[size="5"] السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..
الزواج الناجح زواج الصالونات التقليدي ام الزواج عن معرفة مسبقة وهل الحب كافي لزواج ناجح؟.
سؤال تكرر في موضوعات كثيرة في المنتدي.الاجابة ليست بحتة و كل حالة تقاس علي حده. فليس شرطا ان يسبق الزواج حبا كي يكون الزواج ناجحا.
مرة اخري اسمحوا لي ان اعرض قصة واقعية من بريد الجمعة لنموذج زواج تقليدي و ناجح رغم نقص جانب مهم جدا . في نفس الوقت هو نموذج للسعادة الحقيقية رغم وجود هذا النقص الذي ستعرفونه مع قراءة القصة الا ان من يبحث عن السعادة يراها فيما يملك و يطوعه حتي يكون سعيدا، و يري نصف الكوب المملوء و لا يظل يتباكي علي ما ينقصه فيضيع عمره بلا جدوي .
قصة رائعة و رد الكاتب فيه اجابة عن التساؤلات السابقة .لا اريد ان اطيل عليكم ففي القصة الواقعية و رد الكاتب ما يغني عن الكلام.

صرير المفتاح‏!‏

أنا سيدة في الثامنة والاربعين من عمري أعمل بالتدريس‏.‏ تزوجت منذ‏23‏ عاما زواجا تقليديا‏..‏ فاكتشفت في زوجي انسانا بكل معني الكلمة له قلب خال من كل حقد أو ضغينة‏..‏ لا يؤذي أحدا ولو بكلمة أو اشارة‏..‏ متدينا يؤدي فروض ربه وصاحب مشاعر رقيقة يتكلم قليلا ويفعل كثيرا‏..‏ مثقفا يتذوق الجمال في كل شيء‏,‏ فأحببته وأحبه اخوتي وأصدقائي وجيراني‏,‏ وساد الاحترام المتبادل حياتنا معا‏..‏ وبعد رحلة بين الأطباء استمرت عدة سنوات‏.‏ في بداية الزواج اكتشفت انني لن أستطيع الانجاب وحزنت لذلك وخشيت من تأثيره علي زوجي‏..‏ فكان رد فعله لذلك هو أن قال لي أنه سعيد معي وراض بما اختاره له الله‏..‏ ورفض عرضي عليه بأن يتزوج أخري لينجب منها بغير أن نفترق‏,‏ مؤكدا لي أنه لا يريد أن يجحد نعمة ربه عليه وأن هذه النعمة الجليلة هي أنا‏!‏
فمضت حياتنا حلوة وجميلة وازداد ترابطنا عمقا وعودنا نفسينا علي أن نكون أنا وهو فقط أسرة متكاملة وسعيدة‏..‏ نصحو مع الفجر كل يوم ونؤدي الفريضة ثم نعد طعام الافطار ونجلس لنتبادل الأحاديث الشهية التي لا تنقطع بيننا أبدا وأودعه لكي يذهب إلي عمله وأقبله وأقبل يده واطلب منه أن يردد دعاء معينا قبل الخروج‏,‏ فيردده ويخرج‏,‏ وأذهب أنا إلي عملي وارجع منه قبل أن يعود وانتظره في شوق‏..‏ وحين اسمع صوت المفتاح في باب الشقة احمد الله علي عودته سالما واستقبله كما يستقبل الأطفال الصغار آباءهم وأتهلل لرؤيته وأهلل وأرحب به وأسعد بما يحمله لي مهما كان صغيرا‏.‏ وبعد الغداء أعد له الشاي‏..‏ ونجلس سويا لنحتسيه وأطلب منه أن يحكي لي بالتفصيل الممل كل ما مر به خلال يومه‏,‏ واحكي له بدوري كل ما حدث لي خلال ساعات عملي واستقصي منه أخبار الرحلات التي تنظمها الشركة التي يعمل بها للعاملين‏..‏ وأسعد حين أعرف بنبأ رحلة جديدة‏,‏ واستعد لمصاحبته فيها‏..‏ فقد سافرنا معا إلي معظم المشاتي والمصايف في بلادنا في هذه الرحلات واخذني أكرمه الله معه لأداء فريضة الحج‏..‏ وبعدها بسنوات أخذني لأداء العمرة‏..‏

وفي يوم الاجازة نذهب في الشتاء إلي زيارة عائلية أو إلي نادي الشركة لنستمتع بأشعة الشمس وقد نتلاقي أحيانا خلال يوم العمل فأستأذن من عملي ويستأذن هو من عمله‏..‏ ونذهب إلي حديقة الحيوان التي نحبها ولنا فيها ذكريات جميلة‏..‏ ولابد في كل مرة من أن نجد ما يضحكنا سويا ونتندر به فيما بعد‏,‏ ونبدو خلال ذلك كطالب وطالبة قد زوغا من المحاضرات وتوجها للحديقة في موعد للحب‏.‏
أما في شهور الصيف وخاصة عند اشتداد الحر‏.‏ فقد كنا نخرج سويا كل مساء تقريبا لنستروح نسمات الليل ونذهب إلي حديقة عامة أو إلي نادي شركته أو إلي نقابتي ومعنا ترموث الشاي والراديو وسجادة الصلاة‏.‏ ونواصل الكلام الذي لا ينقطع حبله بيننا أبدا‏.‏

أما في عيد ميلاده الذي لا يتذكره أبدا‏..‏ فلقد كنت افاجئه بعد صلاة الفجر كل سنة بالتورتة والشمعة والهدية واضبط جهاز التسجيل علي أغنية أنا لك علي طول وهي أغنيتنا الخاصة منذ ليلة زفافنا‏..‏ فيفرح كثيرا بالمفاجأة ويسعد بها‏..‏ ونغني معا كالأطفال‏..‏ أهلا رمضان‏..‏ حين يجيء الشهر الفضيل‏..‏ ونغني أهلا بالعيد حين يأتي في موعده‏..‏ ويحضر زوجي البالونات ويعلقها في مدخل الشقة‏..‏ ونستخدم في أحاديثنا كلمات ومفردات خاصة بنا وحدنا لا يفهم ما ترمز إليه سوانا‏..‏ وأوقاتنا كلها نقضيها معا فلا يغيب احدنا عن الآخر إلا خلال ساعات العمل والنوم فقط وحياتنا مليئة بالمودة والرحمة
وفجأة بدأ لون عيني زوجي الحبيب يميل للاصفرار‏..‏ ودخلنا في متاهة طويلة من التحاليل والمناظير والأشعات وترددنا علي أكثر من مستشفي وبدأ حبيبي يعاني من آلام في البطن وارتفاع في درجة الحرارة‏,‏ وينقص وزنه بسرعة واجريت له جراحة استكشافية استغرقت‏5‏ ساعات انخلع قلبي طوالها وجاءت النتائج مفزعة‏..‏ فالحالة متأخرة ولا أمل في العلاج‏..‏ ومادت بي الأرض ورجوت الطبيب ألا يخبره بشيء وحجبت دموعي الغزيرة عنه لكيلا يشك في شيء وحزمت أمري‏..‏ فلتكن إذن مشيئة الله‏..‏ والاعمار بيده وحده‏..‏ ولكن المهم هو أن يحيا زوجي الحبيب أيامه الباقية في سعادة وسرور‏,‏ وحصلت علي اجازة من عملي وتفرغت تماما لمرافقة زوجي ورعايته والحديث معه‏..‏ والتخفيف عنه والاهتمام بأمره ودخلنا في دوامات كثيرة لا أريد ازعاج القراء بتفاصيلها‏..‏ وزوجي صابر لا يردد سوي عبارة الحمد لله ودعاء سيدنا أيوب‏:‏ رب اني مسني الضر وانت أرحم الراحمين ولا تفارقه الابتسامة وهو في أشد حالات الألم والمعاناة‏..‏ ولا يشكو‏..‏ ولا يعترض علي قضاء الله فيه ويصلي في سريره‏..‏ وإذا شعر بالضيق أو ارتفعت حرارته وضعته علي الكرسي المتحرك وخرجت به من الغرفة وتجولنا في الطرقات ونحن نغني مع
ا وازدادت حالته سوءا ونقل مرة أخري للعناية المركزة وطلب مني في أحد الأيام أن أعود للبيت لقضاء الليل فيه ورجوته أن يسمح لي بالبقاء إلي جواره فألح علي في ذلك فقبلت يده وطلبت منه أن يتماسك وودعته وعيني في عينه إلي أن غادرت الغرفة‏..‏ وفي الصباح الباكر رجعت إليه فوجدته قد لبي نداء ربه خلال الليل واستراح من الألم الرهيب الذي تحمله صابرا ستة شهور ومات زوجي وحبيبي وصديقي ومستشاري ومؤنس وحدتي ونصفي الحلو وماتت معه الفرحة والأمل وكل شيء‏.‏

ولقد مر الآن عام ونصف العام علي رحيله ومازلت أشعر كل يوم أنه اليوم الذي مات فيه حبيبي‏..‏ وهو معي في كل مكان‏..‏ وكل وقت في عملي وفي الشارع وفي البيت ولست اعترض علي قضاء الله‏,‏ وأعلم جيدا أن الموت حق لكني فقط أفتقد زوجي‏..‏ وأفتقد صوته وضحكته وابتسامته وصوت المفتاح حين كان يديره في باب الشقة عند عودته من عمله‏..‏ وأتوق لأن أصنع له الشاي وأعد الغداء وأخرج معه‏..‏ وأتأبط ذراعه‏..‏ واحكي له أو اسمع منه‏..‏ واعجب كيف ادخر الله لي معه كل هذا الحب قد تزوجنا في الأصل زواجا تقليديا‏..‏ ولم يكن احدنا يحب الآخر قبل الزواج‏.‏ لقد أديت له العمرة‏,‏ وأعتزم أن أحج عنه إن شاء الله وأهبه ثواب الفريضة ومن فضل ربي أخرجت له صدقة جارية‏,‏ وأزوره كل شهر‏,‏ وأتكلم معه حين أزوره وأتكلم معه في البيت‏,‏ وأكتب له كل يوم‏,‏ واشعر بأنه يزورني في البيت وترفرف روحه حولي فيه وسواء أكان هذا الاحساس خاطئا أو صحيحا فإنه يشعرني بالراحة ولن أقول لك انني لا آكل الطعام ولا أشرب الماء ولا أخرج من بيتي‏..‏ وإنما سأقول لك فقط انني حزينة حزنا لا يعلمه إلا الله وحده وكلما تذكرت أيام المرض أو موقفا له أو رن صوته في أذني اعتصرني الألم فلقد كنت استغني ب
ه عن كل شيء آخر في الحياة وأشعر بأن الله قد عوضني به عن الأبناء وأشعر باليتم الحقيقي بعد رحيله إذ ليست اليتيمة هي من مات أبوها أو أمها فقط وإنما من مات أيضا زوجها الحبيب الذي احبها واحبته واعزها واعزته وأكرمها وأكرمته واني لأرجو من كل زوجة أن تغتنم الفرصة قبل فوات الآوان وتتجاوز عن اية صغائر أو خلافات وألا تغضب زوجها لأي سبب من الأسباب‏,‏ لأنه ليس هناك شيء يعوضها عن فقدها لزوجها والزوج يا كل زوجة ـ هو عزك وفرحتك وسعادتك وسترك وملاذك وأمنك‏,‏ ولقد كنت افعل كل شيء من أجل زوجي‏..‏ فأتزين من أجله وأرتدي الحلي له‏,‏ وأحب كل شيء من أجله‏,‏ وأري الدنيا بعينيه وحين أغمضهما للمرة الأخيرة لم أعد أري شيئا انني أدعو الله كثيرا لزوجي واستغفره له واطلب له الرحمة لانه طيب القلب وقد أكرمني حيا وميتا‏..‏ كما أرجو أن يسامحني زوجي إذا كنت قد أغضبته ذات يوم أو اختلفت معه في شيء عابر مع اني كنت أسارع بالاعتذار إليه إذا حدث ذلك واسترضيه ولا أطيق أن يخاصمني وكان هو متسامحا إلي أقصي الحدود يرحمه الله‏.‏


ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏
كل أشكال الوحدة وفقدان الرفيق مؤلمة للإنسان‏,‏ لكن الوحدة الدافئة بذكريات السعادة والحب والأيام الجميلة أخف وطأة بعض الشيء من الوحدة الباردة الخالية من أي عزاء‏..‏ حتي عزاء الذكري كما أن رصيد السعادة القديم‏..‏ يزيد من قدرة المرء علي احتمال تصاريف القدر ويعينه علي تقبل ما لا مفر له من التسليم به من حقائق الحياة‏,‏ وأنت يا سيدتي تعايشين ذكريات زوجك كل لحظة وتشعرين بروحه ترفرف عليك وتؤنس وحدتك‏..‏ وتخفف عنك‏..‏ وتعينك علي احتمال الحياة‏,‏ فإذا كان قد غاب بجسمه عنك‏,‏ فانه حاضر كل لحظة في وجدانك وقلبك‏..‏ يثري بهذا الحضور الشفيف حياتك ويجعل لها معني وقيمة اضافية‏,‏ والاعزاء لا يموتون حين يرحلون عنا‏..‏ وإنما يموتون فقط حين ننساهم‏..‏ ومادمنا لا ننساهم فهم معنا‏..‏ وفي قلوبنا إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا‏.‏
ولقد توقفت أمام اشارتك إلي انك قد تزوجت زوجك الراحل زواجا تقليديا لم تسبقه قصة غرام ملتهب‏,‏ فكان زواجا سعيدا وموفقا ودافئا بالحب والعطاء المتبادل‏,‏ وتذكرت ما قرأته ذات يوم لأحد كبار أدبائنا الراحلين عن حياته الشخصية وكيف تزوج وهو الذي سطر آلاف الصفحات عن الحب زواجا تقليديا بعد طول تخبط في حياة العزوبة والوحدة‏,‏ فسخط علي ذلك في بداية الزواج‏..‏ وشكا من أقداره التي اضطرته للزواج التقليدي وهو من هو‏,‏ إلي أن رجع ذات يوم إلي الآية الكريمة التي تقول‏:‏ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون فتفكر فيها طويلا وتساءل بروح الباحث عن معاني الأشياء لماذا لم يقل الله سبحانه وتعالي وجعل بينكم حبا وهياما فتنبه إلي أن عاطفة الحب متقلبة ومتغيرة وقابلة للزوال‏.‏ وأن المودة والرحمة هما العاطفة الأبقي والأكثر دواما واتصالا‏..‏ فاكتشف في هذه اللحظة ما وصفه بحكمة الله الخافية عن العقول في الزواج وهو أن يبني علي الأسس القابلة للدوام‏,‏ والاستمرار وليس علي الأسس الواهنة المعرضة للانهيار وكتب قائلا أن من يشكون من تغير أحوال الحب بعد الزواج أو هموده واختلاف الحال عما كان عليه خلال الخطبة لو تأملوا حكمة الله قليلا لأدركوا أن الحب لم يخمد وإنما تحول إلي العاطفة الابقي‏,‏ ولو أنه بقي علي نفس طبيعته السابقة قبل الزواج‏..‏ لظل قابلا للتغير والزوال في أي مرحلة من العمر‏,‏ فهدأت نفسه واعتبر حياته الزوجية قائمة علي حكمة الله أي علي المودة والرحمة‏..‏ واستقبلها راضيا بها‏..‏ فسعد بزوجته وسعدت به ونجحت عشرتهما وطالت لما يقرب من ثلاثين عاما‏..‏ ورحلت زوجته عن الحياة قبله بعدة سنوات فودعها بالدمع السخين واحتفظ لها دائما بأجمل الذكري حتي لحق بها‏.‏

و ما تروين عن زوجك الراحل يا سيدتي يؤكد أن زواجكما كان أيضا مبنيا علي حكمة الله في الزواج وهي المودة والرحمة وليس فقط علي العاطفة المتأججة القابلة للتغير ولهذا فلقد أثمر ثماره الطيبة‏,‏ واستمتع كل منكما بعشرة صاحبه حتي فرق بينكما مفرق الجماعات كما أن وفاء زوجك لك واكتفاءه بك وعزوفه عن التخلي عنك أو الارتباط بغيرك جريا وراء أمل الانجاب قد عمق من روابطكما كثير فامتزجت حياتكما‏..‏ وتشابكت خيوطكما واعتبر كل منكما الآخر شريكه ورفيقه وعزاءه وتعويض السماء له عن الحرمان من الأبناء‏..‏ لهذا كانت معاناتك عقب رحيل زوجك شبيهه بما وصفه الأديب الكبير مصطفي الرافعي بأنه معاناة تحليل أجزاء روحين امتزجا بالحب العميق للفصل بينهما غير أنه من رحمة السماء بالبشر أننا نستطيع أن نواصل هذا الامتزاج الروحي بمن حب حتي ولو رحل عنا دون أن نضطر لمكابدة آلام الفصل القاسية هذه وهو ما تفعلينه الآن وتجدين فيه عزاءك عن رحيل نصفك الآخر‏..‏ فأما نصيحتك لكل زوجة بأن تغتنم الفرصة قبل فوات الآوان وتتجاوز عن الصغائر والخلافات‏,‏ لأنه ليس هناك ما سوف يعوضها عن فقدها لزوجها إذا فقدته‏..‏ فإنها نصيحة مخلصة‏..‏ صادرة من أعماق الألم‏..‏ وتستحق أن يتوقف أمامها كل شركاء الحياة رجالا ونساء ويتأملوها ويتفكروا في مراميها‏..‏ وشكرا لك علي رسالتك المعبرة‏..‏ وأرجو أن تأسو الأيام جراحك وتعوضك عمن فقدت خيرا والسلام‏.‏