ده مقال تاني في الأهرام النهاردة عن نفس الموضوع:
أوراق خاصة
بقلم نبيـل عـمــر
جريمة عبثية!
هذا حادث قتل عمد في منتهي العبثية..
كان الأستاذ توفيق عبد الرحمن يقف في شارع أحمد عرابي بقلب القاهرة منتظرا سائقه الخاص ليقله بسيارة ابنه إلي بيته القريب, بعد أن أصلح إطاراتها, وفجأة جاء ميكروباص طائش وخبط السيارة بقوة.
الأستاذ توفيق رجل مثقف وإعلامي وأديب كتب رواية صدرت قبل سنوات عن وزارة الثقافة أثارت صخبا شديدا وصل إلي مجلس الشعب, وأيضا سنه تجاوزت السبعين, ولايقدر علي المناهدة والخناق والدخول في مشاحنات, فالزمن عياره فلت والفوضي ضاربة في الشوارع, وشاف ان الميكروباص بلا لوحات معدنية, فقال للسائق بصوت هادئ خليك واقف لاتتحرك سوف أطلب البوليس ليفصل بيننا!
حاول السائق المعتدي ان يثنيه عن التمسك بقدوم الشرطة والاكتفاء بالحل الودي ويابخت من يسامح, فهو بلا رخصة قيادة, والميكروباص نفسه بلا لوحات, منتهي الاستهتار في عز النهار في واحدة من أزحم مناطق العاصمة, وهو استهتار يجعلنا نتساءل: أين رجال المرور المنتشرون في الإشارات والميادين؟!. ما أسباب الجرأة التي سولت لسائق الميكروباص ان يقوده بلا رخصة بلا لوحات معدنية؟!
المهم ان الأستاذ توفيق من جيل عاش علي احترام القانون, وظل متمسكا به, فإذا بالسائق أو صاحب الميكروباص يأمر التباع الذي معه يدهس الأستاذ توفيق أمام المارة قبل موعد الإفطار بساعتين أو ثلاث ساعات تقريبا.
ودهس الميكروباص الأستاذ توفيق عمدا وفر هاربا, واختفي السائق والتباع وسط الضجيج والصخب والصدمة التي أصابت الناس.. لكنهم أسرعوا خلفه وضبطوه!
صحيح ان الشرطة قبضت عليهما بعد ساعات, لكن ليست هذه هي القضية, القضية في ملابسات الحادث العبثي, الذي يخرج لنا لسانه مستهزئا بنا جميعا, فالفساد ليس مجرد رشوة سوف تدفع وتتيح لميكروباص متشرد ان يمشي في شوارع القاهرة, أو قانون يتعامل معه قطاع كبير من الناس علي انه خيال مآتة ولايعملون حسابه, الفساد وعدم احترام القانون هما بمثابة وسائل تحريض علي الجريمة, حتي وصل بنا إلي القتل العبثي.
وليست هذه أول جريمة من نوعها.
جريدة الأهرام - أعمدة ـ أوراق خاصة بقلم نبيـل عـمــر
المفضلات