«باحلم بعش».. هكذا لخص حلمه، وهكذا أيضاً لخص معاناته، فحلمه تأسيس عش الزوجية، دفعه إلى تقليد فريد شوقى، حيث عمل مدرسا ثانويا نهاراً، وفى المساء انزوى داخل أحد الفنادق ليعمل محاسباً به، وبين المهنتين يختطف لحظات قليلة لا ليخفو فيها، بل ليحلم بذلك اليوم الذى يحقق فيه حلمه.
أيمن ناجى الذى لم يدخل عامه الثلاثين بعد، كرس حياته لسداد كل المصروفات التى طلبتها منه الحكومة مقابل تحقيق حلمه، ورغم أنه يسدد فإن الحلم لا يتحقق، ويرويه قائلاً: «فى ديسمبر الماضى قررت أن أبنى عمارة صغيرة فى قطعة أرض مملوكة لعائلتى بالقرب من محطة مترو شبرا الخيمة، وبدأ النزيف بـ١٣ ألف جنيه مقابل إصدار رخصة بناء، و١٠٠٠ جنيه رشوة لأحد الموظفين حتى لا يبلغ عنى فى واقعة هدم عشة فراخ، لأفاجأ بهم يطالبوننى بدفع ١٠ آلاف جنيه كتبرع إجبارى لتنظيف وتجميل الحى، فقررت أن أواجه هذه الجباية وأؤجل موضوع البناء حتى تقاعد رئيس الحى الذى أفتى واخترع فرض تبرع إجبارى».
ولأن الخير على قدوم الواردين استبشر «أيمن» خيراً برئيسة الحى الجديدة، التى خفضت مبلغ التبرع الإجبارى إلى ٤ آلاف جنيه، لكن نزيف المال لم يتوقف ـ حسب وصفه ـ إذ استمر من خلال: «٧٠٠ جنيه شهرياً أثناء البناء، و٢٦٠٠ جنيه مصاريف إدخال المياه، ده غير إنهم طلبوا ٤ موافقات من هيئة الصرف الصحى ومصلحة التليفونات ووزارة الكهرباء ومركز المعلومات، الذى طلب ١٥٠ جنيهاً، المشكلة أن كل هذه الجهات ذيلت موافقاتها بعبارة غريبة مفادها أن الحفر تحت مسؤوليتى، وبما أنه تحت مسؤوليتى فلماذا اشترطوا موافقة هذه الأماكن؟».
مرحلة الصرف الصحى كانت هى الأصعب فى رحلة أيمن، حيث طلبوا منه ٢٠٠٠ جنيه لمد خطوط الصرف للعمارة، وإذا وجدت ماسورة قريبة سيقل المبلغ إلى ٢٠٠ جنيه فقط، وبالفعل اكتشف مهندس المعاينة أن ماسورة الصرف موجودة، وأخذ ٧٠ جنيهاً رشوة، لكنه فوجئ باتصال من الهيئة تطلب منه دفع الـ٢٠٠٠ جنيه، وكأن الهدف من المعاينة أن يتقاضى المهندس هذه الرشوة.
إلى هنا، انتهت تحويشة العمر ولم تنته العمارة.. وحسب وصفه، «كل مهندس يعدى يبص على التراخيص وياخد منى فلوس»، وقال: «كنا بندفع رشاوى عشان نسهل مهمتنا أو نعمل حاجة غلط، دلوقتى الرشاوى بتتدفع رغم أن طلباتنا قانونية بس بندفع عشان الموظف ما يوقفش المراكب السايرة».


وفى الاخر الناس مستغربة لما واحد يقول انا عايز اسافر حتى لو هشتغل فى غسيل الصحون