ممكن نوسع دائرة النقاش شوية و نتكلم عن الجزء الاخر من الصورة اللى بتعبر عنه مشاركة سابقة لى فى موضوع اخر- لكى يكون الموضع اشمل و اعم:
"بداية نوضح شوية مفاهيم عشان نكون ارضية نتكلم منها....
الدين هو مصدر الالهام الروحى للانسان لانه الذى يعطى لحياته معنى عميق يتجاوز الوجود الزمنى المحدود.... و كان الدين و الميل الى التدين موجودا منذ بداية الخليقة و قبل قيام الدول (بالمفهوم السياسى) بكافة انواعها، وسيظل موجودا طالما وجد الانسان على الارض....
الدولة هى شكل حديث من اشكال تنظيم المجتمع مرت بالكثير من المراحل منها الدولة الالهية theocracy والتى فى ظلها كان الحاكم يأخذ صفة الاله و ذلك فى فجر البشرية ثم الدولة الدينية التى كان نظام الحكم فيها قائما على توحيد الناس فى ظل عبادة واحدة..... نضجت البشرية قليلا و عرف الناس انواع مختلفة من الحكم السياسى مثل النظام السياسى للرومان مثلا و هو القائم على اساس السلام الرومانى Paxa Romana الذى فى ظله يتمتع كل الناس بالحرية الدينية طالما فى النهاية يدينون بالولاء للدولة الرومانية..... نضجت الشعوب قليلا ايضا فى الالفية الاولى بعد الميلاد و بدأت الدول الاقطاعية feudal states اى الدولة ذات الحدود التى تتنازع فيما بينها فيما ظل الدين فى مكانته السامية فى قلوب الناس..... مع بدايات الالفية الثانية بعد الميلاد و نتيجة للتدخل الشديد للدين فى السياسة بدأ الناس يدركون اهمية فصل الدين عن التداخل مع السياسة للكثير من الاسباب.... اولها ان الدين يتعامل مع ما هو مطلق فى حين السياسة تتعامل مع ما هو متغير باستمرار و ان استمرار ان يحرك الدين السياسة هو ظلم للدين الذى تسمو تعاليمه عن العبث السياسى و البراجماتية السياسية و الغايات التى تبرر الوسائل الى اخره من الاعيب السياسة..... الى ان ظهر عامل اخر كان له الفضل فى قفزات عديدة للبشرية و هو العلم..... العلم اتاح للناس بناء دول حديثة ذات امكانيات تنظيمية تتجاوز امكانيات الافراد.... مثل اقامة مصانع و مزارع عملاقة و خلافة..... الى ان ظهر مفهوم العقد الاجتماعى و دولة الرفاهية welfare state وباختصار شديد: العقد الاجتماعى هو عقد غير مكتوب بين الدولة و المواطن يساهم فيه المواطن ببعض الواجبات التى تتمثل فى الضرائب و الخدمة العسكرية الالزامية مثلا فى مقابل قيام الدولة بمؤسساتها باستخدام هذه الموارد فى توفير الرفاهية للمواطن لاقامة اساليب حياة حديثة توفر للانسان الراحة و الرفاهية مثل المرافق الحديثة و اعانات البطالة و المعاش الاجتماعى و خلافه..... كل هذا حدث لكن ظل الدين هو مصدر الالهام الاساسى للروح الانسانية رغم موجات التذبذب التى شابت مكانة الدين احيانا مثل الشيوعية و الوجودية الملحدة الخ و التى زالت لانها فى النهاية لا تتسق مع ميل الروح الانسنية الى البحث عن الله و هو الفراغ الذى لا يملؤه الا الدين.....
هذا باختصار شديد جدا شرح مختصر جدا لتاريخ الانسان سواء مع الدين او مع الدولة السياسية....
نأتى لمعضلاتنا الحالية..... الدولة الحديثة بشكلها الحالى تقوم على عدة اسس: منها انها دولة مدنية تساوى بين الناس جميعا فى الحقوق و الواجبات لان الوطن هو الخلفية المشتركة التى ينتمى اليها الجميع، لا فارق بين هذا و ذاك سواء بسبب الدين او العرق او اللون الخ.... هذه الدولة هى الاساس المشترك الذى يشعر الناس جميعا بالانتماء اليه له رموز مثل العلم و الجيش المخصص للدفاع عن حدود هذه الدولة و دستور الخ.... هذا الشكل الحالى للدولة وصلت اليه الانسانية بعد ان دفعت ثمنا باهظا من الاضطهاد سواء الدينى او العرقى او حتى السياسى.....
ماذا عن مفهوم الدولة الدينية؟ امامنا نموذجان بارزان فى هذا المجال هما ايران و اسرائيل.... الدولتان تقومان على تغليب الصبغة الدينية و جعلها هى الاساس الذى ينطلق منه كل شئ فى الدولة..... و رغم المظاهر الخارجية للدولة فى هاذين البلدين الا ان الاساس الدينى يظل هو المحرك.... و يكفى ان نتذكر ان احمدى نجاد حينما اتيحت له الفرصة لاول مرة ليتحدث فى الامم المتحدة، لم يتحدث عن السياسة مطلقا انما تحدث عن المهدى المنتظر الذى رأى انه يغمر المكان بهالة نورانية!!!!!!!!!!
ماذا عن مصر؟
مصر بها العديد من الميزات التى تجعلها تختلف عن الاخرين.... اولها انها بالفعل دولة دينية بحكم ميل الافراد الفطرى فيها للتدين منذ الفراعنة..... ثانيها هو الاعتدال الذى يسيطر على الشخصية المصرية- و ان شابته بعض الشوائب- بالفطرة ايضا نتيجة انفتاحها على العالم بسبب حدودها المفتوحة و تقبلها لثقافات اخرى مختلفة منذ ايام الفراعنة ايضا....
ماذا عن السياسة فى مصر؟
بحسب الدستور مصر دولة مدنية- حسب الشكل الحديث من الدول السياسية- اساس التشريع فيها هو الشريعة الاسلامية دين الاغلبية لكن يبقى لطمأنة شركاء الوطن غير المسلمين ان يضاف الى تلك المادة جزء يقول "و يتم معاملة غير المسلمين بحسب شريعتهم فيما يخص الاحوال الشخصية"..... كما ان القوانين الموجودة مستقاة من احكام الدين بالاضافة الى احكام اخرى اقرها المجتمع....
هل يصلح النموذج السعودى لكى نقتدى به؟
النموذج السعودى رغم تطبيقه للشريعة الاسلامية فى ظاهره الا ان الازدواجية التى توجد في المجتمع و الفساد الخلقى الموجود لا يؤهله لكى يكون مثل يحتذى به بالاضافه لكونه مجتمع قبلى متشدد يختلف فى طبيعته عن المجتمع المصرى الاكثر اعتدالا و انفتاحا على الاخر.....
الخلاصة اننى ارى ان دولتنا سياسيا بشكلها الحالى افضل من التطبيقات الاخرى للدولة الدينية سواء (ايران-اسرائيل-السعودية) و مصر بالواقع المعاش دولة دينية بسبب ميل شعبها الفطرى للتدين..... سواء مسلمين او غير مسلمين"
ده نص المشاركة اللى كانت فى موضوع http://www.nilemotors.net/Nile/208269-a.html
المفضلات