النهاردة الصبح وانا نازل من بيتنا بقول يا هادى وطالع اسرح على اكل عيشى، واثناء خروجى من الشارع العمومى الى الطريق الدائرى-رفيق كفاحى المشاكس الذى اشعر ان نهايتى ستكون على اسفلته يوما ما- كان امامى احد تلك الكائنات الخضراء العملاقة التابعة لهيئة النقل العام، ومقتربين من احد المطبات الصناعية احتفظ العملاق الأخضر بموقعه المميز على يسار الطريق توطئة للدخول الى الصينية على الطريق الدائرى، فى حين احتفظت انا باليمين متاخرا قليلا عن الوحش الاخضر تحسبا لاى حركة ندالة اعتدت حدوث مثلها من سائقى تلك الغيلان الخضراء

غير ان حركة الندالة هذة المرة لم تأت من سائق الكائن الأخضر وانما اتت من مؤخره الكائن، اذ فجأه وبدون ادنى انذار ، واثناء تهدئة الكائن الاخضر لسرعته لعبور المطب الصناعى، انقذف من بابه الخلفى جوال ابيض اللون من تلك الاجولة المصنوعة من خيوط البلاستيك والمستعملة لتعبئة الأرز ، وحجمه يماثل حجم قامة رجل متوسط ليسقط امام سيارتى مباشرة على بعد اقل من 5 امتار، بالطبع فان قدمى ماتت على الفرامل وزحفت السيارة للأمام واثارت الغبار وصرخت عجلاتها على الاسفلت لتجذب انظار جميع المارة ولأصبح مادة للفرجة الصباحية لكل الذاهبين الى اعمالهم ممن يمرون بغزارة فى هذا التقاطع الهام فى ذلك التوقيت الصباحى، و اعتقد ان ارادة الله وحدها هى التى شائت ان اكون فى هذة اللحظة رائق البال اكتب لكم هذا الموضوع بدلا من ان يكون موضوعى الحالى مطروحا فى ساحة الورشة للسوال عن تكلفة ربع امامى للنيسان صنى ، حيث ان كل الظواهر كانت تشير الى ان هذا الجوال سيكون فريسة-او صيادا يعلم الله وحده ايهما-لسيارتى فى اللحظة التالية ، غير ان اراده الله شاءت ان تتوقف السيارة قبل 10 سنتيمترات فقط من الجوال ، حدث هذا فى خلال ثانيتن تقريبا، اثناءهما كانت هناك كتلة اخرى قد انقذفت من مؤخرة الأوتوبيس، متمثلة فى صاحب الجوال، وهو-استنتاجا من هيئته وملبسه- احد هؤلاء الذين يجيدون احدى الحرف المتعلقة بمجال البناء جاء بها من بلدته لكى يكتسب رزقه من العمل فى اعمال البناء فى القاهرة الجديدة

اما اللحظة التالية فكانت هى القشة التى قصمت ظهر البعير بالنسبة لى، حيث ان صاحب الجوال-دون ادنى شعور بانه كاد يتسبب فى كارثة منذ عدة ثوانى، وغير مبال بكل نظرات المارة الفضولية التى لو كان كل منها دبوسا لتحول الرجل الى غربال فى ثوانى-انحنى ليلتقط جواله بمنتهى البراءة ، ناظرا لى بابتسامة تشبه تلك الابتسامات الصفراء التى كنا نراها على وجوه شخصيات مجلة ميكى جينما يرتكب ايا منهم مصيبة ويريد تبريرها ،ثم بعد ان حمل جواله على ظهره استدار منصرفا واشار لى بيده الحره -محتفظا بابتسامته اللزجة- فيما معناه :لا-مؤاخدة-يا-باشا

هنا كان الكيل قد طفح بى فاطلقت عقيرتى مشنفا اذانه بما تيسر من قاع القاموس، غير ان ابتسامته البلهاء لم تتغير وانصرف وكأن الامر لا يعنيه اصلا

الامر كله لم يتعد الثلاثين ثانية من اول(مقتربين من احد المطبات الصناعية) وحتى(وانصرف وكأن الامر لا يعنيه اصلا) ، غير ان هذة الثوانى كادت تغير مجرى حياتى لعدة شهور قادمة، لكن ما يكاد يطير عقلى هو هذا الحد من البلاهة التى تصل للجنون التى تدفع شخصل للالقاء بجوال من الواضح تماما انه محمل بمعدات بناء حديدية فى مجرى طريق مزدحم بهذة البساطة


فعلا كلما ظننت ان عقل الانسان المصرى قد توقف على الابداع فانه يثبت لى دائما ان لديه المزيد، ولكن الملفت للنظر ان هذا الإبداع لا يظهر ولا تتجلى ملكاته الا فى ساحة التخلف العقلى