الموضوع: جمال مبارك ؟؟؟ هل سيحاسب ؟

محمود حربي

عندما فجر الشباب المصري ثورة 25 يناير لم يكن احد يتوقع ان يحدث هذا البركان الهائل. وربما كانت النتيجة الاولى سقوط خيار التوريث واهتزاز الحزب الوطني بعنف من الداخل، ولم تخرج اي قيادة للحديث في اي اتجاه حتى جاء خبر اقصاء الاعضاء البارزين في الامانة العامة وفي المقدمة جمال مبارك الذي اصبح الان دون اي موقع في الحياة السياسية.

تحركات مريبة
وكانت التحركات المريبة لبعض قيادات الحزب من رجال الاعمال في الدفع ببلطجية الانتخابات لاقتحام ميدان التحرير على ظهور الخيول والجمال، في دلالة جديدة على فساد تحالف السلطة والمال.
ما اود الحديث عنه تحديدا هو لجنة السياسات. كانت البداية عام 1999، عندما تم إقحام رجل البنوك جمال مبارك في العمل السياسي عمدا عن طريق ضمه لصفوف «الوطني»، ثم تفصيل اللجنة على مقاسه ليتولى رئاستها. وبدأت هذه اللجنة وعبر مجموعة «أطفال أنابيب العمل السياسي» وهو تعبير شائع لوصف هؤلاء الذين ظهروا من دون سابق إنذار ودونما تاريخ سياسي واضح.

خطيئة لجنة السياسات
وبدا توجيه الحملات من خلال رؤساء تحرير وكتاب يدينون بالولاء، ضد الوزراء وبعض الشخصيات. حتى رئيس الوزراء لم يسلم.
كانت بمنزلة حكومة ظل تمارس كل الأدوار، إما عبر رئيسها جمال مبارك أو أمين الإعلام د. علي الدين هلال العراب السياسي، أو الدكتور محمد كمال عقلها السياسي. وهذه الشخصيات اختفت تماما كما لو ان الارض انشقت وبلعتها.

الهيمنة على المصانع
وكانت اللجنة طرحت فكرة جهنمية: تحويل المصانع الى صكوك توزع على المواطنين بالتساوي، وقالت أوساط اللجنة انه يهدف الى تحويل الملكية مباشرة إلى الشعب وتستكمل أوراق الخطة بتقدم البعض لشراء الأسهم من المواطنين مباشرة، وبذلك تسيطر المجموعات الاقتصادية الكبيرة على كل المصانع و«بإرادة الشعب»!
لكن المشروع لم ير النور، ولعل التحقيقات الجارية حاليا مع وزراء المجموعة الاقتصادية السابقة تتطرق الى مخطط بيع مصر وكله بالقانون.

كتلة شبابية مؤثرة
كانت البداية تكوين جمعية جيل المستقبل عام 1998، التي اهتمت بتكوين شبكة من الشباب تم إعدادهم وفق برنامج يعتمد على المنظور الأميركي في استخدام التكنولوجيا لتوظيفهم في مؤسسات ومواقع حكومية وخاصة وبأجور متميزة، بهدف خلق كتلة شبابية مؤثرة للترويج لجمال مبارك رجل العقلية المستنيرة في مواجهة عناصر الحرس القديم.. وعن طريق حشد «إجماع شعبي» على جمال الذي تخرج في الجامعة الأميركية اقتصاد وإدارة أعمال، ثم عمل في أحد البنوك وانتقل إلى فرع البنك في لندن، وعاد إلى القاهرة وشارك مع مجموعة من زملائه في جمعية خاصة للدراسات الاقتصادية قدمت المشورة للحكومة.

شراء ديون مصر
وهو قد كون جمعية جيل المستقبل ودخل إلى الأمانة العامة للحزب عام 1999. وهذا يفسر الارتباط الشديد بين جمال مبارك وأحمد عز ود. محمد كمال ود. محمود محيي الدين، وكانت احاديث تناقلتها بعض وسائل الاعلام عن دور مشكوك فيه لمشاركة جمال وشقيقه علاء في شراء ديون مصر بأبخس الاثمان والحصول على اراض شاسعة وباسعار رمزية جدا، وربما تتناول التحقيقات الجارية الان هذه الملفات.

خيانة مشروعة
ولا بد العودة بالتاريخ إلى عام 1998 عندما بدأت جمعية جيل المستقبل في الظهور ودخول جمال مبارك إلى «الوطني». الواضح ان الرئيس مبارك شخصيا تعرض لخيانة مشروعة من اللجنة، وكان من المألوف قيام جمال بزيارة بعض المحافظات وخلفه عدد كبير من الوزراء ويفتتح مشروعات ويعقد لقاءات مع محافظين ومديري امن وهو لا يحمل اي صفة تنفيذية غير انه نجل الرئيس! وكان لا ينسى ان يحمل جهاز اللابتوب الخاص به وكان ذلك مثار اعجاب البسطاء.
ونعود لقصة الخيانة، فصفوت الشريف كان يقدم التقارير للرئيس عن الحزب الذي يضم 3 ملايين عضو يسيرون خلف جمال لكن الاحداث اثبتت ان الحزب يقبع فقط في مبنى التحرير الذي اشتعلت فيه النيران.

فساد رجال الاعمال
وحتى عندما اراد رجال الاعمال هؤلاء تسيير تظاهرات مؤيدة للرئيس، من امثال ابراهيم كامل ومحمد ابو العينين وبتخطيط من رجل المخابرات القديم صفوت الشريف، لم يجدوا الا لاعبي الكرة وبعض الفنانات وعمال وموظفي مصانعهم والذي خرجوا الى ميدان مصطفى محمود بالاجر والحوافز .
ربما ان الرئيس اساء التقدير في وضع لجنة السياسات وترك لها العديد من الملفات والقضايا الداخلية وبحكم السن تفرغ للقضايا الخارجية، التي تولاها عمر سليمان وكان يأخذ معه وزير الخارجية احمد ابو الغيط.. كان من الواضح ان الملفات الساخنة في عهدة رئيس المخابرات العامة، ودور الخارجية بروتوكولي في احيان كثيرة.
واستمرأت اللجنة الامر وبدأت في الاستيلاء على ثروة الشعب والتخفي وراء شعارات فضفاضة حول التنمية وحل مشاكل الشباب. وكان الزيف الاعلامي هو السائد لكن الرئيس ترك الشأن الداخلي لاعضاء اللجنة الذين لا يعرفون المشاكل الحقيقية.
لذا اتصور ان الرئيس تعرض الى خديعة من بعض اعضاء مجلس السياسات وارتكبت اللجنة خطايا كبيرة عبر تزييف الحقائق والارقام والعمل على تغلغل اعضائها حتى في مناصب السفراء في الخارج والمؤسسات الصحفية واجهزة الاعلام، وكان الهدف واضحا هو تهيئة الارضية للرئيس القادم.. لكن ثورة الشباب هدمت المعبد على الجميع وربما يعود الرئيس في لحظة هدوء ويفكر مليا في الكارثة التي تتعرض لها مصر الان.. وربما لو استمع الى الاصوات العاقلة وما اكثرها، لتغيرت الاوضاع. لكن التاريخ لا يرحم.
* بتاريخ 18/7/2009 كتبت في القبس موضوعا بعنوان «لجنة السياسات حكومة الظل ومفتاح التوريث»، تناولت فيه خطورة هذه اللجنة ودورها المريب، لكنني لم اكن اتصور انها مصابة بالهشاشة وقصر النظر وهذا الضعف المزري.

القبس الكويتية