انتشرت السيارات اليابانية فى الأونة الأخيرة,و قد بدأ الناس ينسون كيف كانت السيارات اليابانية منذ أن ظهرت, و كيف كانوا يسخرون من محركاتها الصغيرة الطنانة, و مقصورتها المصنوعة من مواد غير أصلية, و ضعف بنيتها التى لا تكاد تتحمل بالوعة مجارى فى غير مكانها.
الأن قلل اليابانيون من طنين محركاتهم(لازالت بها بعض الطنين أيضا) , و أصبحوا يستخدمون موادا أكثر جودة فى مقصوراتهم(و لكنها لازالت غير أصلية) فبدأ المستهلكين ينسون ما كان, و لأنى أكره النسيان, فأنا هنا لأذكرهم....
بدأت صناعة السيارات فى اليابان قبل الحرب العالمية الثانية, و لم يكن هناك سوى شركة واحدة و هى دايهاتسو و كانت سيارات سيئة و مضحكة للغاية.
و بعد الحرب ظلت السيارات اليابانية كما هى بلا تطوير, مجرد علب تتحرك و فقط.
و لكن فى السبعينات حدث الانفجار, و هو ياللعجب انفجار أمريكى التخطيط, و اسمه تويوتا كورونا.
كانت تويوتا كورونا هى السيارة التى قدمت اليابانيات الى الشعب الأمريكى, ساعد على ذلك أزمة البترول و ارتفاع أسعاره الى مستويات قياسية التى أقنعت الأمريكيين بالتخلى مؤقتا عن المحركات الكبيرة الجائعة و النظر الى محركات اليابانيات الطنانة و لو انها ضعيفة و سيئة الصنع الا انها ايضا لا تكلف الكثير.
و قد توافق ذلك مع هوى الحكومة الأمريكية , كيف؟
نعرف أن الاقتصاد الأمريكى المفتوح يعتمد على المنافسة فى المقام الأول, هذه المنافسة هى التى تجعل الشركات تحسن من خدماتها و تقلل من أسعارها و هى التى تحفظ للاقتصاد الأمريكى قوته و رونقه, و لكن فى بعض الأحيان تكون هذه المنافسة مدمرة للاقتصاد , لاسيما اذا كان القطاع الذى تتنافس فيه الشركات الأمريكية لا تتفوق فيه بصورة كبيرة, و هنا كانت المعضلة.
فالسيارات الأمريكية لا يمكنها أن تصمد أمام السيارات الأوروبية المبتكرة و الجذابة و اذا صمدت فانها ستضعف كثيرا, خاصة مع أزمة البترول التى سوف ترجح كفة السيارات الأوروبية قليلة الاستهلاك, فمثلا, كيف ستصمد فورد أمام شركة مثل فيات بسياراتها المبتكرة و المفعمة بالجاذبية و أدائها المقنع, أو أمام سيارة مثل بيجو باعتماديتها المعهودة, أو كيف ستصمد كاديلاك مثلا أمام مرسيدس بجودة مكونتها و فخامتها و كفاءة محركاتها, أو ألفاروميو بنفسها الرياضى المتصاعد , أو بى ام فى, و غيرها.
لذا فقد كان الحل هو باخراج هذه الشركات من السوق الأمريكية تماما مثلما حدث مع فيات و بيجو و ألفاروميو, أو باضعافها عن طريق فرض جمارك باهظة يصعد بأسعارها الى حدود لا منطقية, و هو ماحدث مع مرسيدس و بى أم فى.
و هنا تبرز مشكلة أخرى , اذا خلت السوق الأمريكية للمصنعين المحليين,فسوف يؤدى هذا الى نتيجة عكسية تماما, اذ سوف يبادر المصنعون برفع أسعارهم و سوف يهملون التطوير و تقل العناية بالجودة و هذه هى النتيجة الحتمية لعدم وجود منافسة, مما سوف يأتى على حساب المستهلك الأمريكى, هذا من ناحية , و من ناحية أخرى سوف تقل جودة السيارات الأمريكية تدريجيا مما سوف يضعف قدرتها التنافسية خارج حدود الولايات المتحدة.

ما الحل اذا؟؟ لعلك خمنت, الحل هو ادخال سيارات منخفضة الجودة و السعر, تنافس السيارات الأمريكية و لكن على أساس السعر فقط, مما سوف يتيح للمستهلك الأمريكى خيارين, اما سيارة منخفضة الجودة و السعر , أو سيارة مرتفعة الجودة و السعر, و الخيار الاول طبعا تمثله السيارات اليابانية و الخيار الثانى , السيارات الامريكية.
و كان هذا هو الحل السحرى , لأن وجود سيارات منافسة منخفضة السعر, سوف يجبر المصنعين الأمريكيين على تحسين عوامل الجودة فى سياراتهم , لتبرير عملية شراء السيارة , و من ناحية أخرى , سوف يجبر الصانعين الأمريكيين على خفض أسعارهم قدر الامكان حتى لا يفقدون المنافسة تماما. و الأهم من ذلك أن هذه السيارات تأتى من دولة مثل اليابان و هى التى أضحت بعد الحرب العالمية الثانية مجرد امتداد اقتصادى للولايات المتحدة , و هى دولة بلا ثقل سياسى و لا قرار مستقل, و لا تسيطر على مواردها( الولايات المتحدة هى التى تحمى مصادر النفط التى تعتمد عليها اليابان بشكل كبير مثل الشرق الأوسط) لذا فانه بالامكان تأديبها اذا ما خرجت عن نص الخطة المرسومة.
و هكذا خرجت فيات من السوق الأمريكية عام 1982 و تبعتها بيجو, و تقلص وجود مرسيدس و بى ام فى كثيرا و أضحوا سيارات للمترفين فقط, و حلت محلهما تويوتا و هوندا و سوبارو و أشياء من هذا القبيل.
و لقد نجح اليابانيون فى المهمة الموكلة اليهم, فصنعوا سيارات منخفضة الجودة, و منخفضة السعر لكنها تبدو من الخارج و كأنها عكس ذلك, و مارسوا مجموعة من الخدع الشهيرة فى سياراتهم لكى تبدو للمستهلك أفضل مما هى عليه , ذلك المسكين الذى سرعان ما يكتشف الخديعة, لكن بعد فوات الأوان.
و قد ضربت الولايات المتحدة بذلك عصفورين بحجر واحد, بل قل ثلاثة عصافير, و لكن ما هو العصفور الثالث, للأسف نحن العصفور الثالث.
عندما أعطت الولايات المتحدة الفرصة لليابانيين ثم الكوريين ثم الصينيين لتصنيع سلع رخيصة و منخفضة الجودة و لكنها فى الوقت نفسه تبدو أفضل مما هى عليه, قضت تماما على أى اقتصاديات ترغب فى النمو, و هنا بيت القصيد, تخيلوا معى لو لم توجد بلاد مثل اليابان و كوريا و تخيلوا حالنا, لقد أغرقت السلع الشرق أسيوية أسواقنا تماما و معها و مع رخص السعر , أصبح من الصعب بل من المستحيل التفكير فى تصنيع أى شىء محليا, و تخيلوا معى حال شركة مثل نصر للسيارات مثلا, التى كان الهدف من انشائها هو صناعة سيارة مصرية, و كان يمكنها ذلك, فهى تتمتع بثقة المستهلك, و لها تجارب طويلة فى تجميع سيارات فيات, لذا فكان من الطبيعى, أن تبدأ شركة النصر للسيارات فى سد خانة السيارات الرخيصة فى السوق المصرية, ثم السوق الشرق أوسطية, و من يدرى بعد ذلك ربما يتم تصديرها الى دول أخرى, طبعا السيارات اليابانية و الكورية التى أغرقت السوق المصرية و الشرق أوسطية بأعداد كبيرة و بدون حساب و بأسعار منافسة جدا, جعل من الصعب قيام أى صناعة وطنية فى مصر أو فى غيرها من دول الشرق الأوسط, و بالتالى تظل تلك الدول مجرد أبار للبترول و منجم للمواد الخام, تستولى الدول الغربية على تلك الموارد و الخامات, لتعيدها لنا فى صورة سلع استهلاكية بسعر أعلى.
فى الجزء الثانى سوف نستكمل فضيحة السيارات اليابانية, و لماذا هى سيارات منخفضة الجودة, و لماذا هى قصيرة العمر و سيئة الصنع؟ و كيف تمارس الشركات اليابانية عمليات النصب على المستهلك المسكين. فانتظرونى.