هذا الحوار أجرى مع المتهم بقتل تلميذ الإسكندرية إسلام :

قبل ساعتين من بدء محاكمته فى قضية مقتل التلميذ «إسلام» فى الإسكندرية تحدث المدرس هيثم نبيل المتهم، تكلم للمرة الأولى.. لكنه قبل أن يفتح فمه بكلمة واحدة بكت عيناه لمدة نصف ساعة قائلاً: «مستقبلى ضاع.. والله العظيم لم أقصد قتله.. نفسى واحد يصدقنى يا ناس».. كما ردد: «حرام عليكم.. الإعلام ظلمنى كتير.. قتلنى بكل كلمة كتبت عنى».
* لماذا تبكى يا «هيثم».. أعرف أنك مدرس رياضيات؟
- يتوقف «هيثم» عن البكاء و قال بضحكة تحمل الألم: «مدرس!.. خلاص أنا لم أعد مدرسا.. أنا متهم فى جناية قتل.. أنا أصبحت وسط المجرمين.. تركت عالم التدريس والتلاميذ وأصبح عالمى هو المجرمون والسجن وقفص الاتهام والمحكمة وصفحات الحوادث والجرائم.. حتى لو المحكمة أصدرت حكماً بالبراءة.. فلن تعود الأيام إلى سابقتها».
* ضياع مستقبلك هو سبب بكائك ودموعك التى لم تتوقف أم أن هناك أسباباً أخرى؟
- مش مهم مستقبلى.. لأن المستقبل بيد الله.. المشكلة أننى أشعر بالألم.. قلبى يتقطع فى كل لحظة أشعر فيها بأنى تحولت إلى قاتل.. تحولت إلى مجرم تسبب فى وفاة طفل.. أبكى لأن الجميع ظلمنى ولم يقف إلى جوارى أحد.. أبكى لأنى شاب لم يتعد عمره ٢٤ عاماً.. وهو فى بداية مشوار حياته يصطدم بجريمة قتل وينقلونه إلى السجن وينتظر حكماً من المحكمة.. أنا أصغر من كل هذا أنت لا تعلم ماذا يحدث لى وأنا أجلس وحدى داخل السجن.
* قاطعته.. ماذا يحدث لك وأنت فى السجن.. هل تتعرض لمضايقات أو انتهاكات؟
- رد المدرس مسرعاً: لا.. لا مش كده.. أنا عندما أجلس وحدى بعد أن ينام المساجين فى العنبر أتذكر لحظة قيامى بضرب «إسلام» فى الفصل.. أبكى من شدة الحزن، أضرب رأسى فى الحائط.. أشد أطراف الـ«بطانية» ألقيها على الأرض من شدة الندم.. أقول لنفسى «كيف أفعل ذلك.. لماذا لم تقطع يدى وقدمى قبل أن أفعل ذلك؟».
* ولكن ألا تعتقد أن هذا قضاء وقدر؟
- هو ده اللى بحاول أفهمه للناس.. وده اللى المساجين بيقولوه لى عندما يشاهدوننى أبكى فى العنبر.. يقولون لى: «أنت مسلم ومؤمن بالله.. وده قدر ربنا.. الولد عمره توقف فى تلك اللحظة».
* هل يمكن أن تحكى وتصف لنا كيف وقع الحادث.. وكيف كانت حالتك وقتها؟
- اللى حصل إن أنا بشتغل مدرس رياضيات بمدرسة سعد عثمان الابتدائية التابعة لإدارة المنتزه التعليمية.. يوم الحادث كان عندى حصة فى الفصل اللى فيه «إسلام عمرو» وهو فصل (٥/١)، وأثناء قيامى بمراجعة الواجب اليومى للتلاميذ.. وجدت أن هناك حوالى ستة أو سبعة تلاميذ لم يقوموا بعمل الواجب المكلفين به، بينهم «إسلام»، طلبت منهم أن يقفوا على جانب الفصل وراجعت الواجب لباقى التلاميذ، وبعد الانتهاء منه بدأت فى معاقبة المقصرين وضربت كل واحد منهم مرتين على يده..
وجاء الدور على «إسلام» لضربه.. ضربته مرة «عصا» على يده وأثناء ضربه بالعصا للمرة الثانية أغلق التلميذ يده فضربته بالرجل فى جسمه.. ومش عارف هى الضربة «جتله فين».. وبعدها أمرته بالعودة إلى مكانه مرة ثانية.. وبعدها بدقائق وجدت التلاميذ بيقولوا لى «إلحق إسلام» اقتربت منه لقيته راح واقع على الأرض.. أسرعت بإحضار مياه له، ولكنى رجعت إليه وجدته لا يتحرك ولا يتكلم.. حملته وأخذته إلى الحكيمة الموجودة فى المدرسة، ولكنها وجدته لا يعطى أى استجابة.
* وهل دورك توقف عند تسليمه إلى الحكيمة الموجودة فى المدرسة؟
- لا.. أنا أخذته بعدها وتوجهت إلى مركز طبى قريب من المدرسة، ولكن الطبيب قال إنه لازم يروح مستشفى شرق المدينة، وفعلاً أخذته إلى المستشفى، وهناك كشفوا عليه فى الغرفة وأنا كنت موجود خارجها.. وبعدها فوجئت بأنهم نقلوه إلى غرفة العناية المركزة وطلب منى الطبيب أن أترك المستشفى بعد أن أفهمته القصة كاملة، وقال لى إحنا أبلغنا أسرته وهم فى الطريق.. ولازم تمشى الآن علشان ميحصلش مشاكل.. وفعلاً تركت المدرسة وعدت إلى منزلى.
* هل كان التلميذ قد مات قبل أن تعود إلى المنزل؟
- لا.. بس حالته كانت غير مطمئنة.. وأنا عرفت ده من كلام الطبيب.
* وكيف كانت حالتك فى تلك الساعة؟
- كنت حاسس أننى فى حلم.. وأننى سأستيقظ منه بعد دقائق، ولكن الحلم طال.. وفوجئت بأنه حقيقة.. كنت أعتقد أن الولد هيتعب شوية وبعدين هيفوق.. وبعدها بـ٥ ساعات عرفت أن الولد توفى وأنا رحت للقسم علشان أقولهم على كل شىء كما حدث.
* بالتأكيد سألك وكيل النيابة فى التحقيقات عن ضرب التلاميذ.. وعما إذا كانت المدرسة تنتهج هذا الأسلوب مع التلاميذ من عدمه.. ولأنك تخشى على ما تبقى لك من مستقبل.. أجبت بأن الضرب ممنوع؟
- أنا قلت لك إن المستقبل خلاص راح.. فعلاً سألنى وكيل النيابة.. وأجبت عليه بأن كل المدارس بتضرب التلاميذ علشان تعلمهم.. أكيد مش هنضربهم علشان عاوزين حاجة منهم ذى ما انتوا بتقولوا «علشان دروس خصوصية أو غيره».. صحيح الضرب غير مسموح به، ولكنى لا أريد أن نضحك على بعضنا البعض.. هو الطريقة الموجودة حالياً لتعليم التلاميذ.
* تقصد أنك كنت تضرب إسلام علشان مصلحته؟
- والله العظيم.. هو ده اللى حصل.. أنا لا أعطى دروساً خصوصية.. وأنا حاصل على دبلومة فى الرياضيات.. فلماذا أضربه إلا إذا كنت أريد أن أصنع منه رجلاً.. ضربته وزملاءه لأعلمهم.. علشان الولد ينجح ويدخل كلية وينفع نفسه وأهله وأولاده فى المستقبل.. ألن تحزن أسرته إذا رسب ابنهم وأصبح عاطلاً.. كل العلماء والكبار واسأل أى إنسان فى مصر قل له «إنت انضربت فى المدرسة ولا.. لا؟».. كاذب من يقول «لا».
* أعترف لك بأن الضرب قد يأتى بنتائج إيجابية.. ولكن ليس الضرب حتى الموت؟
- ومين قال إننى كنت بضربه حتى يموت.. يا أستاذ والله العظيم أنا لم أقصد - أكيد أنا مش عاوز مستقبلى يضيع.. أكيد مش عايز أروح السجن وأقف فى هذا الموقف.. والله ده قدر ربنا.
* أنت لم تتزوج بعد.. ولكن يمكنك أن تضع نفسك مكان أسرة التلميذ الضحية؟
- أنا مش زعلان منهم.. وكل اللى بيعملوه حقهم.. ده ابنهم وجزء من أجسادهم، أى إنسان هيعمل كده وأكتر كمان.. ربنا يصبرهم ويعوضهم خيراً منه.
* أكثر من ألف شخص ينتظرونك داخل قاعة المحكمة.. وسائل الإعلام.. وأناس عاديون يريدون متابعة قضيتك؟
- المدرس مقاطعاً: انتو اللى عملتوا فى كده.. حولتوها لقضية رأى عام.. قلبتوا الدنيا علىّ.. رغم إن هناك المئات مثل تلك القضايا.
* أنت تعترف بتفاصيل جريمتك.. وأعرف أنك مدرس رياضيات.. وبالتأكيد تجيد الحسابات.. ألم تفكر أو تحسبها بأن اعترافك قد يدينك فى القضية؟
- أنا بقول اللى حصل.. وليس لدى «دماغ» الآن لأن أفكر أو أحسبها، وبعدين أنا خلاص لم أعد أستطع حتى أعرف جدول الضرب.. أنا فى حالة لا يعلم بها إلا الله.. وبعدين الحقيقة هى أول طريق للنجاة.. والمكتوب عليا هشوفه وأنا راضى بقضاء الله.
قبل أن يكمل المدرس كلامه.. كانت الجلسة قد استعدت لبدأ نظر القضية.. وخرج المدرس على الجماهير التى تنتظره فى قاعة المحكمة.. وأودعه الحرس قفص الاتهام- وتهافت المصورون عليه لالتقاط صوره.. جلس المدرس ووضع رأسه فى الحائط لم يرفعها لمرة واحدة، إلا عندما نادى الحاجب على قضية.. وقف المدرس يرد على أسئلة القاضى.. يبكى بشدة أمام الجميع.. ويقسم بالله أنه لم يقصد قتل «إسلام».. يعترف بالجريمة ولكن دون قصد.