الزمن: يوم الإثنين الموافق 27-4-2009....الساعة 5:39 دقيقة
المكان: الطريق الدائري في الإتجاه من القطامية للمعادي....أمام أبراج سما

يوماً مثل باقي الأيام....لا إختلاف فيه سوى انني قررت أن أستأذن من الشغل بدري 40 دقيقة (يعني أنزل علي 5:20 بدل 6:00) حتى أقابل صديقي علي تقاطع الدائري مع الأوتوستراد لنذهب سوياً إلى مركز لسمكرة ودهان السيارات...حتى أقوم بعلاج ما أصاب سياراتي من خدوش و سحجات و بهتان في اللون....!!!

قبل أن أتحرك بخمسة دقائق...وصلتني رسالة منه على الموبايل بيقوللي إنزل كمان 15 دقيقة عشان انا لسه متحرك من حلوان...قلت ماشي....عدت 10 دقائق لاقيت نفسي زهقت...قولت أنزل و خلاص أستناه هناك مش مشكلة....

بدأت التحرك الساعة 5:32 بالظبط من التجمع الخامس...و الدنيا كانت طبيعية جداً و زي كل يوم....تخطيت عدد من السيارات الملاكي و الميكروباص و التريللا المحملة بأسياخ الحديد التي لم أكن أتخيل للحظة انها ستكون سبب الكارثة التي ستحدث بعد لحظات
على مرمي البصر وجدت الطريق متوقف علي غير العادة في تلك المنطقة و هي الواقعة أمام أبراج سما...حيث ان هذه المنطقة دائما سالكة و نادراً ما تتوقف....قمت بدوري بتهدئة السرعة و إتخاذ أقصي شمال الطريق بجانب السور الأسمنتي...و ده دايما إجراء وقائي باخده لما الطريق بيبقى متوقف....

وصلت السرعة ل 30 – 20 -10 و كنت باضحك و انا في العربية علي المذيعين بتوع نجوم إف إم مش فاكر على إيه بالظبط....و قبل ان أتوقف تماماً....و في جزء من الثانية و بدون أي صوت فرامل أو أي شئ....رأيت في المرايا الخلفية شئ يتحرك بسرعة رهيبة....لم أجد الوقت لأستوعب ماهية هذا الشئ حتي وجدت نفسي أسمع صوت إرتطام عنيف بسياراتي و أندفع بشدة للأمام....و ما هو إلا جزء أخر من الثانية لأجد إرتطام أخر في الجانب الأيمن يوقف إندفاعي و يحول السور الجانبي دون إنقلابي أو ذهابي للإتجاه المعاكس....و في هذه الأثناء التي لم تتعد حدود الثانية الواحدة سمعت أصوات إنفجارات مكتومة متتالية حولي....

بعد ان توقف كل شئ... تحسست نفسي لأري ان كنت أحلم أو انه واقع... وجدت الكاسيت و الجزء البلاستيكي حوله على رجلي...و بعض الزجاج المتناثر هنا و هناك...أغلقت محرك السيارة...نزلت بصعوبة من السيارة نظراً لضيق المسافة بيني و بين الحاجز الأسمنتي لأجد منظراً لم أشهاده في حياتي قط!

صمت رهيب خيم علي المكان لمدة 10 ثواني بعد وقوع الحادث...و كأنها أرواح الموتي تحلق في المكان...أحداً لم ينطق بكلمة أو يفعل شيئاً...فقط صمت و ذهول تام....نظرت يميني لأجد ثلاث جثث علي الأرض واقعين بالكراسي بتاعتهم من الميكروباص...و امامي لأجد حوالي 4 سيارات لا تحمل أيه ملامح و بداخلها أشخاص ....و علي بعد 15 متر....تريللا محملة بحديد التسليح في حضن أوتوبيس رحلات من الخلف بعرض الطريق.... بجانب 3 اوتوبيسات أخري و عدد لم أستطيع أحصره من السيارات الملاكي الأخري....كلها في حالة يرثي لها...

ما ان إنتهت ال 10 ثواني الأولي....حتى بدأت أصوات الصراخ و العويل و الولولة تعلوا شيئاً فشيئاً...من الرجال و السيدات على حد سواء....حطيت إيدي على راسي غير مُصدق المشهد...و نظرت للسماء شاكراً ربي على نجاتي...

في غضون 30 ثانية أخري حتي أصبح الطريق عبارة عن إستاد القاهرة أثناء إحدى مباريات الأهلي و الزمالك....جمع غفير من الناس بدأوا في التجمهر و المساعدة في إنتشال الضحايا من السيارات المنكوبة....كنت هاطلع الموبايل أتصل بالنجدة...لكن الحمد لله ...لم تمضي دقائق معدودة حتي جاءت سيارات الإسعاف البرتقالي و بكثرة....

تجمع الناس حول التويوتا كورولا الزيتي و السيارة الفضية التي كانت خلفها (لم أعرف أنها أوبترا إلا من الصور بعدها بيوم) محاولة منهم لفتح مخرج للضحايا...و لكن هيهات....أكثر من ربع ساعة يحاولون إزاحة أجزاء من الصاج بأيديهم العارية...إلي ان أخرجوهم جثث هامدة...كنت ألاحظ هذا المنظر من بعيد...لاني مقدرتش أقرب و أشوف المناظر اللي جوه....تخيلوا...رفرف الأوبترا كان جوه مقصورة التويوتا!!!....

اما التريللا...و التي كانت تحتضن مؤخرة الأوتوبيس (كان يقل عاملات بمصنع للغزل و النسيج لم يتعد عمرهم ال22 عام و توفيت بنت عمرها 14 سنة منهم)....حاول الناس إخراج سائقها المتسبب في هذه المأساة....و لكن صدقونى....فشلت جميع المحاولات لإخراجة و لمدة 45 دقيقة كاملة...إلا بعد ان فصلوها عن الاوتوبيس...و تم نقله في سيارة إسعاف بمصاحبة رجال الشرطة...كنت اتوقع انه قد لقي مصرعه...لكني فوجئت بوسائل الإعلام بتقول انه عايش و في المستشفي و تحت حراسة مشددة!

أخذت اتجول بموقع الحادث...محاولاً إحصاء عدد السيارات و الضحايا...وجدتني أسير علي جزم و شباشب و نظارات...و قطع خردة من جميع السيارات....هذا رفرف اللادا على بُعد 15 متر منها...و هذا برابريز البيجو في الجانب الأخر من الطريق....و كأن قنبلة كانت في وسط هذا المكان....تخيلوا ان التريللا بسرعتها و ثقل وزنها البالغ 30 طن...خلفت مساحة حوالي 10 *20 متر فاضية تماماً في المكان الذي كان مكدساً بالسيارات عن أخره....

طبعاً جاء عدد كبير جداً من رجال المرور و الشرطة...و كان منهم ظابط داير علي العربيات بيكتب نمرهم...و أخد نمرة العربية بإعتبارها مصابة في الحادث....و سألت أخد صورة من المحضر اللي هايتعمل منين؟ قالي بكره من قسم البساتين...(إكتشفت تاني يوم ان لا عربيتي ولا نص العربيات اللي كانت في الحادث إتسجلوا في المحضر...فقط أكثر السيارات إصابة!)

جه لودر بعد كده و قام بإزاحة بعض السيارات علي جانب الطريق...لإعادة الحركة....و لما لاقيت سكة إني اطلع...و ان مافيش حاجة هاقدر أقدمها...أخذت بعضي و مشيت...الحمد لله العربية كانت ماشية...

كانت من أصعب التجارب اللي مريت بيها في حياتي...شوفت حوادث كثير بتحصل قدامي...شوفت صور حوادث كثير...سمعت عن حوادث كتير...لكن لم تؤثر في حادث مثل هذه...لكنها زادت من إيماني و ثقتي بربنا أكتر و أكتر...

ساعات كنت بخاف من المستقبل...أخاف من الماديات...و انواع تانية من الخوف....لكن بعد الحادثة دي...أخاف ليه و إلهي موجود و هايحميني؟ أخاف ليه و هو حاطت عينه عليا؟ ده انقذني من موت محقق...مش هاينقذني من شوية حاجات تافهة من اللي بخاف منها؟

ربنا أراد إني انزل في الوقت ده بالذات....و ينقذني من اللي حصل علشان يوصللي الرسالة دي....ممكن تكون التجربة قاسية شوية...لكن إتعلمت منها كتير قوي...ساعات كتير ربنا بيستخدم وسائل صعبة علينا شوية علشان يفكرنا انه موجود و علشان يقوللنا انا أقوي من كل المشاكل االي انتم خايفين منها...و لأن أوقات كتير بننغمس في الحياة زيادة عن اللزوم و ننساه...

الحادثة دي خلتني أعرف معني ان الفاصل بين الموت و الحياة مجرد جزء من الثانية و مترين فقط!!!الموت ليس ببعيد عنا...بل هو قريب جداً جدأ...و السؤال...هل إحنا مُستعدين له؟

الحمد لله انه نجاني من هذه الكارثة المروعة بحق...و ربنا يحفظ جميع طرقكم و خطواتكم و ينجيكم من كل شر...

نادر نبيل