الموضوع: لماذا يظلم الإسلام المرأة ؟!

بدا وكأنها تبحث عن معنى حائر، ثمة ارتباك يلفها وهي تحاول انتقاء اللفظ المناسب قبل أن تقول بتردد: "لطالما سمعت أنَّ الإسلام يحترم المرأة، أخبروني كثيرًا أنَّ هذا الدين كرمها وأعلى من شأنها، ولكن ..".

لفها الصمت المتردد مرة أخرى قبل أن تستجمع بعضًا من الشجاعة لتقول في هدوء هو للصراخ أقرب: "ولكن ما معنى أن تلبي المرأة أمر زوجها متى ما شاء، في الدين يقولون أنَّ النبي أمرنا بأن نكون تحت أمر الزوج حينما يأمر، حتى وإن لم تكن لدينا رغبة أو قابلية للعطاء!، هل حقاً نحن بهذا الهوان؟!".



صمتت محدثتي عن كلامها، وبعض الصمت لو تدري كلام!.


كلام يجري في أفئدة تلفها حيرة الإيمان الغامض، والاعتقاد المُلقن، والفهم المشوه المنقوص.


وآه لو تدري حواء أي جريمة تلك التي ارتكبناها نحن الرجال في حقهن باسم الدين، جريمة عليها ألف شاهد ودليل، بيد أن القضية دائماً ما تُحفظ ضد مجهول.


ودعونا نبدأ القصة من أولها .. منذ اليوم الأول لمبعث الهادي محمد صلى الله عليه وسلم .


يومها قرر الرجل أن يعيد صياغة الواقع وفق معايير أخرى، معايير تقوم على تقوية جانب الضمير في نفوس الناس.


جاء في عالم تحتل المرأة فيه أدنى قيمة، يتم توريثها كدرهم أو دينار في خزانة أحدهم، كانت الهوة كبيرة جداً بين واقع هو الحضيض وبين ما يرجوه ويأمله.


بدا الرجل مشواره من خلال إعلانه عن رسالته، إذ قال في خطابه الأول "يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئتِ لا أغني عنك من الله شيئا".


ورغم حساسية الموقف يومئذ، إلا أن المرأة كانت حاضرة، وكأنه ميثاق معلن بأن المرحلة القادمة تحتل فيها المرأة شأناً عظيما.


في بيئة كانت النساء عورة ـ بمعناها الحرفي ـ كان محمد يقف ليستقبل ابنته فاطمة إذ تدخل عليه، ويتحدث عن الراحلة خديجة في كل محفل مقراً بفضلها، ولا يجد ثمة غضاضة أن يعترف بحبه لعائشة أمام الناس.


وذات يوم جائني محمد صلى الله عليه وسلم ليحدثني ـ أنا الرجل ـ جاء بوجه جاد، منبها ومشدداً ومحذراً أن أترك عيني لتلتهم النساء في الطرقات، حذرني أن النظرة هي مدخل الخطيئة، ثم نصحني أن إذا ما رأيت ما قد يثير في داخلي ثمة شهوة أو إغواء أن أن أحترم عهد المودة وميثاق الشرف الزوجي، أن أعود لمن أحبتني فسأجد لديها ما يشفي ظمأ الجسد والروح.


هذا هو الفصل الأول الذي لم نخبرك به عزيزتي، اقتطعناه ونحن نحكي لكِ المشهد الثاني، مشهد مجيئه إليك ـ عليه السلام ـ طالباً منكِ أن تطيعي رجلك إذا ما أقبل مشتاقاً، وألا تردي له طلبه حتى وإن كنت على التنور.


والتنور هو ذلك الموقد الذي يأخذ وقتاً غير هين لإشعاله، اختاره ليضرب لكِ فيه مثالاً، كي يؤكد لكِ بإن انطفاء نار التنور أهون بكثير من شرر نار الرغبة!.


لم نخبرك بكامل الرواية لأنها في غير صالحنا، وفوق هذا ذهبنا نخوفك من وعيد الله لكِ وتنمره ـ حاشاه ـ من مخالفتك لنا.


في شريعة محمد أن النساء قوارير، لديهن من الرقة ما يجعل كسرهن ثلمة في إيمان الرجل ومعرة في رجولته، هكذا قالها بلا مواربة، ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم.


وكم من لئيم بيننا بيد أن لؤمه مصبوغ ببريق الدين.


مشكلة الإسلام ـ إن صح القول ـ أنه منهج قائم في كليته على يقظة الضمير، وانتباه الوعي، وحينما نستحضر آيات الزواج والطلاق سنفاجأ بأن جلها تتحدث عن هذا، عن الضمير ولا شيء غيره.


المعاشرة بالمعروف أو الفراق بالمعروف، عن السراح الجميل حينما تستحيل العِشرة، عن الإحسان ونحن نغلق صفحة ماضية، كلها أشياء لا يمكن إثباتها بقانون، لكنها تحتاج لرجولة حقيقية، وقدرة على الإيثار والعفو واحتساب الأجر عند التضحية.


الدين يقول بأن الرجل قوام على زوجته، وهذا شيء بديهي، ما وجه الاستنكار حينما يكون لمؤسسة الزواج قائد يدير الدفة ويقود المنظومة، لكن الأمر كذلك متعلق بالضمير، ما ذنب الإسلام إذا كان رجالنا لا يعرفون عن القيادة إلا وجهها العفن وروحها المتسلطة المتجبرة، كان محمداً نموذجاً حقيقياً للقيادة، لم يثبت عنه أنه ضرب امرأة قط، ولم يصلنا أنه تسلط في رأي، مما حدا ببعض أصحابه للقول " ما حدثته زوجته بشيء إلا طاوعها عليه"، كان هيناً ليناً خفيف الروح مبتسم الوجه قائماً على شأن أسرته يساعد أهل بيته في أمور الحياة بلا تحفظ أو خجل.


كان يفعل هذا وينقله للناس، كي يحطم أصنام الذكورة القابعة في أذهاننا منذ قدم التاريخ.


بدأ النبي مشوار تحرير المرأة من رق الاستعباد الذكوري ووضعها على أول الطريق، تحمل كثيراً من أجل هذا، لكن ما ذنبه إن كان ورثته مهازيل، ما ذنبه وقد استيقظت فيهم نوازع الجاهلية فسخروا كل شيء من أجل إرجاع المرأة إلى نقطة الصفر أو دون ذلك.


في لحظات موته كانت السكرة شديدة، حمى تعصف بجسده الطاهر، كان الصحابة حوله يجلسون وفي نفس كل واحد منهم عشرات الأسئلة.


تُرى أهي لحظة النهاية؟، ألن يسمي النبي خليفة قبل أن يرحل؟، ماذا نفعل في جيش أسامة بن زيد المتجهز خارج أسوار المدينة؟، ما نصيحته إذن كي نحافظ على الدولة الناشئة؟.


تمتم الرجل الضعيف بشفتيه فشعر كل واحد منهم بأن الاجابة على سؤال أو أكثر مما يدور في خلده باتت قريبة.


اقتربوا منه جميعاً كي يتبينوا ما الذي يقوله الرجل المحتضر .


وكانت المفاجأة التي صدرها الرجل العظيم إليهم قبل أن يلفظ أنفاسه الأخير .. لم يجب الرجل على أي سؤال متوقع ..


كل ما قاله قبل أن يفارق الحياة جملة واحدة: "أوصيكم بالنساء خيرا".. لكننا لم نفعل!




منـقــــــــــــــــــول للفائدة للكاتب - كريم الشاذلى -