عن التحرش و التدين - د. محمد علي يوسف
من أعجب ما لفت نظري في حادثة #التحرش التي كثر الحديث حولها في الأيام السابقة ذلك الإصرار المحموم على نقد فكرة التدين عند الحديث عن ظاهرة التحرش
(فلان) كنموذج لهذا الأسلوب الذي أقصده ظل في جل عبارات تعليقه على الحادثة المؤسفة يردد بعصبية شديدة: هو ده الشعب المتدين؟؟؟
هو ده الجيل المتدين؟؟؟
وأضاف بتعجب: وتلاقي مسجد الكلية مليان في الصلاة وناس بتقول لا إله إلا الله وتلاقي 90 % من البنات محجبات
هو ده التدين ؟؟؟
وطبعا لم ينس ذكر المثال المعتاد عن الزي العاري و الميكروجيب في الخمسينات و الستينات
واللطيف بقى انه بيقول انهم هم الاكثر تدينا
طب ايه المعيار
فقط ان ما كانش عندهم تحرش
وإن (زوزو) على حد قوله ما حدش اتحرش بيها في فيلم خلي بالك من زوزو رغم إنها كانت راقصة!!
يا سلام ....
هو ده المعيار فقط؟
هل المعيار الوحيد للحكم على مجتمع بكامله هو وقوع التحرش من عدمه
وما الفكرة من الإصرار على ربط الأمر بتكذيب وجود تدين ومتدينين؟
من قال أن وجود متحرشين معناه أن الشعب متحرش وغير متدين؟
ومن قال أن عدم وجود تحرش دلالة على الأخلاق العامة؟
الأخلاق متنوعة و كما أن التحرش حرام فالتعري حرام والمواعدة سرا حرام والتفسخ الأخلاقي حرام فلماذا الإصرار على قصر الأمر على التحرش؟
والأهم .. من قال ان المتدين يتحرش أو أن المتحرش متدين أو حتى يدعي التدين؟!
أي منطق هذا؟؟
نعم لا شك أن جريمة التحرش جريمة بشعة ومقززة لكن لماذا خلط الأوراق وربط الأمر بامتهان فكرة التدين نفسها بدلا من بحث جاد عن الأسباب المجتمعية و النفسية و الأخلاقية والاقتصادية و قبلها الدينية لتلك الظاهرة المؤسفة
انا أقولك لماذا
ببساطة لتوهين فكرة الدين و التدين و صنع حالة من الانفكاك بين الدين و الأخلاق وتعميم تلك الفكرة
لترك انطباع في الوعي الجمعي أن التدين كله كاذب وأنه لا يوجد تدين أصلا
(فلان) يقول بتصريح أن التدين ده كله تدين قشري وظاهري ما لوش أي علاقة بالعمق ولا بالجوهر
يقول إن اللي حصل كشف إن ده تدين مش حقيقي بل كذب و زيف
وطبعا لم ينس أن ينهش الجيل الذي كان يسبح يوما بحمده وكان يلهج بالثناء على ثوريته فيقول أن ما حدث كشف إنه جيل مش أوي كدة و إننا أسر مش عارفة تربي وإنه جيل و شباب كلهم محتاجين إعادة تربية بدلا من تعميم نموذج هذا المتدين القشري
هل رأيت هؤلاء المتدينين القشريين يتحرشون؟
هل من كانوا يملأون المسجد أثناء الصلاة هم الذين خرجوا في موكب تحرش جامعة القاهرة؟
هل يستطيع أحد أن يجزم أن هؤلاء الذين تراهم منافقين مرائين هم من تحرشوا أو يتحرشوا؟
وهل ادعى الشباب المتحرشون أنهم متدينون؟
أعتقد أن الإجابة غالبا ستكون بالنفي أو على الأقل بعدم الجزم
إن جريمة التحرش فيها قدر من الجرأة والوقاحة تجعل المرء يكاد يجزم أن فاعلها علنا بهذا الشكل يصعب جدا حتى أن يدعي التدين أو يزعم الورع
هل يزعم الورع من هرع لاهثا في جامعة أو في طريق عام يريد ان يمد يده على فتاة؟
إذا لماذا إلباس التهمة للمتدين القشري أو اللي مش قشري؟
هل هناك أي توجه ديني يأمر بسوء الخلق أو يبرر مثل هذا الفعل؟
بل حتى من يعتبر أن الفتاة مخطأة يفترض أنه يعتبر ذلك من منطلق شرعي أجمع عليه الأئمة الأربعة واتفقت عليه الأمة وهو وجوب الستر وفرضية الحجاب ومع ذلك لم أسمع أحد العلماء يبرر أو يسوغ مجرد النظر بشهوة حتى إذا تعرت المرأة أو قالوا بأن الناظر معذور لأنها أغرته بعريها بل تجدهم بوضوح يتحدثون عن التعفف و غض البصر و الحياء فما بالك بالتحرش
من يتكلمون عن وجوب الستر والاحتشام أحسبهم يتكلمون من منطلق شرعي منفك عن تبرير الجريمة وليس مسوغا لها بحال من الأحوال لكنه أمر لازم كرد فعل مقابل لذلك السعار و الانفجار في وجه كل من يتحدث عن التعري ويكأنه قد صار المعلوم من الدين بالضرورة أن الحجاب بدعة ورذيلة لا سمح الله وأن الحديث عن الحجاب خط أحمر وإلا اتهمت مباشرة بالتبرير للتحرش
والفكرة أنه حتى مع عدم وجود التبرير للتحرش بالتعري فإن ذلك لا ينفي حرمة التعري والتبرج كما هو مؤدى ذلك السعار الإعلامي الرافض بعنف لكل من أبدى تحفظا على فكرة التبرج وكأنه يكاد يصل لعصمة المرأة فقط لأنها ضحية في هذا السياق
سعار أدى لأن يعتذر من تحدثوا عن ذلك مجرد حديث عرضي ويجرموا وكأن الدين ليس فيه ستر أو حياء بينما فيه فقط لوم وعقاب للمتحرشين
الحقيقة أن هناك (حولا) فكريا واضحا عند الطرفين المبرر والمتفلت
لكن يبقى السؤال المحير
ليه لازم الدين و المتدينين يتهموا؟
في تشدد متهمين و في #تحرش كمان نشتمهم ونمزق سيرتهم!!
شىء عجيب الحقيقة
عجيب ومريب...
قمت بحذف اسم الصحفي المأخوذ كنموذج لابعاد الموضوع عن اي بعد شخصي او سياسي و ان كان الواجب في ظرف اخر ذكر اسمه بكل تأكيد