الموضوع: شهر مبارك

إحساس المصريين برمضان لا يماثل إحساس غيرهم من الشعوب. ولعل غلبة الطابع الاحتفالي هو أكثر ما يميز استقبال الشعب المصري للشهر الكريم.

والمسألة هنا لا ترتبط بمجرد العادات والطقوس الموروثة عن الآباء والأجداد في التفاعل مع أيام رمضان من خلال الفوانيس وأنواع معينة من الحلوي، وبسط موائد الطعام، وغير ذلك من أمور، بل تتجاوز ذلك إلي توظيف هذه الاحتفاليات كوسيلة لغسل النفس مما تراكم داخلها من أحزان علي مدار أيام العام الحالي والأعوام التي سبقته.

فحزن المصريين عميق، وعلي قدر عمق الحزن يكون الهوس بالاحتفال، حتي ولو تم الأمر في حفلات تشبه حفلات الزار الجماعي.

فرغم المعاناة من الزحام نجد أن أغلب الناس يقصدون الأماكن الأشد تكدساً بلحوم البشر لشراء احتياجاتهم الاحتفالية اللازمة للشهر، لكي يشعروا بالانخراط في طقس «الزار الجماعي».

وما أكثر ما تسمع علي ألسنة من انصلح حالهم وتبدلت أوضاعهم فانتقلوا إلي العيش في الأحياء الراقية عبارة: «فين أيام رمضان في حي كذا أو كذا الشعبي»، وهؤلاء لا يحرمون أنفسهم أيضاً من متعة الزار الجماعي عندما يتدفقون إلي حيي السيدة زينب والحسين وغيرهما لاستنشاق الروائح التي أدمنوها منذ الصغر.

وقس علي ذلك حفلات المشاهدة الجماعية للمسلسلات المفلسة فكرياً، والدعاة الذين يكررون في كل عام ما رددوه في الأعوام السابقة. فليس المهم في هذه الحالة هو الجديد الذي يمكن أن تسمعه أو تشاهده، الأهم من ذلك هو الإحساس بالطقس، طقس الزار الجماعي.

وحالة الزار الجماعي تلك التي ننخرط فيها هي حالة موروثة ـ كما يعلم الجميع ـ عن عصر الحكم الفاطمي الذي يعود إليه فضل إنشاء مدينة القاهرة. والحقيقة أن فترة الحكم الفاطمي تعد حالة خاصة جداً في التاريخ المصري. فقد ذهب الفاطميون وتركوا خلفهم العديد من القوانين والأفكار والممارسات التي رسخت في العقل والوجدان المصري، وتوارثها المصريــون جيلاً بعد جيل.

يكفي أن نشير في هذا السياق إلي عبارة «سيف المعز وذهبه» التي ترددت علي لسان المعز لدين الله الفاطمي عندما سئل لحظة وصوله إلي مصر عـن نسبه فسلَّ سيفه، وقال: «هذا نسبي»، ثم نثر علي من حوله الذهب، وقال: «هذا حسبي». فهذه العبارة تشتمل علي قانون يستطيع أن يفسر الطريقة التي يدير بها الحاكم علاقته بالمحكوم في هذا البلد منذ العصر الفاطمي وحتي الآن.

ولأن سيف الحاكم هو المسلط ـ في الأغلب ـ علي رقاب المصريين، ولأن ذهبه حكر عليه وعلي من يري لهم دوراً في حماية الكرسي الذي يجلس عليه، فقد اشتدت معاناة الناس كالعادة من حكامهم، وزادت أحزانهم، وتراكم إحباطهم، وتضاعف يأسهم بسبب الإحساس بالعجز عن التغيير.

ووجدوا في فكرة الزار الجماعي ـ المرتبطة بثقافة الاحتفال التي دعمها الحكم الفاطمي ـ مخرجاً جيداً لهم من هذه الحالة، ووسيلة يستطيع الفرد من خلالها أن يذيب حزنه الفردي في الجماعة التي ينخرط فيها، من خلال مواكب استطلاع الرؤية، وإحياء ليالي الشهر الكريم، والاحتفال بالأعياد، وترك الأذن نهباً للقصص والحكاوي التي كانت تتردد علي ألسنة الرواة والقصاصين في المساجد والتجمعات العامة.

ومهما تبدلت الصور فإن جوهر الحقيقة يبقي واحداً. فما أكثر تصريحات المسؤولين التي تزدحم بها الصحف قبل رمضان حول توفير الياميش والمكسرات والدقيق واللحوم والدواجن، وحتي الفوانيس، بالكميات المطلوبة التي تناسب حجم الاستهلاك خلال الشهر الفضيل. أما عـن التنويهات التي تشير إلي مائدة المسلسلات وحلقات الوعظ عبر الأرضيات والفضائيات، فحدّث عنها ولا حرج.

فقد وصل الأمر الآن إلي حد الإعلانات المدفوعة ـ من جانب بعض القنوات ـ للتنويه عن برامجها ومسلسلاتها علي صفحات الجرائد. فكل قناة علي استعداد لدفع دم قلبها من أجل استقطاب المشاهدين إلي حفل الزار الجماعي الخاص بها.

والمسؤولون، من جانبهم، يباركون ويدعمون ما يحدث كما كان يباركه ويدعمه حكام العصر الفاطمي. فهم يريدون من الناس أن يخففوا من إحباطهم واحتقانهم، وأن يغسلوا همومهم وغضبهم علي موائد الإنسان وموائد الرحمن، وأمام طوفان الكلام الذي تعمر به المسلسلات، وداخل حدائق الوعظ في لقاءات الدعاة التليفزيونيين.

وفي غمرة الثقة في الاحتفالات الرمضانية ـ الموروثة عن العصر الفاطمي ـ كأداة للتنفيس عن الحزن والغضب، ينسي المسؤولون حقيقة أن غناء الحكام لا يطرب حتي ولو رقص عليه الناس، وأوهموا «المايسترو» أنهم يذوبون علي وتر عزفه. فهذا الشعب من جبلة لا تتأثر بسهولة، وهو دائما ما ينتقي ما يروقه ويعجبه فيأخذه، ويزهد في غيره مهما طال الزمن!.

فقد حكم الفاطميون مصر (١٧٠ عاماً)، تخيلوا مائة وسبعين سنة! ولم ينجحوا علي وجه الإطلاق في تحويل المصريين من المذهب السني إلي المذهب الشيعي الذي كان يدين به حكام الدولة!،

ومن المثير في هذا السياق أن نذكر أن الجامع الأزهر الذي بناه الفاطميون ليكون مدرسة لتعليم المذهب الشيعي تحول إلي قلعة من قلاع حماية المذهب السني!. فحفلات الزار الجماعي التي يتوه فيها الناس يمكن أن تطيل أمد نظام حكم معين، لكنها يصعب أن تمنحه مستقبلاً!.

لذلك فأنا أضحك مـن قلبي علي شنط رمضان التي يتولي إعدادها أعضاء الحزب الوطني، تحت إشراف لجنة السياسات، وكذلك موائد الرحمن التي يقيمها نواب الحزب الوطني في أحياء متعددة.

فالشعب الصابر قد يأكل ما يمنحه الحاكم له من طعام، ويستمتع بالحفلات التي يقيمها حتي يستطيع مواصلة الحياة، ويطمئن حكامه إلي أنه يؤيدهم ويقف وراءهم، لكنه يبيعهم ـ كما باعوه من قبل ـ فـي أقرب لحظة تغيير، وكان الفاطميون أشطر!.

والله الصحفى المحترم لو مش عاجبه رمضان فى مصر يروح يحتفل بيه فى جزيرة إسبيريتو سانتو فى المحيط الهادى يمكن يلاقى رمضان على مقاسه هناك، دى بقت حاجة تقرف ، هو خلاص محدش بقى شايف حاجة عدلة ابدا حتى يومين رمضان اللى بنحتفل بيهم؟ وللا هو كل اللى مسك قلم عايز ينصب من نفسه وصى على فكر الناس كلها،