بينما كانت تويوتا منشغلة في 2008 في إحصاء مبيعاتها العالمية، مدركة بأنها أصبحت رسميا أكبر بائع للسيارات في العالم بدلا من جنرال موتورز التي احتلت هذه المكانة لأكثر من 70 عام، كان البعض من كبار المسؤولين في الشركة اليابانية يحذرون من عواقب أن تصبح تويوتا «الرقم 1» في العالم.

ويبدو أن تويوتا بدأت تدرك مخاوف هذه التحذيرات بعد عمليات الاستدعاء الواسعة والتي طالت أكثر من 8 ملايين سيارة حول العالم، حيث أصبح من الصعب التعامل مع الأعداد الهائلة والتحديات الكبيرة التي تواجه الشركة وبشكل خاص في السوق الأمريكية المعروفة بعملاء يبحثون عن أي فرصة أو عن أي سبب لاتهام الشركات بالتقصير.
وقد أخذ أكيو تويودا رئيس تويوتا الجديد على نفسه عهدا بأن يسحق «فكرة الشركة الأكبر» منذ أن تسلم مهام منصبه في يونيو الماضي، مؤكدا بأنه سيعود بالشركة إلى أساسها الصلب وطريقة عملها السابقة بعد عقد من الزمان تركز النشاط خلاله على توسعة مبيعاتها وإنتاجها عالميا.

وتعتبر تويوتا أكبر شركة في اليابان من حيث القيمة السوقية والتي تقدر بـ141 بليون دولار، وهي تنتج العشرات من الطرز حول العالم ولديها أكثر من 500 شركة تابعة لها.

وكانت تويوتا تستدعي أكثر من مليون سيارة سنويا، وهو ما دفع الرئيس السابق للشركة كاتسواكي واتانابي في 2006 إلى استحداث منصبين لنائب الرئيس مهمتهما مراقبة وتحسين الجودة والعمل عن قرب مع الشركات الموردة.

وبعد عامين وفي 2008 أعلن واتانابي بأن خطته نجحت وانحسرت عمليات الاستدعاء لعيوب مصنعية بشكل كبير، وهو ما يتوافق مع الشعار الذي رفعه في 2003 عندما تسلم الرئاسة ومفاده «العودة إلى الأساسيات».

ولكن عمليات الاستدعاء الأخيرة تؤكد أن الجهود لم تكن كافية وبحاجة للمزيد.

ولو كانت عمليات الاستدعاء هذه من صانع آخر لما حظيت بتلك التغطية الإعلامية العالمية الواسعة، ولكن تويوتا هي رمز للجودة والإتقان، وما حدث هو خارج عن تقاليدها.

ولعبت إدارة الرئيس أوباما دورا كبيرا في إعلان تويوتا لعمليات الاستدعاء الواسعة «في تدخل غير مسبوق» من أي إدارة سابقة في الولايات المتحدة.

فهل جاء هذا الدفع لدواع سلامة بحتة؟ أم أن له علاقة في ملكية الحكومة الأمريكية لـ60 بالمائة من أسهم جنرال موتورز والتي تريد الحكومة التأكيد بأنها شركة يمكن أن تعود إلى الربح وتثبت أن استثماراتها فيها ليس إهدارا للمال العام؟

فجنرال موتورز عندما مرت بحالة الإفلاس صيف العام الماضي تركز الحديث عن مكانتها السابقة كرمز لهيمنة وعظمة الصناعة الأمريكية. ولا خلاف على أن تويوتا هي الشركة التي أطاحت جنرال موتورز عن عرشها.

ولسنا هنا بصدد إعطاء مؤشرات أن ما تمر به تويوتا هو «عملية كيدية» أو نوع من «الانتقام»، فتويوتا فعليا لديها مشكلة في دواسة البنزين، ولكن الطريقة التي ضغط فيها على عليها وتهويل القصة أمر يستحق الانتباه.

وتردد وسائل الإعلام الأمريكية وقوع 19 حالة وفاة من حوادث لسيارات تويوتا خلال السنوات العشر الماضية، وتتجاهل معظمها تحليل تلك الأرقام بل وتهول من القصة وتقول بأن جميع تلك الحوادث مرتبطة بمشكلة التسارع الغير مقصود، وأن هذا العدد يفوق حالات الوفيات لكافة مصانع السيارات الأخرى لنفس الفترة.

ومقابل ذلك تؤكد الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرقات السريعة بأن 5 فقط من حالات الوفاة مرتبطة بتسارع غير مقصود، 4 منها لحادث تعرضت له سيارة واحدة في أكتوبر الماضي، ولم يتأكد بعد فيما إذا كان السبب يعود للدواسة محل المشكلة أو السجاد الذي يمكن أن يحبس الدواسة في حالة عدم إحكام شده على مرابطه.

وإذا ما نظرنا إلى لغة الأرقام، فقد باعت تويوتا منذ 2001 وحتى 2009 في السوق الأمريكية 20,454,406 سيارة، وهذا يعني «أقل من حادثة وفاة واحدة لكل مليون سيارة».

وهي نسبة منخفضة جدا إذا ما أخذ في الاعتبار أن سيارات ماركة هي تويوتا الأكثر بيعا في السوق الأمريكية، وأن سياراتها الأطول عمرا على الطريق ما يعني استخدام العملاء لها لسنوات أطول وهو ما يجعلها عرضة للحوادث أكثر في حال عدم صيانتها جيدا.

وهناك مشكلة أخرى وأهم، وهي أن 4.2 مليون سيارة استدعتها تويوتا من قبل كانت بسبب إهمال العملاء إحكام تركيب السجاد في مرابط خاصة له، الأمر الذي أدى إلى انحباس الدواسة بالدواسة. ولم تأخذ الإحصائيات هذه المشكلة في تصنيف الوفيات التي قد يعود بعضها لإهمال العملاء. وعلى الرغم من ذلك قررت تويوتا استدعاء السيارات وحل المشكلة رغبة منها في المحافظة على موقعها كصانع يهتم بسلام الركاب.

ويقول محللون أن توقعات تويوتا السابقة بأن تخسر 9.4 بليون دولار عن السنة المالية الجارية والتي تنتهي في 31 مارس القادم كان الهدف منها الحد من استهداف الشركة ومن أي ردود فعل سلبية نحوها.

وتؤكد تويوتا التي غيرت توقعاتها لاحقا إلى خسائر تقارب 3.4 بليون دولار بأنها لا تتلاعب بالأرقام لتحقيق مآرب أخرى.

وحتى وقت قريب قبل الإعلان عن الاستدعاءات، توقع المحللون أن تنهي تويوتا السنة المالية الحالية بلا أرباح وبلا خسائر. ولكن بعد الاستدعاء ستخسر حسب التوقعات قرابة 550 مليون دولار شهريا جراء توقف المبيعات والإنتاج.

ويقول محللون بأن لجوء تويوتا للإعلان عن توقعات غير صحيحة بالخسائر خوفا من أي ردود فعل سلبية إجراء طبيعي وستنتهجه أي شركة أخرى في نفس موقعها. فكيف يمكن لتويوتا أن تعلن عن الأرباح بينما تقاسي جنرال موتورز الألم والمرض؟.

وعلى الرغم من حجم المشكلة، فإن المحللين وكبار المسؤولين يعتقدون بأن تويوتا نجحت في كسب رضاء مئات الآلاف من العملاء بالإعلان عن الاستدعاء الطوعي ورغبتها في إصلاح المشكلة النادرة الحدوث جدا.

حيث تأكد للعملاء أنها أكثر جرأة من أي صانع آخر في الاستجابة لمخاوفهم وإنفاق مئات الملايين لحل أي مشكلة طارئة خلافا لمصانع أخرى تنصلت من مشاكلها. وبناء عليه فإن البقاء معها يعني التزام غير محدود وبلا تردد في حل أي مشاكل يمكن أن تطرأ.

فقد أعلنت تويوتا يوم الأربعاء عن استدعاء 1.1 مليون سيارة إضافية في الولايات المتحدة لاستبدال السجاد فيها على الرغم من عدم ورود أي شكاوى ضدها عن السيارات المستدعاة. ولكنها وبسبب تلقيها لاتصالات من عملاء قلقين، قررت أن تستبدل السجاد طوعا لمنحهم الطمأنينة وراحة البال.

وقال جيك فيشر المهندس المختص في مجلة «تقرير المستهلك» Consumer Report وهي تصدر عن مؤسسة تقرير المستهلك الحكومية والتي لا تبتغي الربح وتعتبر آراءها محايدة «تبذل تويوتا كل ما بوسعها لاتخاذ الإجراءات الصحيحة والجريئة لاستدعاء أعداد هائلة من السيارات، وهو ما يعكس رغبتها في عدم التأخر وبذل كل ما هو غال لضمان سلامة سياراتها وأن لا يصاب أحدا بأذى».

وفيما تحاول الشركات المنافسة الاستثمار في مشكلة تويوتا وسحب العملاء منها وبشكل خاص الماركات الأمريكية، قال ميتسورو كوروكاوا الخبير في شركة HIS العالمية بأن عملاء تويوتا لن يرغبوا بالضرورة في اقتناء سيارات من ماركات أمريكية، بل سيفضلون السيارات المنافسة لها من ماركات أخرى مثل هيونداي.

وأضاف «وإذا حدث ذلك، فإن هناك فرصة كبيرة أن يوجه هؤلاء العملاء الانتقاد إلى هيونداي»، وقصد أن معايير تويوتا تظل صعبة وعالية ولن يكون من السهل مجاراتها.