِـقة في التعامل مع حماس وحزب الله بل وإيران.

السيد ريتشارد شتراوس متى يتحرّك الرئيس الجديد؟
أما السيد ريتشارد شتراوس، رئيس تحرير نشرة The Middle East Policy Survey والذي سبق له العمل في اللّـوبي الإسرائيلي المعروف اختصارا بالإيباك، فيرى أن الرئيس الجديد يُـدرك أن الرؤساء الأمريكيين السابقين على مدى عقود، أخفقوا في التوصّـل إلى تسوية سلمية للصِّـراع العربي الإسرائيلي، ولذلك، فلن يجعل من عملية السلام في الشرق الأوسط أولوية متقدّمة على جدول أعماله في المنطقة، إلا إذا طلب منه رئيس الوزراء الإسرائيلي المساعدة في ذلك، خاصة إذا رأت إسرائيل أن من مصلحتها مُـقايضة السلام الشامل مع الدول العربية كلها بتنازلات في الأرض، من خلال المبادرة العربية أو إذا تطوّرت الأمور في المنطقة بشكل خطير، يستوجب مشاركة الولايات المتحدة.

غير أن الدكتور حسين إبيش، كبير الباحثين بمؤسسة "فريق العمل الأمريكي من أجل فلسطين" والمدير التنفيذي لصندوق الريادة العربية الأمريكية، فيرى أن الرئيس الجديد سيكون منشغِـلا بهُـموم داخلية، في مقدّمتها الأزمة المالية وما تلاها من عواقِـب اقتصادية، وسيكون الشغل الشاغِـل له فيما يتعلّـق بالشرق الأوسط، الخروج الأمريكي من العراق وإنهاء حرب باهظة التكاليف، ثم سيكون مهتمّـا أكثر بالشأن الإيراني، خاصة كيفية التّـعامل مع الملف النووي الإيراني، وسيجد الظروف الحالية غير مُـواتية للانشغال بعملية السلام في الشرق الأوسط، نظرا للانقسامات الفلسطينية الحادّة بين حماس والسلطة الفلسطينية من جهة، وعجز إسرائيل عن تشكيل حكومة تخلف رئيس الوزراء المستقيل إيهود أولمرت واللجوء إلى انتخابات إسرائيلية مبكّـرة في أوائل العام القادم.

ما حكّ جِـلدك مثل ظفرك
توجّـهت سويس إنفو إلى السيد صبحي غندور، مدير مركز الحوار العربي في واشنطن لمعرفة رأيه في قضية وهم الانتظار العربي لِـما سيأتي به الرئيس الأمريكي الجديد فقال: "إذا كان من الطبيعي أن تكون الدّول العربية في مقدّمة الدول التي تضع نفسها الآن على قائمة الانتظار لمعرفة من هو الرئيس الأمريكي القادم وكيف ستكون سياسته الخارجية، بسبب ما تعانيه المنطقة العربية من أزمات كانت واشنطن طرفا فيها، فليس من الطبيعي أن تستمِـر الأوضاع العربية مْرهونة بما يحدُث في الخارج، دون أي تدخّـل فاعل للإرادة العربية أو بالأحرى بسبب عدم وجود إرادة عربية مشتركة تستبِـق المتغيِّـرات الدولية والإقليمية أو على الأقل تتهيأ لها بشكل يحُـول دون أن تنعكِـس سلبا على المنطقة العربية".

وعاد السيد صبحي غندور بذاكِـرته إلى الوراء، ليلاحظ أن المُـراهنات العربية على الخارج تحوّلت إلى سِـمة مميّـزة للسياسات العربية الرسمية على مدى عشرات السنين، باستثناء محدود في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وقال: "الآن تنتظر المنطقة العربية نتائج الانتخابات الأمريكية، كما تنتظر ما الذي سيكون عليه الحال لدى خروج إسرائيل من أزمتها الحكومية، ولا توجد آمال في الأفق برأب الصّـدع في العلاقات العربية -العربية ولا في وضع منهجِـية عربية واحدة تتعامل مع أزمات خطيرة ومتعاقبة تعصف بالمنطقة العربية، وبالتالي، فإن المشكلة ليست في انتظار الرئيس القادم والمراهنة عليه، وإنما في وضع رُؤية عربية مُـشتركة، تعرف كيف تصُـون الحقّ وتردع العُـدوان وتحقّـق المصالح العربية"، على حد قوله.

المصدر: سويس انفو