قال الشيخ على الطنطاوي:كنتُ سنة (1931) ُأدرِّس في مدرسة ابتدائية في الشام، وكنت في فورة شبابي، في رأسي خواطر، وفي نفسي غرور، وعلى لساني بيان واندفاع، فعرضت لي شكوك في مسألة القدر، كنت أسأل عنها العلماء، فلا أجد عندهم الجواب الشافي لهـا، فيدفعني الغرور إلى جدالهم وإزعاجهم.

حتى جاء يوم كنت فيه في المدرسة، وكنت أؤدب تلميذا بالضرب، ( وكان الضرب من وسائل التأديب في تلك الأيام )، ففجَر الولد وتوقح، وجعل يصرخ ويقول: (( هذا ظلم.. أنت ظالم ))!!

ثـقوا أيها القراء، أني لما سمعت ذلك سقطتْ العصا من يدي، ونسيتُ الولد والمدرسة، ورأيت كأني كنت في ظلمة فأضيء لي مصباح منير، فقلت في نفسي: إن التلميذ يرى ضربي إياه ظلمًا، وأنا أراه عدلا. والعمل واحد، وإذا ذهب يشكو إلى أهله قالوا له: لا ما هذا ظلم، هذا عدل، إنه يضربك لمصلحتك. فإذا كان التلميذ لا يحق أن يطبق مقاييسه الناقصة على عدالة المعلم. فكيف أطبق أنا مقاييسي البشرية على عدالة الله.

ألا يمكن أن يكون الفعل الذي أراه ظلمًا هو عين العدل؟ الولد المريض يرى الإبرة التي يدخلها الطبيب تحت جلده ظلمًا، وهي في رأي أبيه عدل كل العدل، لأن الولد نظر إلى ألمها، والأب أبصر أثرها في شفاء الولد.




صــ135ــــ ، من كتاب: تعريف عام بدين الإسلام، الطبعة الرابعة عشر، دار الوفاء.