عودة إلى الموضوع وإجابة سؤال الأستاذ prof2013

• بعد مرور شهر ..." أنا عايز أرجع مصر ...!!!”


بعد فترة قصيرة يحدث ردة فعل مضادة أو نوع من المقاومة و الرفض

Denial
Resistance

وهذه وإن كان قد يستنكرها بعض القراء (وقد يقول البعض سفرني بس وأوعدك عمري ماهقولها ) إلا أنها حقيقة و رد فعل طبيعي…لأن طبع الإنسان وإن كان متمردا ورافضا وساعيا للتغيير …إلا أنه بمجرد نجاحه في إحداث هذا التغيير ...تجده هو أول من يقاوم هذا التغيير لأن الإنسان بطبعه

أسير مايألف وعدو مايجهل

فإذا ماصادف ما يألف وما عاهده من مخزون داخلي للخبرات والعادات والعرف السائد صار عنده مقبولا ولا يجد صعوبة في إدراكه وتقبله أما إذا صادف مالا يعرفه وليس عنده سابق خبرة به ,ولو كان أفضل, وجد صعوبة في قبوله وتشبث لا إراديا بما عنده والدليل

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (البقرة) (170) -

قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (الأنبياء) (53) -

قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (الشعراء) (74) -

بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (الزخرف) (22) -

أي أنه حتى في أمر العقيدة كانت الحجة دائما أن هذا النبي المرسل قد جاء بما لم يعهده ولم يألفه قومه من قبل

إذا فبالرغم من المعاناة والآلام التي دفعته بداية إلى الهجرة ...إلا أنها في عقله الباطن مألوفة وليست جديدة مقارنة بهذا العالم الجديد الذي يعرف تماما بالعقل والمنطق أنه أفضل كثيرا …غير أنه جديد وغير مألوف وهذا يولد شعور بالخوف و الشك فيما إذا كان قرار الهجرة فعلا هو القرار الصحيح

و تتنوع ردة الفعل هذه من حيث القوة بحسب عوامل كثيرة منها :

- هل هذه أول تجربة سفر خارج مصر ؟
- هل هذا المهاجر عازب أم معه أسرته ؟
- هل هجرته عشوائية أم كان يسبقها ترتيب وتخطيط ؟
- وجود وظيفة و رصيد مادي ؟
- وجود قريب من العائلة مستقر في كندا يكون في إستقباله ؟

بقدر توافر العوامل السابقة بطريقة إيجابية , بقدر ما تتضاءل حدة هذه المقاومة

-----------------------------
المرحلة التالية هي مرحلة الإستكشاف و محاولة التأقلم وهنا يتولد صراع جديد: صراع المقارنة و إستبدال المفاهيم والتعريفات

دعونا تنفق أن عقل الإنسان بصفة عامة لا يدرك معنى القيم المطلقه absolute value ... و لكنه قد يتفهم القيم النسبيةrelative value ... و القيمة النسبية تحتاج إلى قيمة مرجعيةreference point للمقارنة ولذلك التعبيرات العامة مثل :

الجو حار أو بارد

أو فلان غني أو فقير

أو فلان قوي أو ضعيف

أو لقد جئت من سفر طويل

هذه التعبيرات وحدها (حار , بارد , غني, فقير,قوي ,ضعيف , طويل , قصير...) لا تكفي للعقل ان يتصور أو يدرك المعنى المقصود بها.

فمثلا عندما نقول أن الصيف في مصر حار جدا ولا يكاد يطيقه بشر وكيف لبشر أن يتحمل درجة حرارة تصل إلى 40 درجة وتزيد فهذا الكلام بالنسبة للمصري الذي ولد وتربى وعاش حياته في مصر يعتبر كلام منطقي جدا يؤيده جميع المصريين حيث يشترك الجميع في خلفية أو مرجعية واحدة وتعريف واحد لمعنى الصيف والجو الحار إلى أن تواتيه الفرصة أن يسافر إلى احدى دول الخليج مثل الكويت ويعايش الفرن الصيفي ودرجات الحرارة الغير طبيعية ساعتها يشعر أن صيف مصر هو صيف معتدل جدا

كذلك عند تعريف الطقس البارد فإن مرجعيتنا هي الشتاء في مصر وكيف نتجمد من البرد في شهري يناير وفبراير بينما نرى السياح الأجانب يرتدون الشورت والتيشيرت والنظارة الشمسية ومستمتع بهذا الجو الدافيء . أنت تعاني من البرد وترتجف مع ارتداء اكثر من طبقة ملابس وكلسون صوف وشخص اخر في نفس الجو يرتدي شورت وتيشرت و مستمتع ومنتعش . الجو واحد والحرارة واحدة ولكن إستقبال الجسم مختلف فإذا كانت الحرارة وقتها 10 درجات مئوية مثلا فهذه الدرجة بالنسبة للمصري تعتبر ثلاجة أما بالنسبة له تعتبر ربيع لأن الحرارة في بلده في هذا الوقت -15 تحت الصفر فهو عنده تعريف مختلف لما يسمى بالشتاء والبرد

مثال أخر عند تعريف الغنى والفقر من الناحية المادية فقد يفتخر شخص بمرتبه الذي قد يصل إلى 20 أو 30 ألف جنيه في الشهر حيث يعمل في مجال نادر أو في شركة عالمية أو أي سبب من الأسباب فهذا المرتب بالنسبة لمن دخله 200 أو 300 جنيه في الشهر يعتبر مرتب خيالي ولكن الأثنين معا مقارنة مع بيل جيتس مثلا ..... ماذا نسميهم؟؟ وعلى الجانب الأخر فإن هذا الموظف الغلبان والمحدود الدخل في تعريفنا هو ملك بالنسبة لشخص أخر ساقه حظه وقدره أن يكون فردا في قطاع من العالم مبتلى بالشقاء والمجاعات و الأمراض و الأوبئة وممزق بالحروب الأهلية

وهكذا إدراك الإنسان في كل أمور حياته قد يظن الإنسان بإدراكه المحدود وعقله القاصر أنه قد ادرك وفهم القيمة المطلقة والتعريف الحقيقي للأشياء بينما هو في حقيقة الأمر يتكلم عن قيمة نسبية وفقا لتعريفه لمعنى هذه القيمة وهذا التعريف هو ناتج عن محصلة بيئته و نشأته و مستوى تعليمه و مدى إتساع أفق إدراكه.

يتبع بإذن الله...