بلاد لا تركب الدراجة ‼






د. أيمن محمد الجندي
قد يبدو لك الأمر تافها، أو معدوم الدلالة . لكني سأحاول أن أبرهن لك أن إعراض الطبقة الوسطى في مصر عن ركوب الدراجة يدل بشكل عميق على تشوه في بنية الشخصية المصرية المعاصرة ، وافتقارها إلى المرونة اللازمة للتعامل مع متغيرات الحياة . لا أعني طبعا أن ركوب الدراجة سيحل مشكلات مصر ، ولكنني أقصد أن حل مشكلات مصر سيترتب عليه قبولا إجتماعيا لاستخدام الدراجة ، بمعنى أن إعراضنا عن الدراجة عرض لمرض ، وليس المرض نفسه .

هذا في المجمل ، والآن نبدأ التفصيل .

لا أعني طبعا أن الدراجة حل استاتيكي ثابت مناسب لجميع المدن . من المؤكد أن الدراجة حل غير مطروح في مدن كبيرة كجدة والرياض ، وبالتأكيد لا تناسب الأحياء المتباعدة في القاهرة ، لكن مصر ليست مدينة القاهرة فحسب ، بل توجد عشرات المدن ومئات المراكز وآلاف القرى ، الكامنة في عمق الريف ، حيث لا تسمح ظروف الزراعة بالتمدد العمراني ، ولذلك فكلها ضيقة المسافات محدودة المساحة .
طنطا ، بنها ، المحلة ، المنصورة ، الزقازيق ، الأقصر ، أسوان ، بني سويف ، رأس البر ، دمياط ، كل المدن المصرية تقريبا باستثناء القاهرة ( وربما الإسكندرية ) تتمتع بنفس الصفات السالفة الذكر ، مساحة ضيقة وشوارع محدودة ، يمكن أن تقطعها على قدميك بسهولة . لكن الكثافة السكانية العالية في مصر تحتم أزدحام الطرقات ، وتكدس السيارات ، وتوقف المرور . بحيث أن المشي كثيرا ما يكون أسرع من ركوب السيارات .

عشر سنوات مضت منذ أن أكتشفت أن السيارة تمثل لي عبئا أكثر منها راحة ..كنت قد بعت سيارتي على نية شراء الأفضل ، وفيما كنت أبحث وأقارن أكتشفت أنني من غيرها أسعد ..تخلصت من هم قيادتها في كرنفال طرقاتنا المجنون ، سيارات ..حافلات ..دراجات هوائية وبخارية..شاحنات عملاقة ..عربات كارو تجرها الحمير وأخرى تجرها خيول.. كلها تسير معا في طرقات مصر ، المكان الوحيد في العالم الذي يحدث فيه تصادم بين عربة كارو وسيارة مرسيدس ، ثم لا يندهش أحد !!.. بشر عابرين ومتقاطعين ومتسكعين في عرض الطريق ، كأنهم يعبرون صالة بيوتهم – والفوطة على أكتافهم - إلى الحمام لحلاقة ذقونهم . باعة متجولون ، ومتسولون يجذبون كمك ويشتتون انتباهك لحظة عبورك أمام شاحنة !! وأطفال شوارع يقفون في الإشارات يلطخون زجاج سيارتك بفوطة متسخة ويطالبونك بأجر ..ووسط الكرنفال قطط وكلاب وأحيانا بط وكتاكيت تعبر الطريق في احتراف وثقة .
حينما بعت سيارتي تخلصت – في الوقت نفسه - من هم الركن في المواقف المزدحمة ، من منادي السيارات الذي يعتبر رفع مساحتي السيارة دليل قاطع أنه قام بعمل . تخلصت من التعامل مع شرطي المرور ذي الشارب المخيف . السمكري والميكانيكي والكهربائي ، ومأزق تعطل السيارة في وسط الطريق . تحررت من الخوف على السيارة من السرقة أو الخدش ، لم أعد مضطرا للذهاب بها إلى مغسلة السيارات ، أو تنظيفها من الداخل ، عشرات التفاصيل التي لا تعني لي سوى التعب .
بعدها صرت أسير في الطرقات خفيف اليدين منشرح الصدر كعصفور طليق ..أستخدم سيارات الأجرة أو أمشي حين يغري الطقس بالمسير . لسنوات طوال أتعبت نفسي في شيء لم يجلب سوى التعاسة ، كنت خادما للسيارة بدلا من العكس . بالطبع لم يكن أختياري نهائيا ، وإنما ظروف أقامتي في مدينة صغيرة شجعته ، لكني بالتأكيد كنت سأستخدم سيارتي الخاصة لو عشت في المدن الكبيرة ذات المسافات المتباعدة ، لأن عيوب عدم اقتنائها في هذه الحالة ستكون أفدح من عيوب أقتنائها .

وبرغم ما ذكرته من المسافات المتقاربة في معظم مدن مصر ، يصر المصريون على أقتناء السيارة ، التي تمثل حلما عزيزا لكل أسرة مصرية ، تقتطع من قوتها الضروري ، أو تضطر لتغيير أولوياتها من أجله ، رغم أن استخدام الدراجة يمثل الحل المنطقي لمشكلة المرور .
الدراجة زهيدة الثمن ، بضع مئات من الجنيهات ، بعكس سيارات مصر التي هي أغلى سيارات العالم بسبب ضرائبها الباهظة . الدراجة بلا صيانة ، فيما السيارة باهظة التكاليف . الدراجة بلا وقود ، والسيارة تستهلك الوقود . الدراجة صديقة البيئة فيما تضخ السيارة أطنان العادم ..الدراجة تجعل الشوارع واسعة ، وتقضي تماما على تكدس المرور . الدراجة تحافظ على الأسفلت الذي تستهلكه السيارات بما يقلل من تكاليف الصيانة .
باختصار لا يوجد سبب واحد معقول يدفعنا لاستخدام السيارة حين يمكن استخدام الدراجة . وبرغم الدخل المنخفض للمواطن المصري عن نظيره في المجتمعات الأخرى ، إلا أنه يصر على شرائها وقيادتها في المسافات الصغيرة التي لا تحتاج سيارة ، في الوقت الذي يستخدم الجميع في العالم المتقدم الدراجة ، الغني والفقير ورئيس الجامعة والطالب في نفس الجامعة دون أن يشعر أحد أنه يقوم ببطولة أو عمل معيب ‼.
والتفسير الذي أطرحه هنا أن السبب في ترك الحل السهل الرخيص واختيار الصعب المكلف ، يكمن في كلمة واحدة : السيارة لم تعد مجرد وسيلة انتقال بل أداة للتفاخر الاجتماعي والصعود الطبقي ، وهذه هي مشكلته ومكمن الصعوبة في تغييره .

لذلك أقول إن عدم القبول الإجتماعي للدراجة عرض لمرض ، التشوه النفسي لمجتمع التكلف والتعاسة ، عكس الغرب المتقدم الذي يمتلك البساطة والإمكانيات معا .
أسباب رفض الدراجة هي ذاتها أسباب العنوسة وتأخر الزواج ..حينما نترك الحل السهل الرخيص ونصر على الحل الصعب المكلف : التقاليد المعوقة التي يصطلي بنارها شباب الطبقة الوسطى وتجعلهم يؤخرون زواجهم من أجل شبكة باهظة الثمن وحفل زفاف وتأثيث المنزل بأربع غرف ، فيما الغرب المتقدم يتزوج بأقل التكاليف ، منزل صغير بإمكانيات عادية تتطور مع إنجاب الأطفال وتقدم العمر وتراكم المدخرات ..يحدث هذا رغم فارق الإمكانيات الشاسع بيننا وبينهم وكأن التكلف مرادف للتخلف والبساطة مرادفة للتقدم الحقيقي ..
مرة أخرى هو التفاخر الطبقي والتقاليد المتجذرة في أعماق المجتمع تتعسنا وتشقينا ، ولا نفكر في تغييرها .

وإذا تساءلت متى تسود ثقافة البساطة ؟ ، ونقوم تشوهنا النفسي ، متى نكون عمليين دون عقد ؟ ، ونستخدم الأساليب العلمية العملية من أجل حل مشكلاتنا ؟ ..متى نفضل الحل السهل على الحلول المكلفة ؟، متى يتزوج الشباب وتنتهي مأساة العنوسة ؟ ، متى نتعامل بمرونة مع متغيرات الحياة ؟ ..حينما تتساءل عن هذا كله سأجيبك في ثقة : يحين هذا الوقت حينما تجد طرقات مدننا الصغيرة خالية من السيارات ، مليئة بالدراجات تسير في يسر وثبات وبساطة .

موضوع النقاش منقول من : "العربية.نت"
** هذا ليس خبر و إنما مقالة أحببت أن أنقلها هنا لمشاركة الأفكار و مناقشتها حيث أني رأيت أن أسلوب الكاتب و طرحه للفكرة ممتاز .

و الآن

أعزائي و أخواني مستخدمي نايل موتورز

حيث أننا منتدى سيارات في المقام الأول و هذه الفكرة التي طرحها الكاتب تتحدث عن السيارة و مقارنتها بالدراجة الهوائية التي لا تحتاج إلا إلى المجهود البشري في قيادتها .

و بمناسبة هذه المقالة أُحب أن أُبين شيء مهم أو مثال هام و كنت أريد مناقشتكم فيه منذ زمن طويل يزيد عن السنة


لماذ فعلا نحن المصريين .....لدينا كل هذه التعقيدات في الحياة ؟؟
لماذا نأخذ السيارة في مسافة لا تتعدى 500 متر للذهاب إلى المسجد أو السوق لشراء بضع كيلوجرامات من الطماطم أو البطاطس ؟؟؟؟

( جيراني بيعملوا كدا -- المسافة بينا و بين المسجد و السوق لا تتعدى 400 متر )


و تذهب إلى المسجد و تجد كم سيارات أغلق الطريق تماما و عندما تنظر إلى أصحاب السيارات ......... تجد أن كلهم بدون أستثناء يأتي من أبعد مسافة و هي 1 كم فقط من منزله إلى المسجد بالسيارة ........ و يسد الطريق تماما و يتركون أماكن أبعد عن المسجد بثلاثين مترا مثلا و يركنون السيارة بجانب المسجد .
و كأن الناس نُقشت على أرجلها ( الحناء ) كما يقول المثل العربي القديم !!!!!
لماذا هذه الغرابة في التصرفات ؟؟؟
لماذا نصر على التصرف بهمجية و تعُقد و تكلف ؟؟؟؟؟

لماذا تصر النساء الأغنياء في مصر على ركوب سيارات طويلة كبيرة ذات محركات ضخمة و هم لا يستطيعون ركنها ؟؟؟ أو قيادتها بطريقة فعالة ؟؟؟
لماذا يصر الرجال على شراء سيارات كبيرة فارهة غالية الثمن لقيادتها لمسافة 10 كم يوميا للذهاب للعمل ؟؟؟؟؟

لماذا نتكلف و نُعقد حياتنا ؟؟؟؟؟

الأبتعاد عن التواضع ........ و المظهرية غيرت حياتنا للأسوء .
تخيلوا أن لي جار شاهدني و أنا أقوم بتلميع سيارتي بورنيش تلميع مخصص للسيارات ( بوليش ) .....

فأقترب مني و قال ماذا أنت فاعل ؟؟؟؟
فقلت كما ترى .... أقوم بتلميع سيارتي

فقال و لماذا تفعل ذلك .... خُذها إلى أي محطة بنزين و هُم سيقومون بالواجب و لا تُهين نفسك !!!!!!!

فقلت له و كيف أُهين نفسي ...؟؟؟ و أنا لا أطلب حسنة من أحد أو قمت بالتسول مثلا ؟؟؟
فقال و لكن مادام تملك المال لفعل ذلك .... فما الداعي أن تفعله بنفسك ؟؟؟
طبعا الحوار معه كان في طريق مسدود لأنه مقتنع بأن الوجاهة الأجتماعية هي أن يخدمك الناس مادمت تملك المال لأستئجار خادمين لك !!!!

طبعا ثقافة متخلفة لا تجدها في الدول الغنية المتقدمة

و أضفت المتقدمة لكلمة غنية لأني أعلم جيدا أن بعض الدول الغنية فقط مثل بلاد الخليج العربي يُفكرون بنفس منطق المصريين


( بالمناسبة جاري هذا تغير تماما الآن ووجدته يقوم بغسيل سيارته بنفسه و لا يجد حرج في ذلك الآن .

و أنا سعيد بأني غيرت تصرفه السلبي بسبب مشاهدته لي و أنا أفعل شئ عادي جدا يفعله أي بني آدم سوي .
على فكرة أنا لم أقصد أن أفعل ذلك .... و لكن يبدو أنه أقتنع بوجهة نظري في الموضوع ....