تحالف شافيز- موراليس..عصا روسيا وإيران لتأد تحالف بين نجاد وشافيز يب امريكا
الخسائر التي تلاحق بوش تجاوزت العراق وأفغانستان وجورجيا إلى حديقة واشنطن الخلفية في أمريكا اللاتينية ، حيث من المقرر أن يقوم أسطول من السفن الحربية الروسية بمناورات بحرية غير مسبوقة منذ الحرب الباردة أمام سواحل فنزويلا في مطلع نوفمبر المقبل.
محيط - جهان مصطفى
ويأتي هذا التطور المثير بعد أن توجت زيارة الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز لروسيا في 26 سبتمبر الماضي والتي تعتبر الثالثة من نوعها منذ عام 2007 بغنائم كثيرة منها إعلان موسكو أنها منحت فنزويلا قرضا بقيمة مليار دولار (682 مليون يورو) لشراء أسلحة روسية متطورة جدا كمنظومات "تور-م1" و"ايجلا-س" المضادة للجو وطائرات "ايل-76" و"ايل-78".
الصفقة السابقة لم تكن الأولى من نوعها في إطار التحالف المتنامي بين موسكو وكاراكاس ، ففي الفترة الممتدة بين 2005 و2007 وقعت الدولتان 12 عقدا بلغت قيمتها 4.4 مليار دولار ، وزودت روسيا خلالها فنزويلا بـ 21 مقاتلة من طراز "سوخوي" و24 مقاتلة من طراز "سو-30 م ك 2" وخمسين مروحية قتالية ومائة ألف رشاش كلاشنيكوف ، بالإضافة إلى قيام موسكو ببناء مصنع لإنتاج رشاشات كلاشنكوف "AK-103" وذخيرتها في الأراضي الفنزويلية.
هذا التحالف الاستراتيجي العسكري بين الدولتين تزامن مع تصريحات استفزازية لواشنطن ، حيث أعلن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ونظيره الفنزويلي هوجو شافيز خلال اجتماعهما في موسكو أن بلديهما تبذلان جهودا حثيثة لتحقيق توازن متين في مواجهة نفوذ الولايات المتحدة ، كما أكد شافيز دعمه للتدخل الروسي في جورجيا ، بجانب تأييده لاعتراف موسكو باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.
وفيما يبدو وكأنه بوادر حرب عالمية جديدة ، أعلن ميدفيديف أيضا خلال اجتماعه مع شافيز عن خطة لإنشاء نظام روسي حديث للردع النووي بحلول العام 2020 يشمل نظاما للدفاع الفضائي وغواصات نووية جديدة ، مشيرا إلى أن الخطة تشمل نظاما واسع النطاق لأنواع جديدة من السفن وبالأساس غواصات نووية مسلحة بصواريخ كروز وغواصات متعددة الأغراض ، ويبدو أن فنزويلا سيكون لها دورا مؤثرا في تلك الخطة بالنظر إلى قربها الجغرافي من "العدو" الأمريكي.
طرد السفراء
وتبقى العقوبات الدبلوماسية التي أقدمت عليها بوليفيا وفنزويلا ضد واشنطن هى الدليل الأقوى على أن موسكو بدأت مواجهة جديدة مع واشنطن ولكن ليس في جورجيا هذه المرة وإنما في أمريكا اللاتينية التي تمثل عمق الأمن القومي للولايات المتحدة.
فمنذ انتهاء الحرب في جورجيا ، والتقارير تتزايد حول أن روسيا تعتزم استخدام ورقة الأنظمة اليسارية اللاتينية المناهضة لواشنطن ، ردا على سعى بوش لنشر الدرع الصاروخية الأمريكية في بولندا والتشيك بالقرب من حدودها وللانتقام من واشنطن التي أرسلت سفنا حربية إلى جورجيا لتوصيل مساعدات وإظهار الدعم للرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي.
وبالنظر إلى أن فنزويلا أقرب حلفائها هناك ورابع أكبر مصدر للنفط للولايات المتحدة ، فقد بدأت بالتنسيق معها وهو ما ظهر واضحا في قرارات طرد السفراء ، ففي 10 سبتمبر، فوجيء العالم بقرار الرئيس البوليفي ايفو موراليس طرد السفير الأمريكي لدى بلاده بعد اتهامه بالتحريض على القيام باحتجاجات مناهضة للحكومة ، ولم يكد يمر يومان ، إلا وتلقت واشنطن ضربة قاصمة أخرى عندما أعلن شافيز عن خطوة مماثلة تضامنا مع نظيره البوليفي ، بل وهدد أيضا بوقف إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة .
الإجراءات القوية السابقة لم تكن لتظهر للوجود لولا دعم روسي واضح ، فقد أرسلت موسكو في 11 سبتمبر طائرتين من قاذفات القنابل البعيدة المدى إلى فنزويلا ، في خطوة استعراضية جديدة لقوتها العسكرية ، بعد الحرب في جورجيا ، وأعلن شافيز صراحة أن مهمة القاذفتين الاستراتيجيتين من طراز توبوليف 160 اللتين هبطتا في أكبر دولة مصدرة للنفط في أمريكا الجنوبية هى تعزيز العلاقات العسكرية والتصدي للنفوذ الأمريكي في المنطقة ، مشيرا إلى أن روسيا أصبحت "قوة عظمى عالمية جديدة".
أزمة بوليفيا
موسكو لم تنس أيضا بوليفيا الغنية بالنفط والغاز والتي يعتبر رئيسها من أكبر معارضي واشنطن في أمريكا اللاتينية ، ويبدو أن الأزمة السياسية التي تعيشها تلك الدولة كانت بمثابة الهدية المجانية لروسيا لخنق الاقتصاد الأمريكي أكثر وأكثر. رئيس بوليفيا يؤرق مضاجع بوش
فمنذ الاستقلال عن الاستعمار الإسباني ، يسيطر أشخاص من أصول أوروبية على الموارد الطبيعية مثل الأراضي الزراعية الخصبة واحتياطات الغاز الطبيعي ، بينما يعاني السكان الهنود الأصليون الذين يمثلون ثلثي السكان من الفقر والبطالة .
الرئيس البوليفي إيفو موراليس يعتبر أول رئيس من أصول هندية يجلس على كرسي الحكم منذ استقلال البلاد ، كما أنه ذو توجه اشتراكي ، وهو الأمر الذي أغضب طبقة المالكين الأوروبيين المتنفذة في البلاد .
أيضا أغضب واشنطن بعد أن بدأ بتوثيق تحالفه مع شافيز عدو بوش اللدود ، وبعد قيامه عقب توليه الرئاسة عام 2005 بتأميم صناعة النفط والغاز وإلزامه الشركات الأجنبية العاملة هناك بتسليم إنتاجها للشركة الحكومية (واي بي أف بي) لتتولى عملية البيع وتحصيل العائد.
بوليفيا تمتلك ثاني احتياطي من الغاز بأمريكا الجنوبية بعد فنزويلا ، وتنتج حوالي 100 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا ، وجاء قرار التأميم ليؤثر بشكل سلبي على إمدادات الغاز لأمريكا ، كما سبب خسائر كبيرة لحوالي 26 شركة أجنبية بينها ريبسول الأسبانية وتوتال الفرنسية وأكسون الأمريكية وبريتيش غاز البريطانية .
من هنا تحركت واشنطن لدعم معارضي موراليس وخاصة في ولاية سانتا كروز التي تعرف اقتصاديا بأنها رئة بوليفيا ، حيث يوجد فيها أكبر قسم من الناتج القومي من حقول الغاز والسهول الزراعية الخصبة ، كما توصف سياسيا بأنها منطقة المعارضة اليمينية التي تقف بالمرصاد لحكومة موراليس ذات التوجه الاشتراكي.
وبالفعل أجرت سانتا كروز استفتاء في 4 مايو 2008 حول الحكم الذاتي وجاءت النتائج بالموافقة وهو الأمر الذي وصفه موراليس بأنه غير شرعي ومبادرة انفصالية ، وأعلن عن وضع دستور جديد ينص على إعادة توزيع الثروات لمصلحة السكان الفقراء.
هذا القرار اعتبر ضربة قاصمة لسانتا كروز ولذا سارعت واشنطن لإقناع حلفائها في خمس ولايات من ولايات بوليفيا التسع لعرقلة تعديل الدستور ، على أمل الحد من آثار قرار التأميم والعودة بقوة لسوق الغاز البوليفي ، خاصة وأن الولايات السابقة تضم أكثرمن ثلثي الثروة الوطنية.

وبناء على المخطط السابق ، بدأت منذ منتصف أغسطس الماضي احتجاجات في الولايات الخمس ضد مساعي وضع دستور جديد ينص على إعادة توزيع الثروات لمصلحة السكان الفقراء.

الاحتجاجات تطورت إلى حرب شوارع بين أنصار المعارضة ومؤيدي الرئيس موراليس في شمالي وشرقي البلاد ، الأمر الذي أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة 34 آخرين .

وبالنظر إلى أن عدم اتخاذ قرار حاسم قد يهدد بحرب أهلية في البلاد ، فقد سارع الرئيس البوليفي للقضاء على مثيري الفتنة ، حيث اعتبر السفير الأمريكي في لاباز فيليب غولدبرغ شخصا غير مرغوب واتهمه بتأجيج الاحتجاجات التي شهدتها سانتا كروز في شرقي البلاد، وولاية باندو في الشمال ، كاشفا في هذا الصدد عن اجتماع عقده السفير الأمريكي مع حاكم ولاية سانتا كروز روبين كوستاس في أواخر أغسطس الماضي .

هدية جديدة لإيران
موراليس اتخذ هذا القرار الجريء بناء على عدة معطيات منها أن بوش غارق حتى أذنيه في العراق وأفغانستان والقوقاز ، ولذا فإنه لن يجرؤ على أي رد عسكري ، هذا بالإضافة إلى أن رد فعل شافيز وإقدامه في 12 سبتمبر على طرد السفير الأمريكي لدى فنزويلا باتريك دودي ، إنما يؤكد أنه كان هناك تنسيقا مسبقا بينهما ، وأنهما على ثقة من دعم موسكو في مواجهة أية خطوات انتقامية من قبل واشنطن ، ولعل هذا ما ظهر واضحا في إعلان شافيز خلال زيارته لموسكو أن تعزيز التعاون مع روسيا هو مصلحة لفنزويلا وبوليفيا وكافة دول أمريكا اللاتينية. ميدفيديف يواصل نجاحاته ضد بوش
ويبدو أن الهدايا المجانية لإيران لن تتوقف ، فقطع العلاقات الدبلوماسية بين بوليفيا وفنزويلا من ناحية ، وواشنطن من ناحية أخرى ، شكل تحديا إضافيا أمام أي مغامرة عسكرية من جانب إدارة بوش ضدها ، لأن أي تهور في هذا الشأن من شأنه التأثير على امدادات الغاز والنفط من الدول الثلاث لأسواق الغرب.
فالعلاقات بين إيران وبوليفيا وفنزويلا تتميز بالقوة وتصل لدرجة التحالف باعتبار الدول الثلاث من مناهضي الإمبرالية الأمريكية ، وهذا ما ظهر واضحا في زيارة شافيز أكثر من مرة لإيران وتحذيره من أن فنزويلا ستدعم إيران في حال إقدام أمريكا على مهاجمتها .
موراليس هو الآخر زار إيران في 9 فبراير الماضي ، وأكد للرئيس محمود أحمدي نجاد أن طهران ولاباز حليفان طبيعيان في مواجهة واشنطن .
وجاءت الأزمة المالية الخانقة التي يعاني منها حاليا الاقتصاد الأمريكي لتعطي دفعة قوية لتعزيز تحالف الدول الثلاث ، بل وقد تكون كلمة السر في إفشال أي تفكير أمريكي بضرب إيران في الفترة المتبقية من حكم بوش.

وخلاصة ما سبق أن تنامي المد اليساري في الفناء الخلفي للولايات المتحدة إنما يؤكد فشل واشنطن في تسويق نموذجها الليبرالي لدي شعوب المنطقة التي تعتبرها حديقتها الخلفية ، وهذا ما أدركته روسيا وإيران.