............ أعجبنى المقال .................................
منقول
.................................................. ...................................
عباد الله، لا تغرنَّكم الحياة الدنيا ولا يغرنَّكم بالله الغرور، لا تغرنَّكم الأموال لكثرتها ولا يغرنَّكم رغد العيش ونضارة الدنيا وزهرتها، ولا يغرنَّكم ما أنعمَ الله به عليكم من العافية والأمان، ولا يغرنَّكم إمهاله لكم مع تقصيركم في الواجب وارتكابكم العصيان .
إن اغتراركم بهذا من الأماني الباطلة والآمال الكاذبة؛ إنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .
عباد الله، لقد انتشرت في الأمة الإسلامية كثيرٌ من المعاصي حتى أصبح ما كان منكرًا بالأمس معروفًا اليوم؛ إن بعض الناس أضاعوا الصلاة واتَّبعوا الشهوات؛ إن بعض الناس تعاملوا بالربا ومنعوا الزكاة؛ إن بعض الناس ابتعدوا عن الحياء وانتهكوا الحرمات، إنهم صاروا كالبهائم يطلبون مُتع الدنيا وإن أضاعوا الدين، صدُّوا عن سبيل الله واتّبعوا سبل الكافرين، زُيّن لهم سوء أعمالهم فظنوا ذلك تحرُّرًا وتقدّمًا وتطورًا وما علموا أن ذلك تحرر من رقِّ العبادة ولكنه رقٌّ في قيد الشيطان؛ لأن الرقَّ تحت قيود الهوى هو التأخر، فاتَّقوا الله أيها المسلمون.وإني أقول:أسباب هذا التهور في كثير من الأمة الإسلامية ترجع إلى أمرين:
أحدهما: ضعف الدين في النفوس وقوة الداعي إلى الباطل .
والثاني: ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمداهنة في دين الله، وإن حماية الدين لا تكون إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الأمر بما أمر الله به ورسوله والنهي عمَّا نهى الله عنه ورسوله بقصدِ النصيحة لله ولعباد الله .
أيها المسلمون، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة على هذه الأمة التي هي أفضل الأمم وأكرمها على الله إن استقامت على دين الله فإن لم تستقم على دين الله فهي من أرذلِ عباد الله؛ لأنها كفرت نعمةً هي أفضل النعم التي أنعم الله بها على عباده، لقد قال الله تعالى:﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: 104-105] .
فإنْ نحن قمنا بما أمرنا الله به بهذه الآية وبغيرها من الآيات الكريمة وبالسنَّة النبويَّة، إن قمنا بهذا فإننا نحن خير الأمم وأكرمها على الله عزَّ وجل .
وإنه لَيُمكن التساؤل: ما هو المعروف الذي نأمر به وما هو المنكر الذي ننهى عنه ؟
والجواب على ذلك أن المعروف: كلّ ما أمر الله به ورسوله، والمنكر: كل ما نهى الله عنه ورسوله، هذه هي القاعدة في بيان المعروف وبيان المنكر، فما أمرَ الله به ورسوله فهو معروف وما نهى الله عنه ورسوله فهو منكر .
إذنْ: لا بدَّ للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من أن يعلم أن هذا معروف يؤمر به وأن هذا منكر يؤمر به، ولا يُعرف المعروف بما اشتهر عند العامة؛ فإن العامة قد يشتهر عندهم المعروف منكرًا والمنكر معروفًا ولكنّ المرجع في معرفة ذلك إلى كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
إذًا: فيتحتَّم على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يعلم أن هذا الذي أمر به مِمَّا أمر الله به وأن هذا الذي نهى عنه مِمَّا نهى الله عنه وحينئذٍ فيحسُن أن تكون دروس في جميع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُبيَّن للأعضاء فيها ما هو المعروف وما هو المنكر لاسيما فيما شاع بين الناس حتى لا يضلّوا فيأمروا بمنكر أو ينهوا عن معروف .
ولا بدَّ أيضًا بعد أن نعلم أن هذا معروف وأن هذا منكر، لا بدَّ أن نعلم أن هذا قد ترك المعروف وأن هذا قد وقع في المنكر؛ لأن الإنسان قد يترك الشيء المعروف لعذر قام به أو قد يكون قد فعَلَه والآمر لا يعلم به .
مثال الأول: أن ترى شخصًا يصلي الفريضة قاعدًا فهنا لا بدَّ أن تعلم لماذا كان يصلي قاعدًا ؟ ربما يكون معذورًا؛ لأن المريض إذا لم يستطع الصلاة قائمًا فإنه يصحُّ أن يصلي جالسًا لقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لعمران بن حصين: «صلِّ قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب» ولهذا لَمَّا دخل رجل المسجد والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فجلس الرجل فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أَصَلَّيت ؟ قال: لا، قال: قم فصلِّ ركعتين» فلم يأمره بالصلاة ركعتين حين جلس حتى علمَ أنه لم يصلهما .
وكذلك لو رأينا شخصًا يفعل شيئًا مُحرّمًا ولكنه يفعله لعذر فإننا لا بدَّ أن نستفصل هل لك عذر ؟ إذا قال:نَعم فإننا لا ننهاه في الحال التي يجوز له أن يفعل هذا الذي كان منكرًا على غيره؛ ولهذا يجب التثبت على الآمر والناهي ألا يأمر إلا بما يعلم أنه معروف شرعًا وبما يعرف أن هذا الرجل قد تركه وألا ينهى إلا عمّا يعلم أنه منكر شرعًا وأن هذا الرجل وقع فيه، ولكن لا بدَّ من الاستفصال قبل الأمر والنهي إذا كنت شاكًّا في وضع الرجل .
أيها الإخوة، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على فئة معيَّنة من الناس كما يتوهَّمه بعض العامة، يقولون:إذا كان في البلد هيئة قائمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه ليس علينا أن نأمر بالمعروف ولا أن ننهى عن المنكر، ولكن هذا ظنٌّ فاسد؛ لأن الأوامر التي تأمر الناس أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر عامَّة ليست خاصة بشخص دون شخص .
المفضلات