هانى صلاح الدين يكتب: قراءة تحليلية لعقد "مدينتى"

الجمعة، 14 نوفمبر 2008 - 19:37

عقد "مدينتى" كشف النقاب عن آثار زواج السلطة بالمال



إذا أردنا أن نعرف كيف تتم صفقات الكبار مع الحكومة، والامتيازات التى يحصدونها فى مجالات "البيزنس"، فعلينا جميعا أن نقرأ عقد مدينة "مدينتى" المبرم بين "الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمرانى" التابعة لمجموعة شركات هشام طلعت مصطفى، ووزارة الإسكان المتمثلة فى "هيئة المجتمعات العمرانية"، والذى انفرد اليوم السابع بنشر نصه.

فقد كشف هذا العقد النقاب عن مدى ضخامة الآثار المترتبة على تزاوج السلطة بالمال، وإطلاق يد رجال الأعمال فى ممتلكات الدولة، ليزدادوا ثراء على ثرائهم، فى الوقت الذى يشكو فيه الشعب بشرائحه المختلفة من ضيق الحال. ومن خلال السطور التالية سنتعرض بالتفصيل لأهم الشبهات والامتيازات التى حصلت عليها شركة هشام طلعت من خلال بنود هذا العقد.

ونبدأ من أخطر بنود عقد مدينتى، وهو بند رقم "7" فى تمهيدى العقد، والذى نص على بيع الأرض لشركة هشام طلعت بدون مقابل نقدى معين، واكتفت الهيئة بالحصول على نسبة عينية تقدر بـ 7% من إجمالى ما يتم إنشاؤه من وحدات سكنية، فى حين تغافل العقد تحديد أى قيمة للوحدات السكنية ووضع هامش ربح محدداً، حيث ترك الحرية الكاملة للشركة فى تحديد تكلفة الوحدات وربحها بدون حد أقصى أو أدنى خلال المراحل الزمنية المختلفة لإنشاء الوحدات.

كما أن بنود العقد فجرت مفاجأة من العيار الثقيل عندما أكدت أن نسبة الـ7% الخاصة بالهيئة فى مناطق الفيلات، يعود تقديرها للشركة. وفيما أكد العقد أن المساحة الأساسية المتفق عليها لإقامة مشروع "مدينتى" هى خمسة آلاف فدان (أى ما يقارب 21 مليون متر)، سمح العقد فى بند لاحق للشركة بإضافة ثلاثة آلاف فدان جديدة للمساحة المتفق عليها، دون تحديد الأغراض التى سيتم استخدامها فيها، واستخدم لها غطاء لفظياً مطاطياً، جاء نصه فى البند الثانى من الاتفاق التمهيدى كالتالى: "أما مساحة ثلاثة آلاف فدان الأخرى فسيتم الاتفاق على أسلوب استغلال هذه الأرض لاحقا"، وهنا نطرح سؤالاً: كيف يجوز لهيئة المجتمعات العمرانية منح قطعة أرض بهذه المساحة الضخمة، دون تحديد طبيعة أغراض استخدامها بصورة تفصيلية، وكيفية حصول الهيئة على مستحقاتها فيها.

ولو انتقلنا إلى البند الرابع من العقد فى الجزء التمهيدى به، سنجد أن هيئة المجتمعات العمرانية سمحت للشركة بحق الشفعة، فى امتلاك المساحة المحصورة بين أرض المشروع وطريق القاهرة ـ السويس، والتى تقدر بـ 10 كيلو مترات، أى ما يساوى 1800 فدان، فى حال أرادت الهيئة بيعها.

والغريب فى الأمر أن الهيئة ألزمت نفسها فى البند التاسع عشر بتوصيل كافة المرافق من مياه وصرف صحى وطرق إلى حدود المدينة ، دون أدنى تكلفة تتحملها الشركة، وذلك بالرغم من أن المشروع ربحى وبعيد عن الدعم الحكومى.

أم البند السابع من العقد فقد أباح للشركة العربية بيع نسبة 40% من الأراضى الفضاء القابلة للبيع من مساحة أراضى كل مرحلة من مراحل المشروع، دون تحديد لمستحقات الهيئة المادية فى هذه المساحة وكيفية تحصيلها، خاصة أن البنود التمهيدية حددت نسبة الهيئة بـ7% فى الوحدات المنشأة، وكأن المساحات الفضاء التى سيتم بيعها هى هبة من الهيئة للشركة. وإذا كان البند الرابع فى فقرته الثانية قد أعطى الحق للهيئة فى الحصول على ما يساوى 7% من الوحدات السكنية المفترض أن تنشأ على هذه الأراضى مقارنة بمثيلتها فى المناطق السكنية، إلا أن هذا البند جعل التقدير جزافياً وترك الحبل على الغارب للشركة فى تقدير مستحقات الهيئة.

البند الحادى عشر فى فقرته الثالثة أجاز للشركة سحب مبالغ من رصيد الإيداعات للصرف منها على مراحل التنفيذ المختلفة، بنسبة 95 % من رصيد الحساب، ويحتفظ بنسبة (5 %) فقط من إجمالى رصيد الإيداعات، مما يهدد بإهدار إيداعات العملاء إذا تعرضت الشركة لأى أزمة مالية أثناء تنفيذ المشروع .

البند الثانى عشر ألزم أصحاب الوحدات المخصصة للهيئة بنظام الصيانة الذى تقوم به الشركة المنفذة للمشروع، على أن يقوموا بسداد مبلغ يحدد حسب مساحة الوحدة المشتراه للشركة دفعة واحدة قبل الاستلام، وتحدده الشركة كيفما يتراءى لها، مع التزام هؤلاء العملاء بأى فروق قد تطالبهم بها الشركة بهذا الشأن، دون أى مسئولية على الهيئة، وكأن الهيئة أعطت حرية التصرف للشركة المنفذة فى الوحدات المخصصة لها، والمباعة من قبلها للمواطنين، ضاربة بالقوانين المنظمة لامتلاك العقارات عرض الحائط، حيث يبيح القانون للمالك أن يتخير الشركة التى تقوم بصيانة عقاره أو وحدته السكنية، ولكنه النفوذ الذى تُفتح أمامه كل الإشارات الحمراء ويطاح من أجله بكل القوانين.

كما أننا نجد أن البند الأول، فى تمهيدى ملحق العقد، ألزم الشركة بمواصفات معينة فى الإنشاء، وهذا الأمر ليس به أى عيب قانونى ، لكنة انزلق إلى تحديد شركات بعينها يتم التعامل معها بشكل مباشر، مثل: "سيراميك أراسمكو" ودهانات "سايبس" وأطقم صحية ماركة "ليسيكو".