تذكرت شيئاً من العصر البديع (السبعينات والثمانينات من القرن الماضي)، ألا وهو يوم الغسيل !!
أينعم كان الغسيل له يوم (معلش يا حضرة الناظر أصل كان عندنا غسيل :))، وفي هذا اليوم يتم إعلان حالة الطوارئ في المنزل، كله يكتم النفس، جميع أفراد الأسرة في ركن، وربة المنزل وحدها في المطبخ أو الحمام وقد عصبت رأسها وارتسمت على وجهها علامات الخطورة والحرص وكأنها تقوم بتحضير قنبلة نووية (أظن أن تحضير القنبلة النووية أيسر مما سأقوم بذكره وتذكره :))
بداية العملية بتجهيز الأدوات ومنها: طشت الغلية، عصا (عصاية) الغلية، الوابور (أو الباجور كل واحد وعلامه) والكيماويات التي تكفي لاتهام ربة المنزل بحيازة أسلحة الدمار الشامل !
- الباجور هو موقد يستخدمه أهل المدن (لاحظوا أننا في السبعينات) ويعتمد في عمله على وقود الجاز، وأشهر مصانعه "بريموس" وهي ماركة فخيمة ووكيلها مازال موجوداً في شارع الجيش بوسط البلد.
يتم تعمير الباجور بالجاز (الوقود)، وتجهيز سبرتو أحمر (لا أعرف استخدامه لكنه مهم جداً) والتأكد من الفونيا والكباس وشراء "إبرة باجور" وهي ضرورية في حالة حدوث انسداد في سكة الجاز! يتم إشعال النار في رقبة الباجور (أظن أن هذا دور السبرتو في الموضوع) وتركها لثواني ثم نديله نفس :) وذلك عن طريق ضغط الكباس لعدة مرات متتالية فتظهر الزهرة الزرقاء كالتاج على رأس الباجور ويصدر صوته كالفحيح، وهنا يكون الباجور جاهزاً لمهمته
طشت الغلية: وهو إناء طويل واسع الفوهة عريض أعلاه وأسفله، ورفيع في وسطه كأنه خصر حسناء، يُستخدم عن طريق ملئه بالماء ثم رفعه على الباجور (يتم استخدام قاعدة معدنية مخصصة لرفع الطشت نظرا لأن الشاسيه بتاع الباجور مايستحملش وزن الطشت) وعندما يغلي الماء تتم عملية إسقاط قطع الغسيل تباعاً ويتم غليها جيداً إلى أن تستغيث، وهنا يأتي دور "عصاية الغلية"
عصاية الغلية: هي عصا من الزان المتين رفيعة ومبرومة، يتم استخدامها لانتشال قطع الغسيل من "طشت الغلية" وللسيدات فيها مآربُ أُخرى !
فمجرد التلويح بعصا الغلية في وجه الصغار يُعد تهديدٌ رادعٌ، فهي سلاح ردع شامل :) فإذا استمر الصغير في العفرتة ترفع الأم العصا وتنزلها على جسده .. مرةً واحدة فقط، ولن تكون في حاجة لضربةٍ ثانية! فهذه العصا لو نزلت على عظمة تكسرها (الأم الحصيفة العطوف لا تفعل هذا فللأمهات خبرة كافية بمثل هذه الأسلحة وتأثيرها) ولو نزلت على لحمٍ تركت فيه أثراً أحمر، يتحول لأزرق بمرور الوقت ثم أخضر مع تحول مركز الضربة للون الأسود ثم تزول آثار الضربة الجسدية خلال أسبوع، ولكن أثرها التربوي لا يُنسى!
الغسالة: هي غسالة كهربية تستخدمها سيدات المدن المرفهات !! وهي عبارة عن بستلة ضخمة لتسع الغسيل مزودة بمروحة في قاعها لتقليب الغسيل بدلاً من عمليات الدعك والمرش اليدوي (وهي مراحل عذابٍ حقيقية)
يتم إسقاط الملابس في الغسالة وإضافة المواد الكيماوية ومنها:
- البوتاسا الكاوية (تُنطق البُطاس): وهي مادة كاوية. في صورتها الصلبة تكون عبارة عن بللورات تشبه حلوى الأطفال السكر نبات، وعند إذابتها في الماء لاستخدامها في الغسيل يكون محلولها أبيض كاللبن الحليب ! أي أنها كارثة حية في البيت في كلتا حالتيها (وكانت هناك إعلانات عديدة للتحذير من مخاطرها وكيفية التعامل مع الإصابات الناجمة عن تناولها بصوت د. "لفتية السبع" الحنون) ولا أعلم فائدة هذه المادة.
- الزهرة: وهي مسحوق(بودرة) أزرق اللون (بمعنى أصح زهري اللون :)) وهي تُستعمل مع الملابس البيضاء لإكسابها لوناً أبيضاً لامعاً مُشرباً بزرقة خفيفة. ومن أشهر أنواعها "زهرة الحاجة" والباكيت بتاعها مميز بصورة الحاجة شخصياً :) وزهرة "الطربوش" والباكيت مرسوم عليه طربوش.
- مسحوق الغسيل: ومن أشهر أنواعه "رابسو" و "سافو"، وهذان النوعان يستعملهما السيدات الميسورات المرفهات! أما المكافحات فيستعملن الصابون الزَفَر وهي صابونة بُنية اللون مكعبة تماماً محفورٌ على أحد أوجهها اسم المصنع الذي أنتجها. يتم شراء الصابون (وأظنه كان يُسلم مع التموين) وتُستخدم في حالتها السليمة كصابونة مواعين، وللاستخدام في غسيل الملابس يتم بشرها بالمبشرة، وهناك أكياس للصابون المبشور جاهزة للسيدات المرفهات.
بعد كام "فُم" غسيل يتم انتشال الغسيل من الغسالة لطشت الغسيل للقيام بعملية العصر، حيث تقوم ربة المنزل بعصر الملابس ونقلها لسبت الغسيل، ثم تنقلها لسطح المنزل ليتم نشرها.
وهنا يتم فك الحظر عن الأسرة وينتهي العمل بقانون الطوارئ بالمنزل.
ياترى البنات لو سمعوا الكلام ده اليومين دول هايقولوا إيه؟!
(ملحوظة: قد تكون بعض المعلومات غير دقيقة حيث أنها من الذاكرة وأرحب بالتصحيح)
المفضلات