السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أحببت أن أشترك معكم بهذا الموضوع فى هذا المنتدى الذى أصبحت زيارتى له شبه يومية.:original:
غالباً ما تمر علينا لحظات فى هذه الحياة تستوقفنا لنتأمل فيها قليلاً لكى نعى للأصل الأول الذى له خُلقنا ، لأننا ما خُلقنا فقط لكى نأكل و نشرب و ننام و نتزوج و نُنجب الأولاد ثم نموت ثم يُترحم علينا و يُقال(والله كان راجل طيب و لا ست طيبة الله يرحمه).
بحكم اشتغالى فى المجال الطبى لكونى طبيبة أسنان و أحتك مع جميع فئات الشعب فرأيت الشخصية المُهذبة و الشخصية المُهزئة ، و رأيت الرجل الثرى و تعاملت معه و تعاملت مع الفقير المُعدم، تعاملت مع الأمى و المُثقف .و مع خبراتى مع البشر و حكاياتى معهم أردت أن أروى لكم حكايات استوقفتنى و أثرت فى كانسانة قبل أن أكون طبيبة.
الحكاية الأولى
لن أنسى هذا الموقف ما حييت و لن أنسى هذه الفتاة ما عشت فى هذه الدنيا ، فانها أثرت فى كثيرا لدرجة أجبرتنى على البكاء.
جاءت الى العيادات (نسيت أن أخبركم أننى مُعيدة بالجامعة) و لهذا يرد على العيادات الخارجية للكلية الكثير من الحالات و لأننى فى قسم طب الفم و أمراض اللثة و هذا القسم مَعنى بالدرجة الأولى باكتشاف الأمراض التى تظهر فى الفم قبل الجسد مثل السرطانات أو أمراض المناعة المُختلفة أو حتى الأمراض ما قبل المُسرطنة و غيرها الكثير.
جائت هذه الفتاة و هى ابنة اثنى عشرة ربيعا بصحبة والدها الذى كان يُريد أن يعلم ما هى حالة ابنته فقد كان يدور بها على كل المستشفيات و كل العيادات الخاصة و ذهب بها هنا و هناك و لا يعلم أحد ما بهذه الصغيرة و لأن حالة الفتاة حقا كانت غريبة نوعا ما ، قام القسم بعمل كونسلتو من الأطباء و بعد أخذ عينة من الفتاة و تحليلها باثوليجياً اكتشفنا أنها مُصابة باللوكيميا (سرطان الدم) و انتدبنى القسم كى أعمل عليها و أعالجها مما تُعانى منه ن التهاب شديد باللثة و الخ .......
و لكننى عندما كنت أعمل على هذه الفتاة لم أتمالك نفسى و استوقفتنى هذه اللحظة التى ذكرتها لكم من قبل لحظة تُجبرك أن تقف و تتأملها ، قُلت فى نفسى هذه الفتاة لم تعيش من الدنيا ما عشت أنا و هى تنتظر الموت فى أى لحظة و ما بين هذا التأمل باغتتنى نفسى قائلة و ما أدراكى أنها ستموت قبلك ، ممكن أن تموتى أنتى قبلها ، فأنتى الآن تتحسرى على طفولتها و ممكن أن تخرجى من العيادة و تموتى بأى شكل كان، فى وقتها بكيت عندما أدركت أن الموت أقرب مما نتوقع لأننا لا نحتاج للمرض كى يُذكرنا أنه قريب بل هو قريب حقا.
أذهلنى تجلدها و تحملها للألم بينما أعمل عليها و هى الطفلة الصغيرة بينما الكثير منا اذا واجهته أى مشكلة بسيطة أقام الدنيا و لم يُقعدها.
حقاً هى لم تتحدث و لم تقل لى الكثير و لكننى تعلمت منها الكثير ،الكثير .