اللغة العربية ظلمت المرأة

منقول


س / ما قولكم أدام الله فضلكم ، فيما يقال : إن اللغة العربية ظلمت المرأة في خمسة مواضع ، وهي :
أولاً : إذا كان الرجل لا يزال على قيد الحياة فيقال عنه : إنه حي ، أما إذا كانت المرأة لا تزال على قيد الحياة فيقال عنها إنها حية .
ثانياً : إذا أصاب الرجل في قوله أو فعله فيقال عنه : إنه مصيب ، أما إذا أصابت المرأة في قولها أو فعلها فيقال عنها : إنها مصيبة .
ثالثاً : إذا تولى الرجل منصب القضاء فيقال عنه : قاضي ، أما إذا تولت المرأة منصب القضاء فيقال عنها : قاضية . والقاضية هي المصيبة العظيمة التي تنزل بالمرء فتقضي عليه ، يا لطيف !!!!.
رابعاً : إذا أصبح الرجل عضواً في أحد المجالس النيابية فيقال له : نائب ، أما إذا أصبحت المرأة عضواً في أحد المجالس النيابية فيقال لها : نائبة . وكما تعلمون فان النائبة هي أخت المصيبة .
خامساً : إذا كان للرجل هواية يتسلى بها ولا يحترفها فيقال له : هاوي ، أما إذا كانت للمرأة هواية تتسلى بها ولا تحترفها فيقال لها : هاوية . والهاوية هي إحدى أسماء جهنم والعياذ بالله .


الإجابة بقلم الأستاذ أنس محمود فجال
الأخ السائل الكريم :
لقد اعتادت مسامعنا بين الفينة والأخرى على سماع الاتهامات التي تكالُ جُزافًا ضدّ لغتنا العربية ، وهو أمر يدلّ على عظمتها وسموّها ورقيّها حتى غدت هدفًا لكلّ رامٍ .
لو تأملنا في مظلومية اللغة للأنثى لوجدنا المفارقة العجيبة الأولى التي تتبادر إلينا عند بدء التفكير بتلك المظلومية المدّعاة ، فكيف تظلم اللغة الأنثى ثم تختار لنفسها لفظًا مؤنّثًا ( اللغة العربية ) ؟!!
والحقّ أن تساؤل الأخ الكريم يجمع بين الظرافة والحقيقة ، فكثيرٌ من الأمور قد تبدو لنا بصورة معينة لكن عند التأمّل والتمعّن سرعان ما تنكشف لنا الحقائق ويتبين لنا بأن ما كنّا نعتقده عارٍ من الصحّة والواقعية .
اعتراضات حوّاء تلك - على عادتهن - أثارت دهشتي ، فحتى اللغة لم تسلم أيضًا من دعاوى المساواة ، ولو تبحرّت حوّاء قليلًا في كتب اللغة لما رفعت صوتها بندائها ( من ينصف الأنثى من مفردات اللغة ؟! ) .
قد ينظر بعضنا إلى تلك المقولات نظرةً عابرةً ويحملها على باب الدعابة والطرافة ، إلا أنني لم أقف عند تلك النظرة فحسب ، بل قمت بقراءة واعية لموضوع التأنيث في اللغة ، ورأيت في ذلك مؤلفات كثيرة متعددة الأهداف والاتجاهات ، واطلعت على العديد من المقالات في هذا الخصوص ، وتبين لي بعد تلك القراءة أننا نحتاج إلى من يُنصف الذكرَ من أيدي اللغة ، إذ استولت الأنثى على نصيب الأسد من المكانة والتعظيم والنظرة السامية في مفردات اللغة .
فقد أتى على الإنسان حين كان يقدّس فيه القوى الطبيعية ، المنتج منها والمدمر ، ويتملّقها بالعبادة والقرابين ، استرضاء لها واتقاء لشرّها .
ومن ذلك ( الريح ) كان يقدسها الإنسان ؛ لأنها إذا سخطت أتت صرصراً عاتية ، تعبث به وبكوخه ومتاعه ، وتزأر زئيرًا يقشعرّ له بدنه ، وإذا رضيت أتت رخاء لينة ، تخفف حدّة القيظ وقرّ الشتاء .
وكان يقدّس ( الشمس ) لأنها تبعث في الإنسان والحيوان والنبات الحياة والقوة ،و تجلب الضوء فتمكنه من السعي في مناكب الأرض والخروج للصيد .
وكان ينظر إلى ( السماء ) وما حوت نظرةَ تقديس وإجلال ، فيراها موطن الأجسام المتلألئة اللامعة ، تمنّ عليه بالضوء ليلًا ونهارًا ، يتطلّع إليها كأنّها مصدر القوى المسيطرة على العالم .
وكان يرى ( الأرض ) أُمًّا يسكن إليها إذا ريع ، ويعتمد عليها في طعامه وشرابه وحياته ، درج عليها صغيرا ، وترعرع في نواحيها كبيرا ، وزرع فيها الحَبَّ فآتى أُكله ، وغرس فيها الشجر فأثمر .
وكان يرى ( السحب ) إله الرحمة ، تنقع غلته من حياها ، وتنمي زرعه من غيثها وتدرُّ الماء فتربو الأرض ، وتنتج من كل زوج بهيج .
وكان يرى ( النار ) مصدراً للخير والشرّ ، تنضج له طعامه ، وتضيئ له كوخه ، وتلتهم كل ما يملك .
عدّ الإنسانُ كلَّ هذه الأشياء طبيعةً خفيةً غامضةً ، ذات قدرةٍ سحريةٍ ، قادرةٍ على النفع والضرّ ، فأشار إليها بضميرٍ خاصٍّ مميز لها عن بقية الأشياء . ذلك الضمير الذي يشار به إلى الأنثى .
وقد كانت الأنثى في نظره قوّة منتجة ، ذات تأثير بيّن في حفظ النسل وإخراجه إلى الحياة وتعهّده بالرضاعة والنمو، ولأنها لغزٌ لم يستطع إدراكه فهو لا يستطيع الحياة بدونها ، ويجدها مصدر العطف والرحمة ، واللذة والألم ، والقسوة والصبر .
وكان الآشوريون – من أقدم الأمم السامية - يعتقدون أنّ المرأة وحدها هي التي تستطيع أن تفهم السحر وتقوم بأعماله ، وأنّها تعرف أسرار الغيب والتكهّن في المستقبل .
وكان العرب يسمّون كثيرًا من آلهتهم بأسماء الإناث ، ولا سيما أقدمها وأعظمها كـ ( اللات ) و( العزّى ) و(منات) .
وأنّثوا ( الخمر ) ؛ لأنها تجلب لهم الفرح والسرور ، وتنسيهم آلامهم وأحزانهم .
وأنّثوا ( الرّوح ) و( النفس ) فبها يحيا الإنسان وبدونها يكون جثّة هامدة .
وأنّثوا ( الحرب ) ؛ لأنّ فيها ضرّا ونفعًا ، سَبْيًا وغُنما .
أنّثوا أهمّ أعضاء جسم الإنسان التي تجلب القوة .
وإن كان كلّ ما ذكرناه خالٍ من علامة التأنيث ، إلّا أنّها مؤنّثة باعتبار الفكرة التي تدور في أذهانهم .
ووضعوا علامة التأنيث للأمور المعنوية كـ ( الرحمة ) و( القسوة ) و( الشفقة ) و( البغضاء ) و( البلواء ) و( السعادة ) و( البأساء ) ، وهي أمورٌ دقيقةٌ لم يدرك الإنسانُ الفطري كنهها .
أما الجموع فقد أنّثوا كثيرًا منها نحو ( عامل ، عَمَلَة ، كاتب كَتَبَة ، صبيّ صِبْيَة ، كرماء ، أشدّاء ، عظماء ، أقوياء ) ، والجموع قوّة تستطيع أن تفعل مالا يفعله الفرد .
أمّا المصدر ففكرة مجرّدة . يقول العلامة ( دلمان ) : إنّ الفكرة المجرّدة يتصوّرها الإنسان كقوى منتجة خالصة ، لذا جاء الكثير منها مؤنّثًا ، وكذلك أنّثوا بعض الصفات الدّالة على المبالغة نحو : ( راوية ) و( علامة ) و( نابغة ) و( داهية ) .
( فالريح ، والشمس ، والسماء ، والأرض ، والسحب ، والنار ، والقدرات السحرية الخارقة ، والخمر ، والروح ، والنفس ، والحرب ، والآلهة كاللات والعزى ومناة ، .. والجموع وما فيها من دلالة على العظمة ، والمصادر وما فيها من دلالة على أصل الشيء وقوته ... كلّها مؤنثة ) هذه الفكرة السابقة هي مما حدا بالساميين لتأنيث بعض الأسماء .
فهل تحتاج الأنثى بعد كل هذا التقدير والاحترام والعظمة والمكانة الرفيعة التي قرأنا طرفا منها إلى من ينصفها من مفردات اللغة ؟!
ومن الطرائف المضحكة ما قرأته أنّ أحد مدرسي اللغة الإنجليزية كان يشرح لتلاميذه قاعدة المذكر والمؤنث في اللغة الإنجليزية ، وذكر في أثناء شرحه أن العواصف في وقت من الأوقات كانت تمنح أسماء مؤنثة فقط ، وأنّ السفن والطائرات اعتادوا أن يعدّوها مؤنثة ، فسأله أحد التلاميذ : هل ( الكمبيوتر ) مذكّر أم مؤنث ؟! لم يكن المدرس حينئذٍ متأكّدا من الإجابة ، فقام بتقسيم الفصل إلى مجموعتين ، مجموعة الأولاد ومجموعة البنات ، وطلب من كلّ منهما أن يدلي برأي مع إعطاء أربعة أسباب تثبت هذا الرأي ، فرأت مجموعة الأولاد أن الكمبيوتر مؤنّث للأسباب الآتية :
- لا أحد يفهم المنطق الخاص به إلا صانعه فقط .
- لا أحد يفهم اللغة الداخلية التي يعمل بها .
- يحتفظ بأخطائك حتى البسيط منها ليسترجعها لاحقًا .
- عندما ترتبط بإحداهن تجد نفسك تنفق نصف مرتبك على الإكسسوارات والطلبات المفاجئة .
ورأت مجموعة البنات أن الكمبيوتر مذكر للأسباب التالية :
- لديه الكثير من المعلومات ولكن يصعب فهمه .
- من المفروض أن يساعدك على حل مشكلاتك ، ولكن في أغلب الأحيان يكون هو المشكلة .
- بعد الارتباط به تكتشف أنك لو انتظرت قليلاً لكان بإمكانك الحصول على أفضل منه .
فما رأيكم أليس من المنطق الآن أن ننادي بمظلومية الذكر وإنصافه من لسان الأنثى ومفردات اللغة ؟! .


http://www.fajjal.com/mostashar/3.htm