ومن التسبيح المطلق قوله تعالى:﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾- وهذا هو موضوع بحثنا- والمراد من هذا التسبيح: أن كل شيء في هذا الكون الفسيح يسبح الله جل وعلا بحمده. فقوله تعالى:﴿بحمده﴾ بيان للكيفية، التي يُسبَّح الله تعالى بها. فهو تسبيح بالحمد، ويكون بقول:(الحمد لله). والباء فيه للاستعانة، وما دخلت عليه هو آلة التسبيح، التي يُسبَّح الله تعالى بوساطتها. وقوله تعالى:﴿وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ يدل دلالة واضحة على أن هذا التسبيح ، يكون بالقول؛ وهو قولهم:(الحمد لله) كما ذكرنا.
قال الأخفش- وهو تلميذ سيبويه-:” وأما قوله تعالى:﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ ، وقال:﴿ َالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ ، وقال:﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ ، فذلك؛ لأن الذكر كله تسبيح ، وصلاة. تقول: قضيت سبحتي من الذكر والصلاة، فقال: سبح بالحمد. أي: لتكن سبحتك بالحمد لله “.
وقال الأخفش في موضع آخر:” يقول: يكون تسبيحك بالحمد؛ لأن التسبيح هو ذكر، فقال:يكون ذكرك بالحمد على ما أعطيتك من فتح مكة، وغيره. ويقول الرجل: قضيت سبحتي من الذكر“.
وحكى الرازي عن بعضهم قوله في تفسير آية النصر:” سبحه بواسطة أن تحمده“. ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكثر- بعد نزول سورة النصر- من قوله:” سبحانك اللهم ، وبحمدك. أستغفرك، وأتوب إليك “. أي: وبحمدك أسبحك. وبهذا الذي ذكرناه نجد ما حكاه الطبري عن العرب من قولهم:( سبَّح حمدَ الله )، لا يصح، لا من جهة اللفظ، ولا من جهة المعنى. وكذلك قول من قال: سبَّح بسبب حمد الله. وكذلك قول من قال: سبَّح ملتبسًا، أو مشتملاً، أو متعبدًا بحمد الله. وأبعد من ذلك كله قول من قال: صلَّى بحمد الله. والصواب- إن شاء الله- فيما ذكرناه من أن الباء- هنا- للاستعانة؛ ومثلها في قوله تعالى في سورة العلق:﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)﴾.
المفضلات