بسم الله الرحمن الرحيم . السلام على من أتبع الهدى
و هو ما علمنا اياه الهادى صلى الله عليه و سلم الى صراط ربه تعالى باذنه ، موضحا الغاية من دينه ، الذى لاجله بعث : أنما بعثت لاتمم
مكارم الاخلاق .. فالمتبع لسنته حتما ان صدق يتخلق بحسن الخلق .
كما ان جمال الجسم هو حسن الصورة الظاهرة للعيان ،.. ، حسن الخُلُق هو هيئة النفس و صورتها
الباطنه وهى التى ستحشر عليها.. و لكى يتم لانسان ما حسن الخلق لا بد من الحسن و الاعتدال فى أربعة اركان من صفاته
و الدوام على ذلك :
1- ضبط قوة العقل ( العلم ) ..فيسهل ادراك الفرق بين الحق و الباطل و الجميل و القبيح من الافعال وصولا الى التخلق ب الحكمة
2- ضبط قوة الغضب ..فلا يصرفه الا على حد الشرع و الحكمة و لوجه الله و رفعة الدين لا للانتصار للنفس حتى يتصف بالحلم
3- ضبط قوة الشهوة ( كسابقتها ) متحليا بالعفة
4- اقامة العدل ..بين قواه كلها حتى يصير حالة و ملَكة دائمة للنفس تسوس بها غرائزها و دوافعها فى كل المواقف
و الرباط على ذلك الى الموت ، لسلامة القلب من التعلق بعوارض الدنيا ( فحب الدنيا رأس كل خطيئه )
و من اعتدال هذة الاربعة ( و الصبر على ذلك ) تنتج و تصدر الاخلاق الجميلة كلها
سأل رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن حسن الخلق ، فتلا قول الله تعالى :
خذ العفو و اامربالعرف و أعرض عن الجاهلين.. ثم قال صلى الله عليه و سلم له :
هو ان تصل من قطعك و تعطى من حرمك و تعفو عمن ظلمك .. انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق
و المتامل لهذه الافعال يجدها كلها عكس حظ النفس تماما . وخروج عن الصفات البشريه النفسانيه الانا ئيه الانا نيه ..مهاجرا و منيبا الى الاخلاق الالهيه .
اذن الجهاد الاكبر الذى هو جهاد النفس هو متابعة اخلاق ا لرسول الحبيب لتتميم مكارم الاخلاق و الجمال الانسانى الباقى ليأتى الانسان ربه يوم القيامة بقلب سليم من امراض حب ما سواه
هذه السلامة المعبر عنها بحسن الخلق ، هذا الجهاد هو اكتساب الاخلاق و الصفات الحميدة و الفضائل ،
و التطهر من الاخلاق الرديئة و الرذائل ، على المكابدة و الرياضة و التربية و حمل النفس قسرا على اتيان الخلق المطلوب فى كل موطن مجاهدا نفسه مدة مديدة الى ان يصير ذلك له خلقا و طبعا بلا تكلف
و يتيسر عليه فعل الافعال الناتجة عن الاخلاق المحمودة شرعا و ترك ما سواها و يواظب عليها مواظبة من يحبها و يكره اضدادها
و كلما كان التخلق و التعبد لله بالتخلق بالاخلاق الالهية يستصحبه استشعار كراهة و استثقال و كظم ، فهو نقصان لا ينال كمال السعادة به .
نعم المواظبة عليها بالمجاهدة خير ، لكن بالاضافة الى ترك اضدادها عن طوع اقل درجات
و لذلك قال سبحانه و تعالى و انها لكبيرة الا على الخاشعين
فاذن المجاهدة تكلف الافعال الصادرة ابتداء ، لتصير طبعا انتهاء
فاذا انضبطت النفس على وفق الدين و الشريعة و أحكمت أتقاء هواها ما امكنها فقد اَن أوان خمودها و انطفاء نارها ..
و قربت ان تلبس حلة الخشوع ....، وهو اول الصراط المستقيم المذكور فى سورة فاتحة الكتاب
و الذى لا يهتدى اليه الا من انعم الله عليه بمتابعة الرسول صلى الله عليو و سلم الى حضرة الله ..
( لقد مّن الله على المؤمنين اذ يعث فيهم رسولا : يزكيهم ..،ويعلمهم الكتاب و الحكمة ، و ان كانوا من قبل لفى ضلال مبين ) .. الضلال المبين الذى فيه فئة : ولا الضالين ، وهم الذين أبوّا الا العمل باهواء نفوسهم بديلا عن شرعه ، ورفعوا اصوات الهوى و محابهم الفانية عن ما حكم به من هدى قويم ، لّما تعارض الحكمان عندهم ..
( وانك لتهدى الى صراط مستقيم ، صراط الله الذى له ما فى السموات و الارض )
فما هو الخشوع ؟
ان الخشوع هوخمود صفات النفس الحيوانية ( و قواها من غضب و شهوة و هوى و كبر، و صفاتها )
كما تنطفىء النار و ان بقى شىء من حرارتها فى الحطب
و همود الطباع البشرية بعد رعونتها و قوتها ( و هذا تغير سيشعر به كل سالك من نفسه )
و سببه تنّور القلب لشعوره بقرب ربه منه و نظره اليه و حياؤه منه و دوام ذكره و أخلاص نياته كلها لوجهه الكريم
فقوى القلب على قهر رغبات النفس
فخشع
فما حال هذا القلب الخاشع يا ترى ؟ وهل خشوعه له درجات ملموسه ؟ فى توجهه نحو رفيع الدرجات سبحانه ؟
من بدايات الخشوع التذلل للامر الناهى تعظيما لامره و نهيه فلا يترك فعلا محمودا الا سارع اليه بقوة
و لا مذموما او مكروها الا تنصل منه بقوة
استسلم لحكم الله فى خلقه و اختفى اعتراضه على كل ما يراه يحدث فى الكون بلا معارضه قلبيه و لا حب تقديم ما اخر الله .. ادبا مشاهدا لحكيم يجرى قضاؤه كيف شاء فى ما خلقه ، فريق فى الجنة و فريق فى النار
الزم الحياء قلبه ان يراه سيده ساخطا على قضاء ، او معترضا على قدر
فهذا غنى و هذا لا يجد ما ياكل وهذا ظالم لهذا .. الخ ..
حديث قدسى :
خلقت الخلق و دبرت التدبير و احسنت الصنع .. فمن رضى فله الرضا منى حتى يلقانى
و من سخط فله السخط منى حتى يلقانى .
-من لم يرض بقضائى ، و يصبر على بلائى ، و يشكر نعمائى ..
فليخرج من تحت سمائى ، و ليختر له ربا سوائى ( و العياذ بالله ) ،انه يتبرأ ممن هذه صفاتهم صراحة قاطعة مرعبة جدا ..فخاف العبد
من الطرد و اللعن ....
فسّلم اليه الامر كله شاعرا دائما بنظره اليه فانتبه الى مراقبة الرأس و ما وعى و البطن و ما حوى
و نصب عينيه دائما اللقاء و الموت و البلى .. حتى لا يصدر عنه جموح او طغيان او تغلبه نفسه المحبوسة خلف قضبان ارادته المتوقدة ،حذرا ان ياتى بشىء نهى عنه الحبيب صلى الله علية و سلم متخلقا ما امكنه باخلاقه متابعا لسنته مبتعدا عن ما يشغل من الدنيا عن ساعات الصفا مع معيوده ..وربه يراقب سره ، فان رأى صدقه فى التوجه :
يهب عليه نسائم موت : "قل ان الموت الذى تفرون منه فانه ملاقيكم ثم تردون الى عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" ..
يوقظه للاستعداد للقاء ربه فى كل حال هو فيها
فاذا قوى نوره شيئا فشىء ورّق حجابه ، اكرمه ربه بشىء من الكشف ، فخاف اكثر و حافظ على حرمة الخلق و ازداد لهم تواضعا بل و دعاء و تواضعا و شفقة
و امسك قلبه و لسانه عن الدعاوى عارفا ان كل ما ظهر عليه انما هو فضل ربه برز من خزائن جوده عليه وهو هو كعبد باق على حاله : كمنبع كل سوء و نقص و محل كل الخطايا كما هو ، انما التغير الذى طرأ على حاله ليس الا كتراب رسب فى قاع الماء فيظن من يرى الماءانه غاية فى الصفاء ليس الاّ .
شعر :
فان اظهروا لم يظهروا غير وصفهم ** و ان ستروا فالستر من اجلهم يحلو
و ان اخطأ : فكانما خرّ من السماء ..و اتهم نفسه و تاب و اناب و ازداد طلبا لربه و فقرا اليه .يبقى حاله كالمتعلق بحبل تحته هاويه سحيقه
يبقى معتصم بحبل الله ( شرعه )
ان تداركه اللطف و القبول يبدأ بالانتقال من الاعتصام بحبل الله الى " و اعتصموا بالله هو مولاكم " ..
ثم يتم الله نعمته عليه ، و تمام النعمة الا تراها و لا تلتفت اليها ، فضلا عن الانشغال بها عن المنعم
2-يصبح هّمه فقط المنعم سبحانه ، و المنعم وحده .. سواء انعم .. ام منع ، فمنعه عطاء (فافعاله ليست كافعالنا )
3- اذا خلصت عبادته و نواياه من العلل و الاغراض تطهر و ارتفع فوق حجب الطلب..
محبا لقاء الله بدون اختيار اى حالة يكون عليها
بل يطير اليه شوقا باى ملابس كونيه
هرب من ورطة النعم و فتنتها
متحققا بعبوديته و اوصافها من عجز و جهل و فقر و ذل تحققا ذاتيا متبريا من ملكية النعم و رؤية نفسه بها
عابدا الله على اى حال اقامه فيها
هنا ينتهى مقام الخشوع بالاخبات ( و بشر المخبتين )
و الاخبات اطمئنان للعبد من الرجوع الى ما خرج عنه من مساوىء النفس فى هجرته المستديمة و فراره الدائم الى كرم ربه
اطمئنان من الطرد لمعرفته بكرم سيده.. عصمة اعتصامه به تغلب بواقى الشهوات و ذكرى المخالفات فينسى كل ما فات
يعصمه ربه بكرمه من اى خطأ من رحمته و كرمه و الارادة تغلب الفتور و الغفلة ، و يضع الله فى قلب المخبت رقيب صارم على خواطره يدعى النفس اللّوامة لا تزال لائمة النفس رقيبة عليه و الملامة هذه وضعها الله عشان تبقى عبد مش رب تخفض هذا و ترفع هذا .لا لا انتفى كل دا من زمان ..
يستوى عند المخبت حب كل الناسأ و كرههم ، تماما يستوى المدح و الذم فلا هذا يفرحه ولا هذا يحزنه و أدبارهم يريحه اكثر من أقبالهم
ليه ؟ اصله اتعمى
انه اعمى حقيقة عن كل نقص فى الناس.. بعدما اغض بصره القلبى عن خلق الله، يرى انه كان اسوا
من اسوئهم لولا تداركته رحمة الله .. و اقل من الكل ، و الكلام يطول و لكن للاختصار :
الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله و ما نزل من الحق؟
يقول لسان حاله و كل عوالمه :
لبيك ربى اصلحت التربة بفضلك و طهرتها و اقتلعت منها الحشائش الضارة
فتكرم يا خير الزارعين بوضع بذرة الذكر فىّ لارعاها و اسقيها بالتبتل اليك بكرة و اصيلا
لتثمر بجودك ثمرة : الجمع عليك ..
الى هنا و يبد أ ... التبتل ..... : و اذكر أسم ربك و تبتل اليه تبتيلا اى الانقطاع اليه عن كل ما سواه
و كل ما سبق ليل طويل بالنسبه لنور التبتل .. بل كالخروج من ضيق رحم الام .. الى فضاء الوجود
و شكرا
المفضلات