منقوووووووووول

يوليو وووه !
.................................................. .............
عزازى على عزازى
....................


بصوت أخنف يمر صوت المثقف مباشرة من الحنجرة إلي الأنف، حينما يتحدث عن ثورة يوليو كأنها مرحلة بائدة في التاريخ كانت نتيجتها النكد والسواد، أما قائدها فهو أشبه بمأمور قسم المنتزه، يعشق الاعتقالات زي عينيه ويحتفظ بالأحراز لنفسه، ثم يعدل المتحدث وضع نظارته السميكة فوق عينيه، وينظر بحرفية تجاه كاميرا «الجزيرة مباشرة»، ثم يمط شفته السفلي وهو يدوس علي الحروف، أو يدهسها بين أسنانه قائلا في ثقة فاجرة: لم يبق من يوليو سوي الاستبداد والديكتاتورية وحكم الفرد، وإجهاض المواطنة والحكم المدني، الحاضرون يتطلعون باندهاش، وهم يستمعون للمثقف الاستراتيجي الذي شطب بالأستيكة كل الإنجازات والتحولات والانحيازات الناصرية، يسأله أحد الحضور في براءة: طيب إيه العمل يا دكتور؟ فينطلق الأخ الاستراتيجي كشريط تسجيل «سافف» يعلو صوته وينخفض، ما بين الحدة والغلظة: «لابد من أجندة وطنية شاملة تسعي باتجاه التغيير السلمي الديمقراطي، ولابد من إعادة الاعتبار لقضايا المرأة والطفل والأقليات، وقضايا البيئة وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والحريات، فتلك الأجندة التي نناضل جميعا من أجل تفعيلها هي الكفيلة بوضع الإصلاح السياسي موضع التنفيذ، وسوف يقضي ذلك تلقائيا علي موجة الصعود السلفي الوهابي بخطابه المتخلف وبمنطقه الإقصائي الإرهابي».. ويستمر المفكر في شرح وتحليل برنامجه لإنقاذ مصر، لنكتشف بعد كل ذلك أن قضية الختان أكثر أهمية من قضية الأمن القومي المصري، وأن العدو الحقيقي للمجتمع ليس (إسرائيل) وأمريكا وليس الفساد والظلم الاجتماعي والبطالة والبيع، بل العدو هو الظاهرة الإسلامية، وفي ذلك السياق تأتي ثورة يوليو باعتبارها المسئول الأول عن الكارثة التي تحياها مصر، أما المرجعيات الفكرية والسياسية فعبارة عن كوكتيل من مقولات ثورة 1919 مثل «الدين لله والوطن للجميع.. الوحدة الوطنية» وطبعا لا يتحدث المثقف الأخنف عن مطلب الاستقلال التام أو الموت الزؤام الذي زعقت به الناس في ثورة 1919، وبالإضافة لذلك تدخل بعض المبادئ الليبرالية إلي الخلطة الجهنمية، ممزوجة بما تبقي من تعبيرات تنتمي لتراث الماركسية العلمية مثل «التراكم والجدل وفائض القيمة والحلقة الرئيسية»، يخرج أحد الحضور غاضبا: يا دكتور نريد جوابا شافيا عن الحل في 11 ألف فدان يتعرضون للبوار في الدقهلية؟ يجيب المفكر بهدوء أخنف: لو فيه ديمقراطية ما حدث ذلك العطش والبوار.. يعود الشاب القرفان: طيب يا باشا إنت صاحب حزب ديمقراطي وعندك صحيفة تقول ما تشاء، وكل شيء نراه في وسائل الإعلام ومع ذلك الأرض عطشانة والناس ريقها نشف!!
كان الشاب يريد أن يصرخ: يوليووووه، فالعطشي يقولون يوليو والعاطلون يقولون يوليو، والفقراء وعمال المصانع المخصصة وفلاحو الأراضي المنتزعة، وطلاب المجانية المجهضة، والمرضي بلا علاج والموظفون بين الطرد والمعاش المبكر، والمقدمون علي الانتحار والمعرضون للغرق والاحتراق، الكل يزعق.. يوليوووه، أبناؤنا المهانون خارج الحدود، العلماء والأطباء والمهندسون وعمال البريد والقضاة والمحامون كل أصحاب المصلحة في عودة دولة الكفاية والعدل، يقولون: يوليو، بالغناء حينا، وبالعويل أحيانا، لكنها تسكن ضمائرهم، بقدر انحيازها الكامل لهم.. والخلاصة أيها المثقف الاستراتيجي المنقطع الصلة عن أهله وناسه، والذي يراقب ببرود وضيع ألسنة اللهب تلتهم مجتمعه، لن نجادلك، لأن الأغلبية الكاسحة في مصر تدرك تماما أن من أصابتهم التخمة في العقل والبطن، لا يمكنهم أن يشعروا بطعم الملح الذي يسيل علي ريق العطشي، وهم يرفعون «الجركن» طلبا لشربة ماء